"بريكست" بلا اتفاق يهدد الاقتصاد البريطاني بتراجع الاستثمار والركود

"بريكست" بلا اتفاق يهدد الاقتصاد البريطاني بتراجع الاستثمار والركود

11 مارس 2019
مناهضون لبريكست في لندن (Getty)
+ الخط -
يصوت البرلمان البريطاني غداً الثلاثاء مرة أخرى على اتفاق بريكست الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي، وعلى النواب هذه المرة إما الموافقة عليه، أو المخاطرة بالخروج من الاتحاد دون اتفاق في الموعد المحدد بعد أقل من ثلاثة أسابيع.

وكان مجلس العموم البريطاني رفض قبل شهرين اتفاق الانسحاب بأغلبية ساحقة، وطلب من ماي التفاوض مجددا مع المفوضية الأوروبية للتوصل إلى اتفاق أفضل.

إلا أن قادة الاتحاد الأوروبي رفضوا طلباتها واعتبروها مستحيلة، وحذر عدد من النواب أنه في حال لم يحدث اختراق خلال الساعات الـ24 المقبلة، فإن هزيمة ثانية للاتفاق في البرلمان هي "أمر حتمي".

وفي حال لم يوافق مجلس العموم على اتفاق، ولم يتم التفاوض على إرجاء بريكست أو لم يتم إلغاؤه، فسيتعين على بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي بعد 46 عاما من العضوية في 29 آذار/مارس دون اتفاق ما سيتسبب في مشاكل هائلة للجانبين.

الانعكاسات الاقتصادية

من المرجح أن يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، له تأثير مروع على الاستثمار في الأعمال التجارية في المملكة المتحدة لعدة سنوات، وفقاً لجوناثان هاسكل عضو  لجنة السياسة النقدية التابعة لبنك إنكلترا المركزي.
وقال هاسكل، وفق تقرير نشرته "ذا غارديان" اليوم، إن ضباب عدم اليقين في بريكست من غير المرجح أن ينقشع قريباً. وأشار إلى أن الاستثمار التجاري في المملكة المتحدة قد يتراجع، خصوصاً مع وقف الكثير من الشركات خطط الإنفاق والتوسع منذ استفتاء عام 2016.
ولفت إلى أنه لا يزال من الممكن جداً أن يظل الاستثمار في الأعمال منخفضاً في السنوات القليلة المقبلة، لأنه حتى لو تم إبرام صفقة تريزا في مايو/أيار، يمكن أن تستمر صفقة الانتقال لفترة أطول من 21 شهرا المخطط لها حاليا. وبالتالي، من الممكن أن تكون هناك جولة أخرى من المفاوضات وما يصاحبها من عدم اليقين.

كذا، يوجد سبب ثان، وهو أن المستثمرين يحتاجون إلى معرفة العلاقة التجارية المستقبلية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي لا تغطيها اتفاقية الانسحاب (التي لم يوافق عليها أعضاء البرلمان، على أي حال).
وتابع هاسكل أنه بالنسبة للأعمال التجارية، فإن مسألة ما إذا كان ذلك اتحادًا جمركيًا أو منطقة تجارة حرة أمر حيوي لأن ذلك يعطي مزيدًا من التوجيه بشأن ما إذا كانت هناك تجارة خالية من الاحتكاك مع الاتحاد الأوروبي أم لا.
وختم هاسكل أن توقعات بنك إنكلترا تُظهر أن بريطانيا سوف تتمتع بنمو أقل في التجارة والناتج، في غضون 15 سنة، مما لو بقيت في الاتحاد الأوروبي. وعلى الأقل في السنوات القليلة المقبلة يبدو احتمال انخفاض الاستثمار ممكناً.
مؤشرات ركود

وأظهرت أبحاث نشرت يوم الاثنين ان الأرقام الرئيسية التي تظهر سوق عمل بريطانياً قوياً تظهر انحساراً، وتدفق الوظائف في الشركات يبيّن نمطا يرتبط بظهور الركود.
وخلق أصحاب العمل في بريطانيا ما يقرب من 400،000 وظيفة في العام الماضي، مما دفع معدل الوظائف إلى مستوى قياسي جديد، وهو نقطة مضيئة في تباطؤ الاقتصاد الذي أثقلته مخاوف بريكست وضعف التجارة العالمية.
لكن أكاديميين في مركز أبحاث "انتربرايز سنتر"، قالوا لوكالة "رويترز" إن هناك بعض الإشارات غير الواعدة عند النظر إلى بيانات الوظائف بين الشركات الجديدة والقائمة.
ساهمت الشركات الناشئة بنحو مليون وظيفة في عام 2018، في حين تم إلغاء 613،000 وظيفة في الشركات القائمة. من غير المرجح أن يستمر هذا التوجه، مع معدلات "ولادة" الأعمال و"وفيات" الشركات التي تتقارب الآن، غالباً ما يكون ذلك فألًا ضعيفًا للاقتصاد، خاصة إذا تجاوز معدل الوفيات معدل المواليد.
وقال واضعو التقرير إنه ينبغي النظر إلى هذا الاتجاه في سياق طويل الأجل، وليس نتيجة لعدم اليقين المؤقت في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وشرح مارك هارت، أستاذ ريادة الأعمال في كلية أستون لإدارة الأعمال، أن البيانات الرسمية التي تظهر توظيفًا قياسيًا يمكن أن توصل صانعي السياسة إلى شعور زائف بالأمان.
وتابع هارت: "حتى إذا كانت أرقام التوظيف الرئيسية الخاصة بنا تدعمها الشركات المبتدئة التي تخلق وظائف جديدة، فإننا نشهد بالفعل تباطؤًا حادًا في توظيفات الشركات الراسخة التي تعتبر حيوية لصحة اقتصادنا".
وقد أشارت الدراسات التجارية الأخيرة القصيرة الأجل إلى انخفاض في التوظيف، رغم أن معظمها يعزو ذلك إلى عدم اليقين قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وسط حالة عدم اليقين، أظهر خامس أكبر اقتصاد في العالم بوادر تباطؤ، ويتوقع بنك إنكلترا أن يكون أضعف نمو في عام 2019 منذ الأزمة المالية العالمية، حتى لو تمكنت "ماي" من التوصل إلى اتفاق انتقال بريكست.
السيارات والإسترليني

