ترامب وباول... عام من الخلافات حول أسعار الفائدة والدولار

ترامب وباول... عام من الخلافات حول أسعار الفائدة والدولار

04 مارس 2019
باول والبنك المركزي يتعرضان لانتقادات عنيفة من ترامب(العربي الجديد)
+ الخط -
مر أكثر من عام منذ ان أدى جيروم باول القسم رئيسا للاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) خلفا لجانيت يلين في 13 فبراير/ شباط 2018 باختيار من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لم تتوقف الخلافات بينهما حول أسعار الفائدة والسياسة النقدية.

وعندما أعلن ترامب في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 عن اختياره لباول رئيسا للمركزي الأميركي كان على أساس أنه الأقل ميلا للتشدد النقدي من المرشحين الآخرين، وأن باول سيدين له بالولاء لأنه صاحب الفضل في تعيينه، ولكن للاقتصاد والبنوك المركزية رؤى مختلفة في الغالب عن السياسيين فيما يتعلق بالسياسات النقدية الأجدر بالاتباع وأسعار الفائدة الأنسب للأوضاع الاقتصادية، وهو ما أدى لخروج باول عن النص في أحيان كثيرة مما أدى إلى التصادم مع رئيس تصادمي بالأساس.

وفي إعلانه الذي أدلى به في البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وصف ترامب باول بأنه قائد أهل للثقة وذكي، وقال إنه "استنادا إلى سجله أنا واثق أن جاي (جيروم) يتمتع بالحكمة ومؤهلات القيادة اللازمة ليقود اقتصادنا".

وبعد أسبوعين تقريباً من أداء القسم، لمح رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول إلى أن البنك المركزي الأميركي سيتمسك بتوجهه نحو زيادات تدريجية في أسعار الفائدة.

وقال باول في خطابه الأول أمام الكونغرس إن "النمو الاقتصادي القوي" تعززه "سياسة مالية أصبحت أكثر تحفيزا"، مشيرا إلى "زيادة تدريجية في معدلات" الفوائد، مضيفا أن نسبة التضخم "سترتفع" العام الحالي وكذلك الأجور، في حين لم تغير التقلبات الأخيرة في الأسواق الاتجاه الجديد للأوضاع المالية.

وأشار إلى أن "لجنة النقد في الاحتياطي الفدرالي ستواصل إيجاد توازن بين منع الاقتصاد من الإنهاك المفرط ودفع التضخم نحو هدفه المتمثل بنسبة 2%".
وفي 21 مارس/آذار 2018، رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) أسعار الفائدة، متوقعا زيادتين أخريين على الأقل خلال العام، ولمح إلى تنامي الثقة في أن التخفيضات الضريبية والإنفاق الحكومي سيدعمان الاقتصاد والتضخم.

لم يكتف باول برفع أسعار الفائدة وتشديد السياسة النقدية بما يخالف توجهات ترامب لكنه أيضا هاجم بشكل علني الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على السلع المستوردة، حيث أكد في يوليو/تموز 2018 أن الشركات الأميركية تضررت من الرسوم الجمركية، مؤكدا في تقرير البنك نصف السنوي أنه ما زال يتوقع زيادة تدريجية في أسعار الفائدة.

ترامب يصعد

بدأ ترامب يدرك أن باول لن يكون طوع أوامره أو سياساته، بل إن هناك عوامل عدة تؤثر على أداء باول وقرارات المركزي الأميركي تتعلق في الغالب بقناعة المركزي باستقلاليته وحقه في اتخاذ ما يراه مناسبا لضبط السياسات المالية في البلاد.

بدأت تصريحات ترامب تتصاعد ضد باول والفدرالي الأميركي في يوليو/تموز 2018، حيث قال في مقابلة مع شبكة تلفزيون "سي.أن.بي.سي" إنه "ليس مبتهجاً" بشأن قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي رفع أسعار الفائدة.

ونقلت الشبكة التلفزيونية عن ترامب قوله "أنا لست سعيداً بهذا. لكن في الوقت نفسه أنا أتركهم (مجلس الاحتياطي) يفعلون ما يشعرون أنه الأفضل".


ورد باول في مقابلة إذاعية في منتصف يوليو/تموز أنه ليس مهتماً بالضغط الذي يمارس عليه لتغيير سياسته. وقال "لا نولي الاعتبارات السياسية أي اهتمام"، مضيفا أنه "لم يقل لي أحد في الإدارة شيئاً يمكن أن يثير قلقي في هذا الشأن".

وبعدها بشهر تقريبا وفي أغسطس /آب 2018 قال باول إن المزيد من زيادات الفائدة هي أفضل سبيل لحماية انتعاش الاقتصاد.

