حينما يصبح المسؤول ناشطاً إعلامياً

حينما يصبح المسؤول ناشطاً إعلامياً

26 مارس 2019
الأسد ونظامه مسؤولان عن تدهور الأوضاع المعيشية للسوريين (Getty)
+ الخط -
ثمة فارق وشاسع، أو هكذا يفترض، بين طرح المعارضة، أي معارضة، وطرح السلطة، إذ من البديهي أن يطرح من هم خارج السلطة والقرار، ما ينقصهم وما يعوزه الشعب، من حريات وتحسين المستوى المعاشي. ويشيرون إلى مكامن الفساد ومخاطر البيروقراطية، لأن بذلك إدانة لمن هم بالسلطة، ودلائل على تقصيرهم تجاه واجبات، وصلوا إلى السلطة أصلاً، لتحقيقها.

وأما أن يأخذ ممثلو السلطة ورموزها، دور المعارضة بالطرح، ليرموا الكرة بالهواء، فهذا ربما لا يحصل إلا بسورية الأسد، وهاكم أمثلة.

رئيس النظام السوري بشار الأسد، وخلال آخر خطاب له، (شباط الفائت أمام رؤساء المجالس المحلية)، دعا حرفياً إلى ضرورة وأهمية النقد وأن للمواطن الحق في التعبير عن معاناته، وأن الشكايات التي يسمعها، تعبر عن معاناة حقيقية؛ "إن المواطن يصرخ لتلقي العلاج، وليس لكي يتم التعاطف معه فقط".

بل وتابع بالدور ذاته وعبر مشاهد متتالية، أنه يوجد تقصير في الأداء من قبل بعض المسؤولين، ولا بد أن يكون المسؤولون شفافين مع المواطنين، "بعض المسؤولين لديهم عنتريات".

وهكذا إلى أن وصل رأس النظام السوري إلى ما سمّاه تلخيص مشاكل معيشة السوريين بـ "توفير المواد، الاحتكار، الأسعار".

السؤال هنا يا سيادة الرئيس، إن كنت تعرف أن المواطن يصرخ ويعاني، فمن تتوقع أن يرفع عنه المعاناة ويعينه لئلا يصرخ؟ وإن كنت بصورة أن المسؤولين لديهم "عنتريات" فمن سواك له صلاحية إقالتهم ومحاسبتهم؟ وإن يوجعك قلبك على معيشة المواطن من جراء الأسعار والاحتكار، فمن تتوقع أن يضرب على يد تجار الحرب والأزمات يا سيادة الرئيس؟

والحال لا يقتصر على الأسد، بل يطاول حكومته وعصابته بالمطلق، فأمس على سبيل المثال، قال رئيس حكومة الأسد، عماد خميس خلال لقائه بصناعيين: "إن الغلاء لا يتناسب مع الدخل ولا بد من تحسين دخل المواطن".


فلمن موجهة هذه الـ"لا بد" أيها المسؤول الخميس، هل سلطتك على وزارة المال منقوصة مثلاً، هل ثمة فترة تأديبية لا بد أن يتم استكمالها، ليتربى السوريون ولا يفكرون بالحرية حتى الأسد الثالث عشر، أم بهذه الـ"لا بد" اعتراف صريح بأنك صورة ولا تمتلك صلاحية رفع الأجور المثبتة عند 40 ألف ليرة "70 دولارا"، وأنت تعرف أن إنفاق الأسرة السورية يزيد عن 200 ألف، وردم الفارق يا سيادة رئيس الحكومة، يتم عبر بيع، ربما ما يباع لمرة واحدة.

والموجع بالأمر بسورية الأسد، أن هذه السفسطة التي يرمي خلالها بشار الأسد كرة المسؤولية بالفضاء، إنما تعتبرها حكومته فتحاً قولياً ومعرفياً مخلصاً لكل ما تعانيه البلاد والعباد.

وهنا لا نتهكم، بل نعكس وقائع، إذ بعد خطاب الأسد الأخير وبيوم واحد، بدأت الوزارات السورية عقد اجتماعاتها لوضع "خطة عمل تنفيذية" مستمدة مما جاء في الخطاب، وبدأ تاريخ التملق يعيد نفسه، عبر تصريحات الوزراء والمسؤولين، أن الخطاب "منهج عمل" والخطاب "برنامج تنفيذي" والخطاب "خطة طريق للخروج من الأزمة".

نهاية القول: تطور النظام السوري ولا شك، إذ وصل إلى مرحلة "المريض المعترف" وتعدى حالته الإنكارية، إذ يمكن وببساطة لبشار الأسد أن يقول إن مسؤوليه جميعهم "مناضلون وشرفاء" والشماعة جاهزة "الاستهداف والحرب الكونية". كما يمكن لرئيس حكومته أن يقول إن الراتب جيد والمشكلة بالحصار وتراجع سعر الصرف، بيد أن دور "الناقد والمعارض" ربما بدأ يروق حتى للسلطة.

كما ثمة ملاحظة هنا، أن مرض النظام السوري معدٍ على ما يبدو، إذ طاول جلّ رموز المعارضة، فهم يتمثلون به لجهة دور الناشط الإعلامي، فترى مسؤولي الائتلاف على سبيل المثال، يندبون خلال فصل الشتاء حال اللاجئين بالمخيمات، ويقرون بأن المعارضة شابها الاختراق والفساد ووقعت في فخ التبعية وإغراء الدولار.

ليبقَ السوريون بواقع المسؤول الشكاء، كما قال المتنبي.. "فعلى أي جانبيك تميلُ".

المساهمون