تركيا وليبيا: استثمارات غاز ونفط في بحر الصراع

تركيا وليبيا: استثمارات غاز ونفط في بحر الصراع

06 ديسمبر 2019
أنقرة تضخ استثمارات كبيرة في مجال الغاز (الأناضول)
+ الخط -

 

بخطى سريعة اتجهت كل من أنقرة وطرابلس نحو التعاون في مجال التنقيب واستكشاف النفط والغاز بشرق البحر الأبيض المتوسط وقبالة السواحل الليبية، ليلقي ذلك الضوء مجدّدا على الصراع المتواصل والمتصاعد على استثمارات الطاقة بالمنطقة في ظل سباق ترسيم الحدود البحرية بين بلدان المنطقة من أجل انتزاع أكبر مكاسب اقتصادية ممكنة من الثروات الطائلة في أعماق البحر.

وأعلنت حكومتا تركيا وليبيا قبل أيام عن خطوات مهمة في هذا الإطار، إذ تتأهب المؤسسات والشركات التي سيتم الترخيص لها للبدء بالعمل في هذا المجال، كما تستكمل الجهات المختصة في البلدين إجراءات قانونية وفنية من أجل الإسراع في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.

 

تكتلات شرق المتوسط

وحسب مراقبين، تأتي التحركات التركية الليبية في مواجهة تحركات أخرى لكل من مصر وقبرص واليونان وإسرائيل التي تسعى إلى رسم خريطة محددة للحصول على حصص كبيرة من ثروات الغاز والنفط الضخمة في البحر المتوسط.

وكانت تركيا بدأت خططها لاستكشاف الغاز والنفط في شرق البحر المتوسط في أوقات سابقة، رغم معارضة التكتل المضاد والاتحاد الاوروبي، ثم استكملت خطواتها مؤخرا بالاتفاق مع الجانب الليبي.

وأعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، في تصريحات للصحافيين في مقر الوزارة بالعاصمة أنقرة، أول من أمس، أن مؤسسات بلاده المرخص لها سوف تبدأ بأعمال لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز شرق البحر الأبيض المتوسط في إطار الاتفاق التركي- الليبي، وأكد أن مذكرة التفاهم التركية- الليبية حول ترسيم حدود مناطق النفوذ البحرية، أحبطت المحاولات الرامية إلى إقصاء تركيا عن المعادلة في شرق المتوسط.

وحسب الوزير التركي فإن تركيا تواصل منذ فترة طويلة أعمال التنقيب والمسح عبر سفنها في شرق المتوسط، وأن عملية التنقيب الخامسة تجري حاليًا جنوبي جزيرة قبرص. وشدّد على أن المذكرة تتوافق مع القانون البحري الدولي.

وأضاف: "ستبدأ مؤسساتنا التي سنمنح تراخيص لها، كما في المناطق الأخرى، أعمالها حول استكشاف وإنتاج النفط والغاز الطبيعي في مناطق النفوذ في إطار الاتفاق مع ليبيا".

وتعليقا على الخطوة التركية الليبية، أكد ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلدهما ماض لتنفيذ مذكرة التفاهم التي وقعها مع ليبيا قبل أيام، وسيبدأ الاستكشاف وإنتاج النفط والغاز، بمجرد مصادقة برلمان الدولتين على الاتفاق.

وتساءل مستشار أردوغان، خلال حديث خاص لـ"العربي الجديد": "لماذا تلك الردود من بعض دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا، على الاتفاق الليبي التركي، رغم أن أنقرة وقعته مع الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً "حكومة الوفاق الوطني"، وليس مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر مجرم الحرب"، على حسب وصف المسؤول التركي.

ويضيف أقطاي: "هل يزعجهم ذلك أم أن بعض الدول تريد السيطرة على ثروات ليبيا بالمتوسط، من دون أن تعطيها حقوقها، باختصار تركيا وليبيا وقعتا على مذكرتي تفاهم، إحداها حول تحديد مناطق النفوذ البحرية، ولن تتعديا على حقوق أحد، وذلك ضمن حقوقهما في إطار القانون الدولي"

وكان الرئيس التركي أردوغان، قد وقع في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على مذكرتي تفاهم مع فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لـ"حكومة الوفاق الوطني" الليبية، تتعلقان بالتعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وطرابلس، وتحديد مناطق النفوذ البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي.

