تونس: القطاع الخاص يستغل "الإفلاس" للتهرب من تعويض العمال

تونس: القطاع الخاص يستغل "الإفلاس" للتهرب من تعويض العمال

15 ديسمبر 2019
قطاع المنسوجات يستحوذ على العدد الأكبر من التسريحات (Getty)
+ الخط -
 

يشكو العمال المسرّحون من القطاع الخاص في تونس من صعوبة تحصيل حقوقهم، بعد تعمد كثير من المستثمرين اللجوء إلى صيغة الإفلاس القانوني لدى إنهاء نشاطاتهم، من أجل التهرب من دفع مستحقات العمال، الذين يجدون أنفسهم خارج الدورة الاقتصادية من دون أي تعويضات، ما يضطرهم إلى ملاحقة حقوقهم لسنوات في دوائر القضاء.

وخلال السنوات التسع الماضية، شهد القطاع الخاص ضغوطاً اقتصادية، دفعت البعض إلى تقليص أعمالهم وقرر آخرون نقل استثماراتهم إلى دول أخرى، ما تسبب في موجات تسريح للعمال، لم يواكبها تطور في التشريعات لحماية حقوقهم.

ولا تكشف الدوائر الحكومية المعنية بإحصاءات العمال عن أعداد الذين تم تسريحهم خلال تلك السنوات، لكن منظمات مدنية تشير إلى عشرات الآلاف، أغلبهم في قطاع المنسوجات، لم يحصلوا على أي تعويضات.

ويقول فؤاد بن عبد الله، المدير العام لتفقدية (إدارة) الشغل في وزارة الشؤون الاجتماعية لـ"العربي الجديد"، إن الغلق المفاجئ للمؤسسات تسبب في ظهور كثير من حالات التسريح في السنوات الأخيرة.

وأضاف أن "تفقديات الشغل تعمل في هذه الحالات على تمكين العمال المتضررين من الحصول على شهادات لاحتساب المستحقات المالية التي يتوجهون بها للقضاء لتحصيل حقوقهم برفع دعاوى ضد المؤسسات التي تولت تسريحهم بصفة مفاجئة".

ويشير بن عبد الله إلى أن دوائر تفقديات الشغل أحصت خلال العام الماضي 2018 نحو 3845 عملية تسريح في القطاع الخاص، من بينها 1514 تسريحاً تم في إطار اللجان القانونية مكنت العمال من الحصول على تعويضات، فيما يلاحق 2331 عاملاً سرحوا في إطار غير قانوني حقوقهم عبر القضاء، لافتاً إلى أن قطاع النسيج والملابس يتصدر قائمة القطاعات المسرحة لليد العاملة.

ويفرض قانون الشغل في تونس على كل مؤجر (صاحب عمل) يعتزم إيقاف النشاط لأسباب اقتصادية أو فنية وتسريح بعض أو كل العمالة أن يخبر تفقديات الشغل المختصة مسبقاً.

كما يفرض القانون على المؤسسة ذكر الأسباب التي أدّت إلى طلب التسريح أو إيقاف العمل، وأن يكون ذلك مدعّماً بالوثائق اللازمة، مع تقديم بيانات كافية عن العمال وتاريخ توظيفهم وتخصصاتهم المهنية.

غير أن مرتضى بالطيب، الذي فقد عمله لصعوبات اقتصادية مرت بها شركة الطباعة التي كان يعمل بها، يقول لـ"العربي الجديد" إنه يلاحق مستحقاته منذ ثلاث سنوات، مشيرا إلى أن دوائر الشغل الرسمية قدرتها بـ 38 ألف دينار (12.5 ألف دولار)، بعد أن أمضى 15 عاما في العمل بالشركة، بينما لم يتحصل على أي مليم كتعويض.

ويشير بالطيب إلى أن عدم حصوله على مستحقاته رغم مرور كل هذه السنوات يؤكد غياب الضمانات للعمال في القطاع الخاص في حال التسريح، بينما هي متوفرة في المقابل بالقطاع الحكومي، منتقدا قصور قوانين الشغل في مجال حماية حقوق العمال الذين وصفهم بالحلقة الأضعف.

