المغرب يتجنب تعويماً شاملاً للدرهم خوفاً من تآكل الاحتياطي

المغرب يتجنب تعويماً شاملاً للدرهم خوفاً من تآكل الاحتياطي

04 فبراير 2019
قلق من ارتفاع التضخم (Getty)
+ الخط -


لم تنخرط الحكومة المغربية في تعويم شامل للعملة المحلية، رغم توصيات صندوق النقد الدولي، مراعاة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إذ اختارت الاتجاه إلى تليين سعر صرف الدرهم بشكل تدريجي.

وحسب مراقبين لـ"العربي الجديد"، فإن عدم اندفاع المغرب نحو تحرير سوق الصرف بشكل كامل يرجع إلى المخاوف المتزايدة من هروب رؤوس الأموال، وتآكل رصيد النقد الأجنبي.

ودأب محافظ البنك المركزي عبد اللطيف الجواهري، منذ يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، على تأكيد أن المملكة انخرطت في تليين سعر صرف الدرهم، الذي قد يستغرق بضعة أعوام، رافضاً تسمية العملية بـ"التعويم"، الذي انخرطت فيه بلدان أخرى مرغمة بسبب وضعية رصيدها من النقد الأجنبي.

وشدد على أن قرار تليين سعر صرف الدرهم، لم يأت في سياق المشروطية، مؤكداً، في ردّه على الانتقادات، بأن التليين قرار سيادي لم يمله على المملكة صندوق النقد الدولي.

وحصر المغرب بعد قرار التليين العام الماضي، سعر صرف الدرهم داخل نطاق تقلب يرتفع أو يقل بنسبة 2.5 في المائة، وذلك عوض نسبة 0.3 في المائة التي كان معمولاً بها في ظل سعر الصرف الثابت.

وبرر المغرب تليين سعر صرف الدرهم بتحقيق تنافسية أكبر للصادرات، وخاصة الفوسفات ومشتقاته، والنسيج والملابس، والسيارات، والمنتجات الزراعية والغذاء، وسط رهان على خفض وارداته في ظل عجز الميزان التجاري المزمن.

ولا يتيح رصيد النقد الأجنبي مسوغاً مقنعاً للسلطات المغربية، للمضيّ في تليين سعر صرف الدرهم. ويتوقع المركزي المغربي، أن يغطي ذلك الرصيد في العام الحالي نحو 5.1 شهراً من المشتريات من الخارج.

ويذهب الاقتصادي محمد الشيكر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن المغرب يتحكم في عملية التليين ضمن النطاق الذي حددته له السلطات المالية، التي تسمح بتحرك الدرهم، ضمن حدود لا تؤدي إلى الابتعاد كثيراً عن السعر المرجعي.

ويؤكد أن خيار التعويم الشامل للدرهم غير وارد في المغرب، على اعتبار أن ذلك قد يفضي، في حال انخفاض قيمة العملة، إلى هروب رؤوس الأموال وتآكل رصيد النقد الأجنبي، الذي سعى المغرب إلى دعمه عبر خط الوقاية والسيولة، الذي وضعه الصندوق رهن إشارته.

ولا يتحدث محافظ البنك المركزي عن التعويم، بل يؤكد اجتياز مراحل في التليين، مشيراً إلى أنه عندما سيصل ذلك المسلسل إلى مرحلة متقدمة، سيتم وضع إطار لاستهداف سقف معين للتضخم، حتى لا تخرج الأسعار عن السيطرة.

ولا تعيد السلطات المغربية النظر في هدف توسيع نطاق التليين، إلا إنها تتريث مستحضرة وضعية المالية العمومية وتدهور عجز الميزان التجاري، وتتخوف من تراجع قيمة الدرهم، ما سيفضي إلى التضخم في ظل وضع اجتماعي محتقن.

ويتخوف المغرب من عدم التحكم في عملية التليين، بما قد يكون لذلك من تأثير على الأسعار، وخاصة في ظل اشتداد الضغط على الحكومة، بسبب عدم الزيادة في الأجور أو تحسين الدخل.

وفيما يحصر المغرب التضخم السنوي دون سقف 2 في المائة، تؤكد المندوبية السامية للتخطيط، أن التضخم المتراكم بين 2004 و2017، وصل إلى 14.8 في المائة للطاقة، و15.5 في المائة لفاتورة الماء، و18.4 في المائة لتكاليف الدراسة، و24 في المائة لمصاريف التسجيل.

ويتصور الخبير المغربي عمر الفطواكي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الانخراط في التعويم الشامل، عوض التليين التدريجي، سينعكس سلباً على فاتورة الطاقة، بما لذلك من تأثير على الأسعار، وخاصة عند انخفاض قيمة الدرهم، في علاقته بالدولار.

ويقول الاقتصادي عمر الكتاني لـ"العربي الجديد"، إن أصحاب القرار بالمغرب أحسنوا صنعاً عندما لم ينساقوا وراء توصيات صندوق النقد الدولي، بما أنهم اعتبروا أن شروط المضيّ في التليين لم تتوفر بعد.

ويعتقد الكتاني، أن مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، ترنو عبر الإمعان في المطالبة بتوسيع نطاق التليين، إلى خدمة الاستثمارات الأجنبية، التي ستستفيد من انخفاض تكاليف الإنتاج عبر انخفاض قيمة الدرهم المغربي.

ويتصور أن المغرب لن يستفيد من التعويم، على اعتبار أن صادراته، تتوفر على قيمة مضافة كبيرة تتراوح بين 30 و40 في المائة، فالمغرب يصدر منتجات زراعية أو غذائية أو منتجات نصف مصنعة، أو مصنعة بشكل كامل.

ويشدد الكتاني على أنه في حالة المضيّ في التليين بالوتيرة التي يرنو إليها صندوق النقد الدولي، سيستفيد المستثمرون الأجانب، وسترتفع واردات المغرب، ما يعزز ضمن هذا المنطق نوعاً من التبعية التي يشجع عليها الصندوق.

وسبق لمحافظ المركزي المغربي أن أكد، في مناسبة سابقة، أن المنحى الذي اتخذه تليين سعر صرف الدرهم، لم يفض إلى زعزعة استقرار العملة، وهو ما يلاحظه الاقتصادي عبد اللطيف معزوز، الذي يرى في حديثه لـ"العربي الجديد" أن قيمة الدرهم لم تتأثر بعد عام من التليين، بل إنها ارتفعت في علاقتها باليورو، مرجحاً أن يشكل عام 2019 اختباراً حقيقياً أمام قوة الدرهم.

المساهمون