وجدد أردوغان، منذ يومين، تأكيده على أن الاتفاق المبرم بين بلاده وليبيا حول تحديد النفوذ البحري في المتوسط، "حق سيادي" لكلا البلدين. وقال خلال مؤتمر صحافي بأنقرة، "مجريات الأحداث شرقي المتوسط واتفاقنا مع ليبيا ربما يشكلان إزعاجا حقيقيا لفرنسا، لكننا نؤكد أن الاتفاق المبرم حق سيادي لتركيا وليبيا، ولن نناقش هذا الحق مع أحد".

 

مناطق النفوذ

تقول مصادر تركية لـ"العربي الجديد" إن أنقرة بدأت بالفعل في تحديد مناطق النفوذ والسيادة البحرية، وهو ما أشار إليه قبل أيام المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي، قائلا: "جرى تحديد قسم من الحدود الغربية للسيادة البحرية لتركيا شرقي البحر المتوسط، عبر الاتفاقية مع ليبيا".

ولفت أقصوي خلال بيان، إلى أن تركيا دعت الأطراف قبل توقيع الاتفاقية إلى مفاوضات من أجل الوصول إلى تفاهم عادل، وأن تركيا لا تزال مستعدة للتفاوض.

وأوضح أن "الأطراف اختارت اتخاذ إجراءات أحادية الجانب وإلقاء التهم على تركيا، بدلا من إطلاق المفاوضات معها".

ويرى مراقبون أن الخطوة التركية باتجاه ليبيا، جاءت رداً على "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي تم الإعلان عنه مطلع العام الجاري بالعاصمة المصرية القاهرة.

وكان سبعة وزراء نفط، قد أعلنوا عزمهم إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، والسعي لتأسيس منظمة دولية "تحترم حقوق الأعضاء بشأن مواردهم الطبيعية بما يتفق ومبادئ القانون الدولي، وتدعم جهودهم في الاستفادة من احتياطاتهم واستخدام البنية التحتية وبناء بنية جديدة، بهدف تأمين احتياجاتهم من الطاقة لصالح رفاهية شعوبهم".

واجتمع بالقاهرة كل من وزراء النفط والطاقة "القبرصي واليوناني والإسرائيلي والإيطالي والأردني والفلسطيني" بناء على دعوة من وزير البترول والثروة المعدنية المصري طارق الملا.

وتلى الاجتماع إصدار بيان قالت خلاله وزارة البترول المصرية "إن الوزراء أشاروا إلى أن الاكتشافات الغازية الكبيرة في الحقول البحرية بشرق البحر المتوسط سيكون لها تأثير عظيم على تطور الطاقة والتنمية الاقتصادية بالمنطقة"، مؤكدين "أن التوسع في الاكتشافات الجديدة والاستغلال الأمثل لها سيكون له بالغ الأثر على أمن الطاقة بالمنطقة".

وقال البيان إن الوزراء اتفقوا على "العمل على إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب للأعضاء، مع العمل على تنمية الموارد على الوجه الأمثل، والاستخدام الكفء للبنية التحتية القائمة والجديدة مع تقديم أسعار تنافسية" إضافة إلى "تعزيز التعاون من خلال خلق حوار منهجي منظم وصياغة سياسات إقليمية مشتركة بشأن الغاز الطبيعي بما في ذلك سياسات الغاز الإقليمية"

وتقول المصادر التركية، التي رفضت ذكر اسمها، إن تأسيس المنتدى يدل على عزم بعض الدول لتقاسم ثروات الغاز بمياه شرق المتوسط، بعد اكتشاف احتياطات هائلة بعيداً عن تركيا وليبيا.

وحول سبب إقصاء تركيا عن المنتدى، تضيف المصادر: معروف أن موقف أنقرة واضح وحاسم بشأن حقوقها وحقوق قبرص التركية بالغاز، ويعرف الذين اجتمعوا بالقاهرة أن تركيا وصلت سابقاً لدرجة الاصطدام مع سفينة تنقيب إيطالية لولا انسحابها، وأن أنقرة تنقب عن الغاز شرق المتوسط وترسم حدودها، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك توافقات أو الاعتراف بالحدود دون تركيا أو قبرص الشمالية وما لها من حصص بالغاز الطبيعي.

