نهب عقارات العراق...تلاعب وفساد يطاول سياسيين وأحزاباً وفصائل مسلحة

نهب عقارات العراق...تلاعب وفساد يطاول سياسيين وأحزاباً وفصائل مسلحة

29 ديسمبر 2019
الكثير من العقارات المستولى عليها تقع في المنطقة الخضراء(Getty)
+ الخط -

أعاد المتظاهرون العراقيون ملف عقارات الدولة إلى الواجهة، بعد أن أضافوه إلى قائمة المطالب التي بدأوا في رفعها منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مشددين على ضرورة فتح تحقيق في الاستيلاء على الأملاك العامة، من قبل الفصائل المسلحة والقوى السياسية والشخصيات التي تصدرت واجهة العمل السياسي في السنوات الماضية، بينما كان بإمكان هذه الممتلكات أن تدرّ مليارات الدولارات على خزينة الدولة حال تأجيرها أو بيعها بأثمان عادلة.

ومن بين الأصول المستولى عليها، مبان تابعة لمؤسسات حكومية وقصور لنظام صدام حسين، ومقار حزب البعث ودوائر الأمن والمخابرات والمقرات الأمنية والعسكرية المختلفة، التي جرى حلها بعد الغزو الأميركي ـ البريطاني للعراق في 2003.


ويشير مسؤولون وبرلمانيون وخبراء اقتصاد، إلى أن استغلال هذه العقارات التي يقدر عددها بالآلاف، لم يقتصر على العمل الحزبي فقط، بل تعدى الأمر إلى تزوير سندات ملكيتها لتؤول إلى الجهات والشخصيات التي استولت عليها، بينما شهدت عمليات بيع الأخرى عمليات فساد صارخة، منها بيع المتر لأحد السياسيين إبان حكومة نوري المالكي (2006 ـ 2014) بقيمة 6 دولارات، بينما بلغ في السوق آنذاك نحو ألفي دولار.

ووصفت مصادر في هيئة النزاهة العراقية، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، ملف العقارات بـ "المعقد" لارتفاع حجم الفساد فيه، مشيرة إلى أنه لا يقل أهمية عن ملفات الفساد في قطاع النفط وشركات الاتصالات وعقود التسليح، كون الخط الأول من القيادات السياسية في البلاد متورطا فيه منذ عام 2003، حيث منحوا لأنفسهم حق الاستيلاء أو الإشغال من دون دفع أي مقابل مالي.

وتقع أكثر عقارات الدولة في بغداد بالمنطقة الخضراء ومجمعي الجادرية والقادسية، ومناطق الكاظمية والحارثية والمنصور على جانبي نهر دجلة بالكرخ والرصافة، وشارع الزيتون، فضلا عن مطار المثنى وسط العاصمة، الذي استولى عليه حزب الدعوة وحوّله مقراً لأنشطته، بما فيها فضائية يملكها.

وقال محمد التميمي، سكرتير لجنة متابعة عقارات الدولة في البرلمان، وهي لجنة شكلت أخيراً لمعالجة الملف، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "شخصيات سياسية استحوذت على مقاطعات كاملة في بغداد، منهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، حيث استحوذ على مقاطعة السندباد بمساحة 4 دونمات (10 آلاف متر مربع) داخل المنطقة الخضراء، وعمار الحكيم استحوذ على عشرة دونمات (25 ألف متر مربع) في منطقة الجادرية ببغداد، وكذلك دور سكنية تابعة لوزراء النظام السابق".

وأضاف التميمي أن "إياد علاوي (تولى رئاسة الحكومة المؤقتة في الفترة من 28 يونيو/حزيران 2004 إلى 6 إبريل/نيسان 2005)، استحوذ أيضا على دور ضباط النظام السابق في شارع الزيتون. وسليم الجبوري (سياسي)، استحوذ على منزلين داخل المنطقة الخضراء. وهناك أسماء أخرى". وتابع: "جميع السياسيين سكنوا دوراً فارهة، منهم من يدفع إيجارات رمزية جداً ومنهم من لا يدفع".

وقال إن "اللجان التي شكّلها عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء المستقيل قبل أسابيع، أو اللجان التي سبقتها كلها شكلية، ولم تقدم أي شيء، ولم يجرؤ أي موظف في هذه اللجان على إرسال تبليغ أو كتاب للمطالبة بإخلاء الدار أو دفع إيجار مجز، لأنها ضمن تفاهمات سياسية وليست لجانا فعلية". وتابع: "جرت تلاعبات في ملكية الكثير من العقارات من خلال شرائها بمبالغ زهيدة وتحويل ملكيتها لشاغليها".

