بول فولكر... قاهر التضخم والمضاربين في أميركا

بول فولكر... قاهر التضخم والمضاربين في أميركا

11 ديسمبر 2019
نجح فولكر في وضع ضوابط قلصت تداعيات الأزمة المالية()
+ الخط -

 

نعت الأوساط الاقتصادية والمصرفية في الولايات المتحدة والعالم بول فولكر، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" الأسبق، الذي ساهم في وضع السياسات الاقتصادية الأميركية لأكثر من ستة عقود، حيث وافته المنية، الأحد الماضي، في نيويورك، عن عمر يناهز 92 عاما.

ذاع صيت فولكر، الذي ترأس البنك المركزي الأكثر تأثيراً في العالم لثماني سنوات، مع الرئيسين جيمي كارتر ورونالد ريغن، مرتين، كانت الأولى بعد أن نجح في خفض معدلات التضخم القياسية التي شهدتها البلاد خلال فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

ثم جاءت الثانية بعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت الأسواق في العام 2008، حين اختاره الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بعد أقل من شهر من وصوله إلى البيت الأبيض رئيساً لـ "مجلس الإصلاح الاقتصادي الاستشاري"، وهي المهمة التي قدم فيها "قاعدة فولكر" الشهيرة، التي حظرت على البنوك الأميركية استخدام أموال المودعين في المضاربة في استثمارات لا تحقق فائدة لهم، حيث اعتبر أن هذه الممارسات لعبت دوراً كبيراً في إحداث الأزمة.

وبدأ فولكر صراعه مع التضخم منذ كان طالباً في المدرسة الثانوية، أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، حين قدم بحثا انتقد فيه سياسات بنك الاحتياط الفيدرالي القاصرة في مواجهة الضغوط التضخمية.

وفي السبعينيات، سمحت له الظروف بتطبيق أفكاره الرائدة في مواجهة التضخم، حين ارتفعت معدلاته في الولايات المتحدة، نتيجة للقفزات الكبيرة في أسعار النفط العالمية، على أثر صدمة حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ثم الثورة الإيرانية في 1979.

عمد فولكر، الذي ترأس الجهة المنوط بها السيطرة على التضخم في أميركا، في وقتٍ تجاوزت فيه معدلاته 14 في المائة، إلى تقديم العلاج بالصدمات، فدفع الاقتصاد إلى الركود العميق لإقناع الأميركيين بالتخلي عن توقعاتهم السائدة باستمرار ارتفاع الأسعار، فكانت التكلفة الباهظة من توقف المستهلكين عن شراء المنازل والسيارات، وفقدان ملايين العمال لوظائفهم.

وفي الوقت الذي كان العديد من أصحاب الأعمال والشركات يصبون جام غضبهم على سياساته، نجح فولكر في السيطرة على معدلات التضخم، والنزول بها إلى ما دون الـ 4 بالمائة، بعد أقل من ثلاث سنوات من توليه مهام منصبه، ثم إلى 2.5 بالمائة في العام التالي.

وتسببت نجاحات فولكر في إدارة السياسة النقدية في بلاده في تسليم الأمور له تماماً وامتناع رجال السياسة من الحزبين عن التدخل في شؤون البنك، ليشهد البنك الفيدرالي أقوى عهود استقلاله، ولتتعرف جموع المواطنين والسياسيين على فكرة وجود سياسات غير مرحب بها سياسياً، ولكن تفرضها الضرورة الاقتصادية.

درس فولكر الاقتصاد في جامعة برينستون العريقة، قبل أن يحصل على الماجستير في الاقتصاد السياسي من جامعة هارفارد الأكثر عراقةً وشهرة، وليدرس بعدها لمدة عام في مدرسة لندن للاقتصاد.

وبعد التخرج، التحق فولكر ببنك الاحتياط الفيدرالي بنيويورك، الذي كان قد تدرب به لشهور، خلال فترة الدراسة. لكن بعد خمس سنوات، انتقل للقطاع الخاص، حيث التحق ببنك تشيس مانهاتن، قبل أن يعينه رئيسه السابق في البنك الفيدرالي روبرت روزا، مديراً للتحليل المالي بوزارة الخزانة الأميركية، ثم ليعود إلى البنك الخاص كنائب للرئيس ومديراً للتخطيط به.

وفي عام 1969، اختارته إدارة الرئيس ريتشارد نيكسون نائباً لوزير الخزانة، ليلعب دوراً هاماً في توجه نيكسون لتعليق نظام "قاعدة الذهب" والقضاء تماماً على اتفاقية بريتون وودز، التي وقعت عام 1944 وحكمت النظام الاقتصادي العالمي لعقود، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وبحكم منصبه كنائب لوزير المالية، شغل فولكر منصب عضو مجلس إدارة العديد من المؤسسات المالية الأميركية، حيث عرف برزانته والسعي الدائم لتحقيق توافق دولي حول القضايا النقدية.

وبعد فترة وجيزة من العمل في جامعة برينستون، لم تتجاوز السنة، ترأس فولكر بنك الاحتياط الفيدرالي بنيويورك، قبل أن يجلس على مقعد رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي في 1979.

تميز فولكر، الذي هاجر أجداده من ألمانيا إلى الولايات المتحدة، بالطول الشديد، حيث تجاوز المترين، وعُرف بتحفظه الشديد في الإنفاق، وظهر ذلك كثيراً على ملابسه المتواضعة، وسيجاره الرخيص، ومسكنه المتواضع، إلا أن الحقيقة أن ذلك كان لظروف انخفاض دخله للنصف، بعد انتقاله من البنك الفيدرالي بنيويورك إلى البنك الفيدرالي الرئيسي، واضطراره لتأجير منزل لزوجته في نيويورك لتكون قريبة من طبيبها المعالج، بعد انتقاله هو إلى واشنطن.

المساهمون