أكاذيب الوعود الانتخابية في الجزائر

أكاذيب الوعود الانتخابية في الجزائر

03 ديسمبر 2019
الانتخابات الرئاسية تبدأ في الجزائر رغم الرفض الشعبي (Getty)
+ الخط -


بدأ المترشِّحون الخمسة للانتخابات الرئاسية في الجزائر (رئيسا الوزراء السابقان عبد المجيد تبون وعلي بن فليس، ووزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، ووزير السياحة السابق عبد القادر بن قرينة، وعبد العزيز بلعيد رئيس حزب جبهة المستقبل) حملتهم الانتخابية، في خضمّ الاحتجاجات الرافضة للانتخابات التي حُدِّد موعدها في 12 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ومع إطلاق الحملة أصبحت كل مشكلة بمثابة بضاعة في سوق الدعاية الانتخابية، من تطوير الجنوب إلى بناء سكك حديدية تربط بين الشمال والجنوب، ثم الصيرفة الإسلامية، وصولاً إلى تزويج العوانس، وهذا ما يعتبر مزيجاً تسويقياً لم يسبق تدريسه في الجامعات، ولم يتجرَّأ أي اقتصادي حائز على جائزة نوبل على إدماجه في أي نظرية تفيد البشرية.

عند بداية كل حملة انتخابية يتم التمسُّك بالجنوب ومخاطبة سكانه، على اعتباره البقرة الحلوب التي تزوِّد الاقتصاد الجزائري بالريع المرغوب. فقد تعهَّد أحد المترشِّحين بإنجاز سكة حديد من مدينة تمنراست التي تقع في أقصى الجنوب إلى العاصمة، فهل هذا المترشِّح على علم بمدى اهتراء الطريق البري والعادي الرابط بين تمنراست والعاصمة والذي ينغِّص يوميات المتنقلين عبره ويستنزف الكثير من جيوبهم؟

لأنّ الأولوية لإصلاحه وليس لإنجاز سكة حديدية جديدة في عزّ الأزمة المالية التي تتخبَّط فيها الجزائر، وكيف يمكن أصلاً لهذا المترشِّح أن يعلم الوضعية المزرية لذلك الطريق البري نتيجة لذهابه وعودته بالطائرة.

والأكثر غرابة هو تصريح أحد المترشِّحين بتوفير خط نقل جوي استعجالي لتمكين سكان الجنوب من تلقي العلاج على وجه السرعة في الشمال، والأحرى به أن يصرِّح بإنجاز مستشفيات في الجنوب. علماً أنّ الغالبية العظمى من مستشفيات الشمال تفتقر تماماً للمعايير العالمية للعناية الطبية، وتعاني أيضاً من الاكتظاظ ونقص الاختصاصات الطبية والأدوية.

يتم دوماً بيع الأوهام لسكان الجنوب من أجل استغلال أصواتهم الانتخابية وإقصائهم من أجندة الأعمال بمجرَّد الفوز. فقد حوَّل إقحام الجنوب في الدعاية الانتخابية تصريحات المترشِّحين إلى نكت وطرائف وجعل من حملتهم فلكلوراً انتخابياً مخصَّصاً لاستغباء عقول المواطنين.

وللمرّة الأولى في تاريخ البلاد، وقَّع المترشِّحون الخمسة للانتخابات الرئاسية على "ميثاق أخلاق الحملة الانتخابية" في العاصمة، يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني، وينص الميثاق على المبادئ التوجيهية والممارسات الخاصة التي تشكِّل إطار السلوك الأخلاقي المنتظر من الفاعلين والمشاركين في العملية الانتخابية مثلاً كعدم استخدام دور العبادة للدعاية الانتخابية.

يا حبَّذا لو تضمَّن هذا الميثاق إبعاد الجنوب من هذه الدعاية أيضاً، لأنّ الفائز الذي سيسكن قصر المرادية في العاصمة سيهتم بتطوير منتزه "الصابلات" و"المدينة الذكية" في سيدي عبد الله ونادي الصنوبر بالعاصمة، فلا داعي للمزايدات بشأن إلباس الجنوب الجزائري حلة الحداثة والتطوُّر.