في السياق، قالت عالية نصيف، عضو لجنة النزاهة في البرلمان، لـ"العربي الجديد": "لا يستطيع أحد أن يستولي على عقار إذا لم يكن مسنوداً من الدولة أو الأحزاب"، موضحة أن "ملف العقارات التي تم الاستيلاء عليها أو بيعت بثمن بخس لأحزاب وشخصيات سياسية من أكثر ملفات الفساد وضوحاً".

وأضافت: "لا أملك إحصائيات بأعداد العقارات الدقيقة، فلا يوجد تعاون في هذا الموضوع، وشكلنا لجنة وجرى منعنا من الدخول للعقارات، وكل مرة نرسل كتابا للمعاينة المكانية إلى دائرة عقارات الدولة، يعطونا إحداثيات تجعلنا نلف وندور فيها حتى لا نصل للهدف الذي نبحث عنه".

وقُدر عدد العقارات التي تحت سلطة شخصيات وأحزاب مختلفة بشكل غير قانوني بالآلاف، بينما هي ملك عام للشعب وعوائدها يجب أن تكون ضمن الموازنة العامة للدولة.

ووفقا لتقديرات سابقة أصدرتها اللجنة المالية في البرلمان، فإن حجم خسائر العراق جراء الفساد في السنوات الـ 13 الماضية بلغ نحو 450 مليار دولار، من بينها 360 مليار دولار خلال فترة حكومتي المالكي الأولى والثانية (2006 ـ 2014)، فيما أعلنت هيئة النزاهة العراقية نهاية العام الماضي، أن الأموال التي تم رصدها وإعادتها للدولة خلال 2017 بلغت 800 مليون دولار.

وقال سعد المندلاوي، الخبير الاقتصادي، إن عمليات الاستيلاء لم تقصر على قصور الرئاسة أو مقار الحزب أو منشآت حكومية، وإنما ممتلكات شخصية لأسر وعائلات ضمت مسؤولين في عهد صدام حسين، في جناية فساد كبيرة.

وأضاف: "أحزاب وفصائل مسلحة كثيرة متورطة في مصادرة تلك العقارات والتلاعب بملكيتها ووضعها القانوني". وتابع: "يمكن اعتبار ملف عقارات الدولة أحد أبرز مخلفات القوات الأميركية التي وهبت كثيرا منها بقرارات شفهية للمتورطين في عمليات الاستيلاء".

من جانبه، قال حسين العقابي، عضو اللجنة القانونية في البرلمان: "هذه العقارات ملك عام وشغلها ينبغي أن يكون عن حق قانوني، ويمكن أن تعزز الإيرادات المالية للدولة، وينبغي على ساكنيها أن يدفعوا مقابلا معقولا ليس فيه محاباة وفقا لأسعار السوق السائدة"، مشيرا إلى أنه يمكن أيضا إخلاء هذه العقارات واستغلالها من قبل بعض الدوائر الحكومية التي تشهد عجزاً في المباني.

وعلى وقع التظاهرات التي تعم أنحاء العراق منذ نحو ثلاثة أشهر، مرر البرلمان العراقي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قانون "الكسب غير المشروع"، والمعروف باسم "من أين لك هذا"، بعد نحو عامين من الشد والجذب بين الكتل السياسية، بسبب بعض فقراته التي تتناول صلاحيات هيئة النزاهة والمحاكم المختصة في تتبّع أصول أموال المشتبه به وأقربائه، ومخاطبة البنوك للكشف عن الذمم المالية، بالإضافة إلى بند تطبيق القانون بأثر رجعي منذ عام 2003 وحتى الآن.

وقال علي الشويلي، الخبير الاقتصادي: "لو كانت وزارتا العدل والمالية جادتين في جمع أموال عقارات الدولة لحصل العراق شهريا على تريليون دينار، حسب إحصائيات رسمية لعقارات الدولة، من مطاعم وفنادق ومحال تجارية ودور سكنية ومساحات واسعة تستخدم كمخازن، وهذه ثروة وطنية كبيرة نهبت وتنهب على يد متنفذين في الدولة".

وأضاف الشويلي: "ملايين الدولارات تضيع شهرياً من موازنة الدولة كإيجارات مستحقة لتلك العقارات لم تدفع، بالإضافة إلى مليارات الدولارات عن قيمة عقارات نقلت بصفقات فساد من ممتلكات الدولة إلى ممتلكات أحزاب وأشخاص".

المساهمون