وفي نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، رفع الفدرالي أسعار الفائدة للمرة الثالثة خلال العام 2018، فرد ترامب بداية أكتوبر/تشرين الأول بمؤتمر صحافي قائلاً: "أداؤنا عظيم كبلد. لسوء الحظ لقد رفعوا لتوهم أسعار الفائدة لأن أداءنا جيد. أنا لست سعيداً بذلك الأمر". وأضاف: "أفضل أن أسدد الديون أو أن أفعل أموراً أخرى كأن أخلق المزيد من الوظائف. من ثم أنا قلق بشأن حقيقة أنه يبدو أنهم يحبون رفع أسعار الفائدة".

تابع ترامب حملته، وقال إن هبوط سوق الأسهم في الولايات المتحدة "تصحيح طال انتظاره"، وإن مجلس الاحتياطي الاتحادي الذي يرفع أسعار الفائدة "جُن جنونه".

وفي نفس الشهر، قال ترامب إن بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي (البنك المركزي)، يشكل "التهديد الرئيسي" له لأنه يرفع معدلات الفائدة "بسرعة كبيرة"، وهي الانتقادات التي جددها ترامب في أكثر من مناسبة حتى نهاية العام 2018، والتي تراوحت بين انتقادات صريحة لرئيس البنك المركزي ودعوات للمركزي بخفض أسعار الفائدة.

من جانبه رد باول بالتأكيد على أن المركزي ماض في سياسته ورفع أسعار الفائدة وأنه لن يستقيل من منصبه، وأن المركزي لا يمضي في مسار محدد لرفع أسعار الفائدة وأنه قد يعلق تشديد السياسة النقدية مثل عام 2016.
ويوم 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجاهل المركزي الأميركي ضغوط ترامب وقرر في نهاية اجتماعاته، بالإجماع، رفع معدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، أو ربع في المائة، لتصل إلى نطاق 2.25-2.50%، وهو أعلى مستوى لها منذ حدوث الأزمة المالية العالمية قبل عشر سنوات تقريباً.


وهي الزيادة التي أدت إلى تصعيد من جانب ترامب لم يتوقف حتى الآن، حيث وصف في تصريحات له يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2018 البنك المركزي بأنه "المشكلة الوحيدة أمام اقتصاد الولايات المتحدة"، وذلك عقب أيام قليلة من تقارير ذكرت أن ترامب ناقش سراً مؤخراً إمكانية إطاحة رئيس المجلس جيروم باول.

باول يهدئ

وبدأ باول في التهدئة مع العام الجديد 2019، حيث أكد في اللقاء السنوي للرابطة الاقتصادية الأميركية في أطلانطا، أن البنك الفدرالي سيتحلى بالصبر في ما يخص رفع الفائدة، وأن "الأسواق  سبقت البيانات" (في إشارة إلى الانخفاض المبالغ فيه في أسعار الأسهم)، وهو ما تسبب في رأيه في انخفاضات أسعار الأسهم الأخيرة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول المنتهي. 

وفي نهاية يناير/كانون الثاني قرر المركزي الأميركي تثبيت معدلات الفائدة على أمواله عند مستوياتها الحالية، في نطاق 2.25% - 2.50%.

ثم عاد وأكد باول في نهاية يناير/كانون الثاني 2019، أن "العوامل الداعمة لرفع معدلات الفائدة ضعفت" في مؤشر على التراجع أو الإبطاء في سياسة رفع سعر الفائدة.

وبرر باول تغيير خطابه، الذي لاقى قبولاً واسعاً في الأوساط المالية، بـ "تزايد المخاطر التي تهدد الاقتصاد الأميركي، وتنذر بتعرضه للركود، بفعل التباطؤ الاقتصادي الحالي في أوروبا وآسيا". 

لكن ذلك لم يشفع له حيث جدد ترامب في 3 مارس/آذار الجاري انتقاده لمجلس الاحتياطي الاتحادي وقال إن تشديده السياسة النقدية يسهم في قوة الدولار ويضر بقدرة الولايات المتحدة على المنافسة.

وقال ترامب خلال مؤتمر إنني "أريد دولارا قويا، لكن أريده دولارا مفيدا لبلدنا وليس دولارا قويا لدرجة تمنعنا من التعامل مع الدول الأخرى".

وأضاف ترامب: "لدينا رجل مهذب في مجلس الاحتياطي الاتحادي يحبذ التشديد الكمي. نريد دولارا قويا، ولكن لنتحلَّ بالمنطق.. هل يمكن تصور إذا ما تركنا أسعار الفائدة كما هي... إذا لم نلجأ للتشديد الكمي، كان هذا سيقود لسعر أقل للدولار قليلا"، وغالبا ما تعزز العملة الضعيفة قدرة صادرات البلد على المنافسة.

المساهمون