فقد سئم سكان الجنوب من نفس أسطوانة الأكاذيب المنمقة بالكلمات الرنانة التي لا تتعدى كونها مجرَّد أضغاث أحلام، والبعيدة كل البعد عن ما يسمى بالبرامج الانتخابية التي يمكن للاقتصادي أن يحلِّل مختلف جوانبها للكشف عن مدى واقعيتها ومصداقيتها وإمكانية تحقيقها على أرض الواقع.
وما محل الشباب من الإعراب في الانتخابات القادمة؟ حيث تبقى الشعارات المنادية بتسليم المشعل للشباب شطحة من الشطحات السياسية العبثية والهادفة إلى تنويم المواطنين مغناطيسياً، وإن كان عنوان الكتاب الانتخابي للمترشِّحين كاذباً، فلماذا ينتظرون من المواطنين قراءته؟

قد ينادي البعض بضرورة الخبرة، ولكن ليس الخبرة الطويلة والعريضة في الفساد والنهب وسوء الإدارة والتي جعلت الجزائر في مؤخرة الأمم، خاصة في مجالي التعليم والصحة والخدمات العامة.

الإصرار على حرمان الشباب من تولي الرئاسة، والمقترن بغياب نظرة عملية جادة ترسم الأهداف الكبرى للمستقبل، يجعل مصير الأجيال الصاعدة في مهب الريح، حقيقة لا مجازاً، لاسيَّما في ظل التطوُّرات والمستجدات الراهنة.

ويأتي مترشِّح آخر ليلعب على الوتر الحساس للمواطنين القاطنين بالقرب من الحدود الجزائرية مع المغرب، ليزفّ لهم عزمه على فتح تلك الحدود عند توليه منصب رئاسة البلاد.

ولكن المواطن ملّ سماع تلك النغمة الغريبة الثقيلة عن التكامل الاقتصادي الذي ما زال مُجرَّد ملف في أدراج المسؤولين وحبرا على ورق، في زمن طغت عليه التكتُّلات الاقتصادية والإقليمية.
فلم يلمس المواطن جديّة تحقيق التكامل في نفوس أصحاب القرار والفاعلين السياسيين، رغم فوائد ذلك التكامل الاقتصادي، لاسيَّما تلك المتعلقة بمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي وتحقيق الرفاهية للشعوب المغاربية، فقد حان الوقت الذي يجب فيه على الجزائر أن تنظر إلى جيرانها كأسواق لسلعها أو مصادر للإمداد أو الاثنين معاً، بغية التقليل من التبعيّة المبالغ فيها للاتحاد الأوروبي الذي مازال ينظر للجزائر نظرة دونية عبر عدستي الإرهاب والهجرة.


كما تفعل الحكومة الحالية ما بوسعها للتقريب بين صوت الشارع وصوت صندوق الاقتراع، حيث صدرت قرارات حكومية بإدماج مئات الآلاف من موظفي عقود ما قبل التشغيل في مناصب عمل دائمة، وسيمكِّن هذا القرار من انتشال العديد من الشباب من شبح البطالة.

ولكن صدور هذا القرار في هذا الوقت الحساس يشكِّك في مصداقية العملية الانتخابية، وهذا ليس غريباً على حكومات العالم الثالث التي تنتهج سياسة "العصا والجزرة" حيال مواطنيها.
كما تلتف الشبهات حول عنق الحكومة الحالية نتيجة لقيامها بتغيير محافظ البنك المركزي، فقد كان من المفروض أن يُترك هذا الإجراء بيد الرئيس الجديد، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الذي سيغادر فيه المحافظ القديم تلقائياً.

وظلّ هذا المنصب الحساس شاغراً لفترة من الزمن ثم تولاه محافظ بالنيابة، إلى أن تمّ تعيين محافظ جديد يوم 14 نوفمبر/تشرين الثاني. علماً أن محافظ البنك المركزي ليس مدرب كرة قدم يتم عزله بعد مباراة أو مباراتين، فهو يرأس مؤسسة يمكن أن تحلِّق عالياً بالاقتصاد أو تهوي به في مستنقع الإفلاس، وكل هذا مرهون بالاستقرار في إدارة تلك المؤسسة.

خلاصة القول أنّه ينبغي على المترشِّح لكرسي الرئاسة وضع برنامج واضح وقابل للتطبيق عن اجتثاث الفساد من جذوره، حيث يعتبر القضاء على الفساد هدفا أساسيا تصدح به الحناجر في ساحات الحراك ويختصر كل الأهداف الأخرى التي يصرّ كل مواطن جزائري على تحقُّقها.

أمّا البرامج المنفوخة بالوعود الكاذبة والزائفة فلن تتعدى كونها مجرَّد مسكنات وقتية، ما أن ينتهي مفعولها حتى يعود الوجع من جديد وبقوة للمواطنين في دورة مرضية لخمس سنوات أخرى. ولا بد من الحكومة القادمة أن تتَّصف بالعزيمة وترفض الإملاءات الخارجية، حتى تستعيد الجزائر مجدها وتضمن حاضرها وتتطلَّع بثقة إلى مستقبلها.

المساهمون