 

طاولة الصراع

وفي هذا السياق، يقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بإسطنبول، محمد كامل دميريل لـ"العربي الجديد": يعتبر الاتفاق مع ليبيا، من أهم المذكرات التي قلبت الطاولة على كل من يريد إخراج تركيا من معادلة غاز المتوسط، خصوصا التحالف الرباعي "اليونان، مصر، قبرص الرومية وإسرائيل" الذي أقصى تركيا خلال المنتدى الذي عقد بالقاهرة مطلع العام الجاري.

كما تقوم مذكرة التفاهم بإعطاء تركيا الحق الكامل لكي يكون هناك حدود بحرية مشتركة، بين سواحل جنوب شرق تركيا "منطقة فتحية " وشمال شرق ليبيا "درنة" على مساحة 250 ميلا بحريا طولا، حسب دميريل.

وبهذه الاتفاقية أعادت أنقرة 39 ألف كلم من المياه إلى ليبيا التي كانت ستذهب للسيطرة اليونانية، وفقا للخبير التركي، الذي أكد أن بلاده ضمنت حدودها البحرية الكاملة، وبالتالي جميع الثروات الموجودة في هذه المساحة ستكون ضمن حقوق تركيا، وفق اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 للحدود البحرية.

ويضيف دميريل: كما أبطلت المذكرة مع ليبيا مشروع خط الأنابيب الإسرائيلي لتصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، وسيضطر للمرور من الحدود الليبية التركية المشتركة، موضحا أن الاتفاق مع ليبيا أعاد 45 ألف كلم لمصر كانت ستذهب إلى كل من اليونان وإسرائيل، والأهم أن تركيا ستكون حجر أساس في كل ما يمكن ترسيمه بالحدود البحرية شرق المتوسط وضمان حق القبارصة الأتراك بذلك.

ووصف مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بإسطنبول، الاتفاقية بالمهمة جدا لأنها أعطت منفذا بحرياً إقليميا مشتركا سيمكن تركيا وليبيا من تبادل تجاري بحري لكل ما يلزم من معدات وتجهيزات وسلع.

ويظهر خلاف بين تركيا واليونان حول ما تعتبره أنقرة حقها وحق قبرص الشمالية بنفط وغاز شرق المتوسط ضمن مياههما الإقليمية، خاصة بعد أن منحت تركيا منذ عام 2009، شركة النفط الوطنية، تراخيص التنقيب، وهو ما يثير، مذاك، غضب دول الاتحاد الأوروبي واليونان وقبرص الأوروبية، ومعهما الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، الذين لا يصفون تلك الأعمال بغير الشرعية، ويتوعدون تركيا بالعقوبات.

ووصل الخلاف الشهر الماضي، إلى حد توقيع مجلس العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، على وثيقة إطار حول التدابير التقييدية التي يعتزم الاتحاد اتخاذها بحق تركيا بسبب أنشطتها التنقيبية في شرق المتوسط.

 

مصالح ليبيا

على الجانب الليبي تسعى طرابلس إلى الاستفادة من الاتفاق الجديد مع تركيا عبر زيادة إنتاج النفط والغاز ورفع الإيرادات لدعم اقتصاد البلاد المتأزم بسبب الاضطرابات والحرب.

وأكد مسؤول مقرب من رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" أن النتائج الأولية تؤكد على وجود كميات من الغاز والنفط تسهم في رفع إنتاج ليبيا بشكل كبير خلال السنوات المقبلة.

وقال بشير الزاوي، أستاذ الاقتصاد الليبي لـ"العربي الجديد" إن التعاون بين تركيا وليبيا مهم خاصة في ظل الصراع غير المعلن حاليا حول استكشاف واستثمار النفط والغاز في حوض شرق المتوسط، موضحا أن اليونان تقوم بخروقات في منطقة الجرف القاري الليبي الغنية بالغاز، بالإضافة إلى مشروع تنخرط فيه إسرائيل وإيطاليا وقبرص واليونان لنقل الغاز من فلسطين المحتلة إلى أوروبا، حسب تعبيره.

وأضاف أن أنقرة شريك اقتصادي مهم لطرابلس ولديها عقود واستثمارات ضخمة في ليبيا أغلبها في قطاع البناء والتشييد تناهز مليارات الدولارات.

وفي المقابل، وعن سؤال المحلل الاقتصادي الليبي، سليمان الشحومي: ماهي مصلحة ليبيا الاقتصادية من وراء هذه الاتفاقية؟ أجاب: لم أصل لشيء ملموس. ودعا إلى ضرورة الإفصاح عن البنود، وعدم التورط في صراع اقتصادي دولي بالمتوسط.

المساهمون