انتخابات "الغضب الأوروبي"

انتخابات "الغضب الأوروبي"

12 فبراير 2019
أزمات مالية واجتماعية تهدد أوروبا (Getty)
+ الخط -
انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجرى في مايو/ أيار المقبل، ربما تدخل أوروبا نفقاً مظلماً، يفضي إلى زيادة أعضاء الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة في البرلمان الذي يفترض فيه أن يعمل على تقوية وحدة أوروبا وليس تفتيتها.

وفي حال حدوث ذلك، يبقى من غير المعروف كيف سيجيز برلمان رافض أصلاً للوحدة الأوروبية ومنطقة اليورو وحتى العملة الواحدة وفتح الحدود بين الدول، تشريعات تساهم في بناء أوروبا الحديثة التي ينادي بها زعماء، مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ويلاحظ أن الأحزاب الشعبوية تنمو بمعدل مخيف في أوروبا وسط تراجع شعبية الأحزاب التقليدية وأزمات سياسية واجتماعية ومالية إلى جانب أزمة الهجرة، التي أصبحت من أهم القضايا التي تكسب التيارات المتطرفة شعبيتها في البلدان الأوروبية.

وتستفيد هذه الأحزاب الشعبوية من أزمات المال التي ضربت أوروبا خلال العقدين الماضي والحالي، حيث عانت أوروبا من أزمة المال العالمية في العام 2007.

ثم ضربتها أزمة المصارف في العام 2011. وكادت تفلس بالعديد من دولها، خاصة دول الجنوب الضعيفة. ولا تزال دول مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا تجاهد للخروج من الركود الاقتصادي والبطالة.

ومع قرب انتخابات البرلمان الأوروبي بدأت الأحزاب الشعبوية الاصطفاف ووضع أجندتها، لخوض الانتخابات وهزيمة النخب الأوروبية في منازلة قد تنتهي بتفجير مجموعة من الأزمات.

وعلى سبيل المثال، فإن حزب البديل في ألمانيا، وضع في برنامجه الانتخابي، ضرورة أن تخرج ألمانيا من منطقة اليورو.

وفي حال خروج الاقتصاد الألماني من منطقة اليورو، فإن منطقة اليورو ستنتهي عملياً كـ "كتلة مالية نقدية اقتصادية"، وذلك ببساطة لأن الوحدة الأوروبية، في الواقع، بُنيت حول الاقتصاد الألماني، كما تأسست الوحدة النقدية على ركيزة قوة المارك الألماني.

وعلى الرغم من أن حزب البديل الألماني، حزب حديث، تأسس في العام 2013، إلا أنه نال العديد من المقاعد في الانتخابات الألمانية التي جرت على مقاعد "البندنستاغ" أو البرلمان الألماني في برلين. ويعارض حزب البديل أي دور دفاعي لألمانيا في أوروبا أو حتى المشاركة في السياسات الخارجية لأوروبا.

وفي فرنسا تطالب رئيسة حزب "الجبهة الوطنية"، مارين لوبين، التي تقود الحركة اليمينية المتطرفة بخروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي وعودة بلادها إلى العملة الوطنية "الفرنك الفرنسي".

وفرنسا من أهم الدول في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. واقتصادها هو ثاني أكبر اقتصاد بعد ألمانيا. وتمكنت الجبهة الوطنية من الحصول على 25% من المقاعد الفرنسية في البرلمان الأوروبي خلال انتخابات 2014.

كما تدعو كذلك إلى إلغاء حرية حركة البشر والبضائع بين الدول الأوروبية. أما في إيطاليا، فإن حركة "فايف ستار"، أصبحت القوة الرئيسية في البرلمان الإيطالي، وهي الآن جزء من الحكم.

وفي بريطانيا هنالك أزمة بريكست التي تدخل الاقتصاد البريطاني في مرحلة من التباطؤ وتهدد بقتل الانتعاش الذي كان يميز بريطانيا عن بقية الدول الصناعية.

وفي آخر التقارير التي صدرت الشهر الماضي، فإن شركة "إرنست آند يونغ" للحسابات، ذكرت أن حوالي ترليون دولار هاجرت من بريطانيا منذ استفتاء بريكست.

وبالتالي هنالك قائمة طويلة من الإحباطات الاقتصادية التي تسبب فيها الفشل السياسي للنخب السياسية في أوروبا وساهمت بشكل مباشر في صعود التيارات الشعبوية واليمينية المتطرفة، التي تعمل على تفتيت أوروبا.

وسط هذه الضربات تترنح اقتصادات أوروبا، ومنذ حلول النصف الثاني من العام الماضي تتوالى المؤشرات السلبية في منطقة اليورو التي ينشرها موقع "يورو ستات" في بروكسل، وهو راصد البيانات الاقتصادية لدول الاتحاد الأوروبي.

وحسب صحيفة "ديلي أكسبرس" البريطانية، توقع محللون اقتصاديون، أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي بمنطقة اليورو إلى أقل من 1.6%، مقارنة بالتوقعات السابقة التي وضعت له 1.9%.

وهذا المعدل يقل كثيراً عن معدل النمو الذي حققته منطقة اليورو في العام 2017 والبالغ 2.4%. ونسبت صحيفة "ديلي أكسبرس" إلى الاقتصادي الأوروبي كلاوس فيستافن قوله إن هنالك مخاوف من عودة اقتصادات منطقة اليورو إلى الركود خلال العام الجاري.

وترفع هذه التوقعات المتدنية للنمو الاقتصادي من مخاطر تكرار أزمة المال التي مرت بها المنطقة في العام 2011، وكادت أن تفلس العديد منها، لولا قوة الاقتصاد الألماني وحزم الإنقاذ التي قدمتها دول الاتحاد الأوروبي بمساعدة صندوق النقد الدولي لكل من اليونان وأيرلندا وقبرص.

وكان البنك المركزي الأوروبي قد دعا دول الاتحاد الأوروبي للحرص الإنفاقي وحذر من أزمة مالية بمنطقة اليورو. ولكن أزمات مثل احتجاجات "السترات الصفراء" التي لاتزال تزرع الرعب في باريس وضواحيها تهدد الاقتصاد الفرنسي، كما أن الإنفاق الكبير في الميزانية الإيطالية يرفع من العجز في الميزانية فوق المستوى المطلوب في أوروبا.

كما أن دولاً مثل بولندا باتت تتحالف مع ترامب ضد بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا. وبالتالي فإن أوروبا تدخل نفقاً مظلماً خلال هذه الانتخابات البرلمانية التي يتخوف صناع المال في أوروبا والمستثمرون أن تكون نقطة بداية لتفتيت أوروبا.

وفي محاولة لدعم الاقتصاد وسط مخاوف التفكك، أنفق البنك المركزي حتى الآن حوالى 2.5 ترليون دولار في برنامج شراء السندات السيادية في إيطاليا والعديد من الدول الضعيفة في منطقة اليورو.

ويتخوف "المركزي الأوروبي" من هروب المستثمرين من مزادات السندات السيادية بأوروبا، وسط الإحصائيات الاقتصادية السلبية الصادرة عن النمو الاقتصادي.

كما أظهرت بيانات المفوضية الأوروبية، الصادرة الشهر الماضي، تدهوراً ملحوظاً في الثقة في اقتصاد منطقة اليورو وبأكثر مما هو متوقع في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

المساهمون