العائد السلبي وانقلاب منحنى عائد السندات الأميركية يؤرقان المستثمرين

العائد السلبي وانقلاب منحنى عائد السندات الأميركية يؤرقان المستثمرين

01 ابريل 2019
متعاملون في سوق وول ستريت (فرانس برس)
+ الخط -

مع انخفاض العائد على سندات الخزانة الأميركية لعشر سنوات لأقل مستوى له منذ عام 2017، وعدم حدوث القدر نفسه من الانخفاض في عائد نظيرتها من فئة السنتين، انقلب منحنى العائد لهذه السندات، الأمر الذي أعطى انطباعاً عاماً، شمل المتخصصين والهواة على حدٍ سواء، بأن العالم ينتظر ركوداً كبيراً، أوشك أن يدق الأبواب. 

ويضع الاقتصاديون عنوان "منحنى العائد المنقلب" Inverted Yield Curve للحالة التي ينخفض فيها عائد أوراق الدين للمدد الطويلة عن نظيره للمدد الأقل، وهي الحالة التي سبقت كل حالة ركود ضربت الأسواق من قبل، في أميركا، أو في دول العالم.

ورغم ظهور تلك الحالة في السوق الأميركية، بتأثير التصريحات المتتالية لمسؤولي الاحتياط الفيدرالي، والتي تؤكد عدم وجود نية لدى البنك الأكثر تأثيراً في أسواق العالم لرفع معدلات الفائدة على أمواله في المستقبل القريب، إلا أن بنك الاستثمار العملاق "يو بي إس" السويسري استبعد حدوث ركود قبل نهاية العام الحالي.

وعلى مدونته على الإنترنت، يقول ديفيد ليفكوويتز، المدير التنفيذي ومسؤول استراتيجيات الأسهم لدى "يو بي إس"، إن "الفارق الزمني بين انقلاب منحنى العائد وحدوث ركود اقتصادي يتراوح بين أقل من سنة وثلاث سنوات"، وهو ما يعني أن اتخاذ القرارات اعتماداً على شكل منحنى العائد فقط قد يؤدي إلى إساءة توزيع الموارد، وضياع العديد من الفرص.

وفي مذكرة لعملائه، يقول مايك ريان، مسؤول الاستثمار بالأميركيتين في البنك السويسري، إن الوضع الحالي "غير المعتاد" للسياسة النقدية يقلل من أهمية الإشارات الواردة من منحنى العائد، حيث يتجاوز حجم ميزانية البنك الفيدرالي حالياً 3.8 تريليونات دولار، بعد أن كان في حدود 800 مليار دولار قبل حدوث الأزمة المالية العالمية في 2008.
 
ويضيف "مع الأخذ في الاعتبار أن متوسط عمر أوراق الخزانة التي يحتفظ بها البنك يزيد عن متوسط عمر نظيرتها مما يحتفظ به الآخرون، فقد يكون انقلاب المنحنى مجرد نتيجة لنقص المعروض من الأوراق طويلة الأجل ومنعدمة المخاطر" كسندات الخزانة الأميركية.
ويضيف ريان "لا نحاول إقناع المستثمرين بتجاهل منحنى العائد المنقلب، فهناك توقعات بتباطؤ الاقتصاد العالمي بالفعل، وتلاشي الضغوط التضخمية، لكن الاستناد إلى منحنى العائد لتأكيد حدوث ركود قريب يعد إساءة استخدام للمعلومات المتاحة".

وحسب ريان، فإنهم في بنك يو بي إس "لا يتوقعون حدوث ركود، أو بداية موجة بيعية في أسواق الأسهم خلال فترة 6-12 شهراً القادمة"، رغم وجود علامات للدخول في المرحلة النهائية من دورة الأعمال الحالية.

ومع انخفاض العائد على السندات الحكومية في العديد من العملات الرئيسية في الاقتصادات الكبرى إلى مستويات صفرية، وأحياناً سالبة، كان طبيعياً أن يزداد الإقبال خلال الأسابيع الأخيرة على السندات الأميركية لعشر سنوات، باعتبارها من الحالات النادرة التي ما زالت تدفع عائداً يتجاوز 2.40%، وهو ما أدى إلى انخفاض العائد عليها.

وقالت وكالة بلومبيرغ الأسبوع الماضي إن السندات الحكومية الألمانية لعشر سنوات تم التداول عليها بعائد سلبي، أي أقل من صفر في المائة، ليصل حجم السندات الدولية التي يتم التعامل عليها بعائد سلبي في كافة أنحاء العالم إلى 10 تريليونات دولار.

وعلى مدار تاريخ سوق أوراق الدين، تميزت فكرة العوائد السلبية للسندات ببعض التناقض، حيث "يضمن" حامل السند "خسارة" جزء من ماله، في حالة احتفاظه به حتى استحقاقه. لكن على ما يبدو فإن الفكرة بدأت تلقى بعض القبول، خاصة في عالم "يضمن" خسارة حقيقية أكبر لو تم الاحتفاظ بالأموال في حسابٍ في بنك، أو في أي أصل مالي آخر.

وتقوم ثلاث فئات أساسية بشراء السندات ذات العوائد السلبية، تمثل الأولى مجموعة المستثمرين الذين يتعين عليهم الاستثمار في السندات الحكومية، بغض النظر عن العائد عليها، وهذه الفئة تضم البنوك المركزية، وشركات التأمين التي يتعين عليها الاحتفاظ بنسب معينة من الاحتياط الإلزامي في صورة سندات، وصناديق التقاعد.

أما الفئة الثانية، فتكون عادةً من المستثمرين الأجانب، الذين يتوقعون ارتفاع قيمة عملةٍ معينة، فيقومون بشراء السندات المصدرة بهذه العملة، أملاً في بيعها عند ارتفاع قيمة العملة وتحقيق أرباح من التبديل والعودة إلى عملاتهم المحلية. وتشمل الفئة الثالثة المستثمرين الذين يتوقعون تراجع سوق الأسهم، وهو ما يجعلهم يختارون البديل الذي يحقق الخسارة الأقل، من وجهة نظرهم، وهي على الأغلب الحالة التي تمر بها الأسواق حالياً.

ولم تقتصر العوائد السلبية في الفترة الأخيرة على السندات الحكومية، وإنما امتدت لتشمل سندات الشركات في ظاهرة تقوض مفهوم المخاطر الائتمانية بصورة واضحة، حيث يدفع المستثمرون مبلغاً من المال، من أجل السماح لهم بإقراض بعض الشركات.

وخلال الشهر الماضي، أصدرت شركة المنتجات الفاخرة الفرنسية لوي فيتون، صاحبة العلامة التجارية لحقائب السيدات عالية الشهرة التي تحمل نفس الاسم، سندات بعائد سلبي قيمتها 300 مليون يورو، فتلقت طلبات تقدر بستة أضعاف المبلغ المطلوب في غضون ساعات.

وكذلك تلقت شركة سانوفي الفرنسية للأدوية أيضاً طلبات تفوق ما طلبت اقتراضه، رغم عرضها عائداً سلبياً. ويوم الأربعاء الماضي، أصدرت شركة توتال للنفط والغاز سندات دائمة Perpetual Bonds، وهي السندات التي لا تستحق أبداً، بعائد لم يتجاوز 1.75%.

وعلى مستوى سندات الخردة، تمكنت شركة صناعة بطاريات السيارات الأميركية باور سولوشنز من إصدار سندات لسبع سنوات بعائد 4.375% فقط، رغم ظهور مديونيات في ميزانيتها تتجاوز ستة أضعاف الأرباح التي تحققها. 

المساهمون