وظل الجنيه الإسترليني تحت ضغط قبل اقتراعات مهمة في البرلمان بشأن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وتعرض الإسترليني لضغوط من جديد مع توجيه برلمانيين من أنصار الانفصال الأوروبي تحذيرا لرئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي من رفض البرلمان اتفاق الانسحاب من الاتحاد للمرة الثانية. ونزل الإسترليني لفترة وجيزة عن أقل مستوى في ثلاثة أسابيع 1.2945 دولار في التعاملات الآسيوية ثم عوض معظم الخسائر.

ومن جهة أخرى، أعلنت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني أن سيناريو "بريكست" من دون اتفاق، قد يضر صناعة السيارات في العالم.

وأشارت الوكالة إلى أن إنتاج بريطانيا من تلك الشركات مرتبط بشكل كبير بالاتحاد الأوروبي، والوصول إلى "بريكست" بلا اتفاق سيؤدي إلى آثار سلبية، اهمها وقف تجارة السيارات الخالية من الرسوم الجمركية مع دول الاتحاد.

ولفتت الوكالة إلى أن السيارات المصنعة بالمملكة المتحدة والتي سيتم تصديرها للاتحاد الأوروبي قد تواجه تعريفات سيارات بنسبة 10 في المائة، بما يتماشى مع الضرائب التي تدفعها الدول غير الأعضاء بالكتلة.

البنود الاقتصادية

ونص اتفاق ماي مع الاتحاد الأوروبي على إنشاء "شبكة أمان" (باكستوب بالإنكليزية) لمنع عودة حدود فعلية بين أيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا وجمهورية أيرلندا من أجل حماية اتفاقات سلام موقعة في 1998 والمحافظة على السوق الأوروبية الموحدة.

ويعد هذا الحل الخيار الأخير الذي يمكن اللجوء إليه في نهاية المطاف بعد الفترة الانتقالية في حال لم يتم إيجاد تسوية أفضل بحلول منتصف 2020 بين لندن وبروكسل.

وتقضي هذه الآلية المثيرة للجدل بإنشاء "منطقة جمركية موحدة"، وفق "فرانس برس" تشمل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لا تطبق فيها أي أنظمة للحصص أو رسوم جمركية على السلع الصناعية والزراعية.

وستتمتع أيرلندا الشمالية بوضع خاص إذ ستبقى ملتزمة بعدد محدود من قواعد السوق الأوروبية الموحدة خاصة في ما يتعلق بالمعايير الصحية لعمليات المراقبة البيطرية.

وإذا طبقت "شبكة الأمان"، يفترض أن يتم اتخاذ قرار مشترك لإلغائها مع ضرورة إيجاد علاقة تجارية أخرى تستثني الرقابة الجمركية على الحدود مع أيرلندا.
كما تعهدت بريطانيا باحترام التزاماتها التي قطعتها في إطار الميزانية الجارية التي تمتد لعدة سنوات (2014-2020) وتغطي الفترة الانتقالية أيضا. وستستفيد في المقابل من إعادة الأموال البنيوية الأوروبية والسياسة الزراعية المشتركة. وتقدر الحكومة البريطانية المبلغ بنحو 39 مليار جنيه إسترليني (44 مليار يورو).

وتريد المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي "منطقة للتبادل الحر وتعاونا أوسع بين مختلف القطاعات عندما يكون الأمر في مصلحة الطرفين".

وعلى هذه الشراكة التي يمكن أن "تتطور مع مرور الوقت" أن تحترم "سلامة السوق الموحدة والاتحاد الجمركي" وكذلك "السوق الداخلية البريطانية". كما يجب أن تعترف "بتطوير المملكة المتحدة لسياسة تجارية مستقلة"، وهي نقطة حاسمة لمؤيدي بريكست الذين يرون فيها المصلحة الرئيسية لمغادرة الاتحاد.
ولن تكون العلاقات بين قطاع المال البريطاني والاتحاد الأوروبي متطورة بالدرجة التي هي فيها اليوم إذ إن كلاً من الجانبين يرغب في حماية "استقلاله في التنظيم والقرار".

وسيبدأ العمل لوضع "أنظمة متكافئة" للمؤسسات المالية البريطانية "ما إن يصبح ذلك ممكنا". وتسمح هذه "الأنظمة المتكافئة" للخدمات المالية خارج الاتحاد الأوروبي بالقيام بأعمال في الاتحاد وفق بعض الشروط، وخصوصا معايير مراقبة مماثلة.

المساهمون