مشاريع معطلة وديون عالقة وسط تصاعد حراك الجزائر

مشاريع معطلة وديون عالقة وسط تصاعد حراك الجزائر

26 مارس 2019
مخاوف من تدهور الوضع الاقتصادي (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
تشهد بعض القطاعات الاقتصادية في الجزائر اضطرابات في تسيير عملها، منذ بداية الحراك الشعبي المعارض قبل أكثر من شهرٍ، فكثير من المشاريع الحكومية تنتظر التمويل، وشركات خاصة تشكو من تأخر تسلّم مستحقاتها من الدولة، فيما يتهرب المسؤولون من تحمّل أوزار التوقيع، خاصة في ظل امتداد الفراغ الحكومي.
وبدأ الشلل يصيب العديد من المشاريع التي أطلقتها الحكومة الجزائرية، وخصصت لها تمويلاً في الموازنة الحالية. على سبيل المثال، مشروع "سكة الهضاب" الذي رصدت له الحكومة أكثر من مليار دولار لربط 5 محافظات، هو أحد المشاريع المتضررة من غياب الحكومة.

واتخذ المسؤولون قرراً، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بتمويل هذا المشروع بميزانية إضافية تقارب 400 مليون دولار من موازنة هذه السنة، إلا أن الأموال لم تصل بعد، بسبب دخول الجزائر في فترة "الحراك الشعبي" وما تبعه من اضطراب سياسي.
وفي السياق، يقول مدير التخطيط في وزارة الأشغال العامة، عبد الرحيم دنيبل، إن "المبالغ المتعلقة بالمشاريع الكبرى تحوّل مباشرة من ميزانية التجهيز الخاصة بالدولة والمقررة في الموازنة العامة، ووزير القطاع ما عليه إلا أن يوقع على طلب التمويل الأصلي أو الإضافي وإرساله إلى رئاسة الحكومة أو الداخلية لاقتطاع المبلغ المقرر".

وأضاف نفس المتحدث، لـ "العربي الجديد": لا ننكر وجود شلل في بعض المشاريع، لكن الأمر لا يتعلق بالأموال فهي متوفرة، بل بغياب صاحب الكلمة الأخيرة وصاحب المسؤولية القانونية في تحويل الأموال. 
وكانت حكومة أحمد أويحيى، المستقيل في 11 مارس/آذار الحالي، قد خصصت 35 مليار دولار في الموازنة العامة لسنة 2019، كميزانية التجهيز، منها 25 مليار دولار موجهة لتمويل مشاريع جديدة، أو لإعادة تقييم المشاريع التي انطلقت أشغالها وتأجل تسليمها بسبب نقص الأموال في السنوات الماضية.

إلا أن هذه الأموال لا تزال في الخزينة العمومية، وتنتظر توقيع وزير المالية لتحويلها إلى الجهة المعنية، حسب بلقاسم دراجي، المسؤول المركزي في وزارة المالية، الذي كشف لـ "العربي الجديد" أن "الموازنة العامة، وبعد المصادقة عليها من طرف البرلمان والتوقيع عليها من رئيس الجمهورية، تحتاج إلى 3 أشهر على الأقل حتى تصل إلى الجهة النهائية، أي من يناير/كانون الثاني إلى النصف الثاني من مارس/آذار، وذلك بسبب الإجراءات التقنية، التي يتطلبها تحويل الأموال من الخزينة العمومية نحو الوزارات، وكل هذا تعطل نوعاً ما بسبب غياب الحكومة، خاصة وزير المالية صاحب التوقيع الأخير".
وطوت الجزائر أسبوعها الثاني من دون الإعلان عن حكومة التوافق التي وعد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إذ كلف وزير الداخلية السابق، نور الدين بدوي، بتشكيلها. في وقت دخل فيه حراك الجزائريين المناهض للنظام شهره الثاني، ولا تلوح في الأفق أي إشارات إلى طبيعة "الحكومة التوافقية الجديدة"، ما أدى إلى شلل تام للعديد من القطاعات الاقتصادية.

واستمرار الغموض السياسي، وضبابية المشهد الجزائري في أعلى هرم السلطة، خلقا حالة واسعة من الانسداد وصل مداها إلى القاعدة، فبات مصير العشرات من الشركات المتعاقدة مع جهات حكومية جزائرية، مرتبطا بانفراج الوضع السياسي، إذ تنتظر توقيعاً من مسؤول مركزي أو جهوي، لتحصيل أموالها العالقة، ودفع رواتب عمالها.

في محافظة البويرة (120 كيلومتراً شرقي العاصمة) قال أحد أصحاب شركات المقاولات، كمال بن جردة، لـ "العربي الجديد"، إنه "ينتظر تحصيل 4 فواتير عالقة بعد إنجازه عيادة طبية، ومدرسة ابتدائية رفقة شركة مقاولات ثانية، وقد تجاوزنا آجال التسديد الواردة في الاتفاق المبرم مع المحافظة بصفتها ممثلة الحكومة على الصعيد الإقليمي". 

وأضاف المقاول الجزائري أن "الإشكال لا يكمن في الأموال، فهي موجودة، حسب المسؤولين في المحافظة، بل يكمن في تجميد المحافظ لعمليات التمويل لبعض المشاريع".
وتابع: كل ما أخشاه أن تتطور الأحداث ويتغير المحافظ ويصبح مصير الأموال العالقة مجهولاً، فقد استدنت حتى أدفع أجور العمال المتأخرة، ولم ندفع مصاريف التغطية الصحية والضرائب حتى الآن. وكلما امتد حراك الجزائريين، تزداد حدة الانسداد السياسي، ما يجعل أصحاب القرار على الصعيد الوزاري والجهوي، يماطلون أو يرفضون اتخاذ القرارات اللازمة.

إلى ذلك، يقول وزير المالية الأسبق ورئيس جمعية البنوك الجزائرية، عبد الرحمان بن خالفة، لـ "العربي الجديد"، إن "الكثير من أصحاب التوقيعات يرفضون استعمال أختامهم في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها البلاد، ويفضلون التريث أو ربح الوقت، خوفا من وقوعهم في المحظور".
وأكد المتحدث نفسه أنه يعرف بعض مديري البنوك ممن رفضوا منح قروض لرجال أعمال حالياً، خوفاً من المحاسبة مستقبلاً، واتهامهم بسوء التسيير وتبديد أموال الشعب، فالتاريخ لا يرحم، إلا أنه في المقابل قال: لا يمكن أن نشل بلداً بأكمله بسبب الخوف، فإذا تمت الأمور وفق القانون وباحترام العقود، يجب عدم حرمان أصحاب الحقوق من أموالهم، ولا يجب تعطيل مصالح الناس.