ودأبت الحكومات المتعاقبة خلال السنوات التسع الماضية على الترويج للعمل في القطاع الخاص من أجل تقليص فاتورة رواتب العاملين في القطاع الحكومي. وكانت وزارة التكوين والتشغيل قد أطلقت مبادرة لامتصاص البطالة وخلق فرص عمل بالقطاع الخاص عبر التشجيع على إنشاء المشاريع وتسهيل إجراءات الحصول على التمويل.

وبالإضافة إلى عدم الحصول على تعويضات التسريح، يقول بالطيب إن صاحب العمل لم يكن يدفع مساهمات التغطية الاجتماعية والتقاعدية (التأمينات)، مؤكدا أنه وجد نفسه في وضع فاقد الحقوق أثناء العمل وبعد التسريح وعند بلوغ سن التقاعد.

ويشير إلى أنه لم يعد منشغلا بتحصيل حقوقه بقدر الحصول على فرصة عمل جديدة توفر له راتبا للإيفاء بالتزاماته العائلية. وتظهر البيانات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) بلوغ نسبة البطالة نحو 15.3 في المائة، بما يعادل 634.9 ألف شخص.

وتسبب غلق المؤسسات والخوف من فقدان العمل في زيادة التحركات الاحتجاجية في تونس خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بحسب تقرير الرصد الشهري للحراك الاجتماعي، الصادر في وقت سابق من الشهر الجاري، لافتا إلى ارتفاعها بنسبة 20 في المائة مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، مسجلة 841 تحركا احتجاجيا.

وبحسب الرصد، كانت المصانع المهددة بالغلق أو التي أغلقت أبوابها بالفعل سبباً لاحتجاج العديد من العمال، الذين لجأوا إلى الاعتصام أمام مقر المؤسسة أو قطع الطرق للتعبير عن غضبهم.

ويقول عبد الرحمان الهذيلي، رئيس منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مدنية) لـ"العربي الجديد" إن تنامي غلق المصانع يعكس بلا شك الأزمة التي أصبحت تعيشها المؤسسات الصغرى والمتوسطة في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات، معربا عن قلقه من اتساع دائرة الاحتجاجات خلال الأشهر المقبلة، إذا استمرت أزمة غلق المصانع.

وتمثل الإشكاليات المالية، خاصة نقص السيولة والاقتراض، أبرز أسباب غلق المؤسسات، وفق ما كشفت عنه دراسة متخصصة أجرتها وكالة النهوض بالصناعة والتجديد الحكومية.

وأظهرت الدراسة أيضا، التي شملت 249 مؤسسة أغلقت أبوابها بين 2005 و2015، أن عدم الاستقرار السياسي والأمني وضعف مساندة المؤسسات تعد أيضا، أسبابا لغلقها.

ويقول محمد علي البوغديري، الأمين العام المساعد المكلف بالقطاع الخاص في اتحاد الشغل إن "المسرحين من القطاع الخاص ضحايا قوانين شغل جائرة في أغلب الأحيان"، مؤكدا أن المنظمة النقابية تتلقى يوميا تظلمات من هذا الصنف من المطرودين من العمل.

ولا ينكر المسؤول النقابي هدر حقوق العمال في القطاع الخاص بسبب التسريح غير القانوني والغلق المفاجئ للمؤسسات، مشيرا إلى أن المؤسسات لا تكتفي بهضم حقوق العمال عند الطرد، بل إنها تنال من حقوقهم في التغطية الاجتماعية ودفع الضرائب.

وفي مقابل الانتقادات الموجهة إلى كثير من مؤسسات القطاع الخاص بعدم احترام حقوق العمال، يقول طارق الشريف، رئيس منظمة "كونكت" لرجال الأعمال لـ"العربي الجديد"، إن المؤسسات الاقتصادية تسعى إلى الحفاظ على فرص العمل وإن التسريح يكون في الحالات التي تستحيل فيها ديمومة المؤسسات، مشيرا إلى حرص رجال الأعمال على الالتزام بقوانين الشغل وحفظ حقوق أجرائهم (العمال).

وكان صندوق النقد الدولي قد دعا تونس مؤخراً إلى العمل على خفض معدلات البطالة المرتفعة، التي تصل في صفوف الشباب إلى 35 في المائة بين الشباب، واعتبره أمراً مهماً وضرورياً للحفاظ على استقرار المجتمع والاقتصاد.

المساهمون