أكاذيب صندوق النقد الدولي

أكاذيب صندوق النقد الدولي

10 ابريل 2019
من تظاهرات الأردن احتجاجاً على السياسيات الاقتصادية (فرانس برس)
+ الخط -
من الطبيعي أن يفقد الكثيرون الثقة في صندوق النقد الدولي وتقاريره وتوقعاته وتصريحات كبار مسؤوليه، ليس فقط لأنه بات مؤسسة داعمة للأنظمة الديكتاتورية والمستبدة والفاشية حول العالم، أو لأنه منظمة تستغلها الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، في قهر الدول النامية واذلال شعوبها اقتصادياً، أو لأنه مؤسسة تساهم في إغراق الدول في الديون الخارجية وإجبار حكوماتها على خفض الدعم وزيادة الأسعار والصدام مع الشارع، بل أصبح الصندوق مزيفاً للحقائق والأرقام ومجاملاً للحكومات و"خائباً" حتى في التوقعات.

الصندوق مثلا أغرق مصر في الديون الخارجية والداخلية والتضخم وتسبّب في زيادة معدلات الفقر والبطالة وركود الأسواق وانهيار الطبقة المتوسطة، ومعها أغرق المواطن الفقير في أزمات معيشية متواصلة وقاسية.

مصر

صندوق النقد شجع الحكومة المصرية على الاقتراض الكثيف من الأسواق الدولية، وحسب الأرقام فقد اقترضت 22 مليار دولار، منذ بداية عام 2017 وحتى الآن، عبر إصدار سندات بالدولار واليورو، كما اقترضت في شهر فبراير الماضي ملياري دولار من صندوق النقد الدولي، و4 مليارات دولار عبر طرح سندات دولية، ومليار دولار عبر طرح البنك المركزي أذونا دولارية، إضافة إلى قروض أخرى حصلت عليها الحكومة من مؤسسات مالية دولية وإقليمية أخرى، منها البنك الإسلامي للتنمية والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الدولي والبنك الأوروبي وغيرها .

وهذه القروض الضخمة التي حصلت عليها الحكومة خلال عامين، وتعادل قيمتها 400 مليار جنيه بالعملة المحلية، لم تنعكس إيجابا على الاقتصاد المصري الذي قالت عنه مديرة صندوق النقد، كريستين لاغارد، أمس الثلاثاء، إنه "ينمو بقوة، وإن الدين العام في البلاد يمضي في اتجاه تنازلي".


كما لم تنعكس هذه الأموال المقترضة على المواطن الذي يعاني من قفزات في الأسعار لم تشهدها البلاد من قبل، وأخيرا لم تنعكس هذه المليارات على الموازنة العامة التي تعاني من عجز متزايد ومزمن، رغم سرعة وتيرة الاقتراض المحلي والخارجي. كما لم توفر القروض الخارجية فرص عمل حقيقية أو تؤسس مشروعات إنتاجية رغم ضخامتها.

الأردن

وصندوق النقد الدولي أغرق الأردن في أزمات اقتصادية ومعيشية متواصلة وتسبب في حدوث قفزات بالدين العام الخارجي، حيث أجبر الحكومة على زيادة الضرائب وأسعار الخبز والكهرباء والمياه والتبغ وإلغاء الدعم عن المشتقات النفطية، وآخر إملاءاته هو المطالبة بزيادة أسعار مياه الشرب عن طريق إلغاء الدعم الموجه إليها، وكم شاهدنا صدامات في الشارع الأردني بين المتظاهرين والحكومة والبرلمان بسبب إملاءات الصندوق القاسية ورفض الشارع لها.

تونس

ودخلت الحكومة التونسية في صدام مع اتحاد الشغل، الذي يمثل مصالح العمال في البلاد، بسبب إملاءات صندوق النقد الدولي، خاصة المتعلقة بخفض كتلة الأجور إلى حدود 12 بالمائة في غضون سنة 2020، ووقف برامج التوظيف في القطاع الحكومي، وخفض الدعم عن السلع الرئيسية وبيع البنوك والشركات العامة.

وأجبر الصندوق حكومة يوسف الشاهد على زيادة سعر البنزين أكثر من مرة، آخرها في شهر مارس الماضي، مقابل الإفراج عن شريحة جديدة من قرض متفق عليه.

اقترض ثم اقترض

وما يحدث في مصر وتونس والأردن لا يختلف عن السيناريو المطبق في دول أخرى منها المغرب، ووصفة أو "روشتة" صندوق النقد للدول معروفة ومحفوظة للجميع وهي "اقترض، ثم اقترض لكي تسدد ما اقترضته، وعندما تغرق في الديون، عليك بجيب المواطن لنهبه عبر زيادة الضرائب والرسوم والجمارك وخفض الدعم الحكومي وزيادرة الأسعار وتكلفة الانتاج، وفي حال استحقاق قسط دين واجب السداد افرض المزيد من الضرائب، والغِ دعم الوقود والسلع، وخفّض الرواتب، واستغنَ عن جزء من موظفي الحكومة"، والشروط الأخيرة هي جديد تعليمات الصندوق للحكومات العربية.

سياسة الإملاءات التي ينتهجها صندوق النقد الدولي فاشلة وثبت عدم جدواها، ولذا فإن الصندوق مطالب بالعدول عنها وتغييرها إذا كان حقا تهمه اقتصاديات الدول التي يُقرضها، وقبلها تهمه صورته الذهنية. 

وقبل هذه الخطوة، فإن الصندوق يحتاج إلى "غسيل سمعة"، لأن سمعته باتت قذرة ولا تختلف كثيرا عن جرائم غسل الأموال القذرة التي يقول إنه يحاربها حتى لا تؤثر سلباَ على نمو الاقتصاد العالمي، بينما هو في الواقع يشجع عليها، فالصندوق لا يهمه كثيرا الفساد الحكومي، ولم يسأل يوما عن الثروات المنهوبة للدول المقترضة في الخارج، أو عن مرتبات كبار المسؤولين الخرافية وكيفية تقليصها، كل ما يهمه هو استرداد أمواله حتى ولو من جيوب الفقراء والمعدمين.