تجديد ودائع السعودية والديون المصرية

تجديد ودائع السعودية والديون المصرية

06 نوفمبر 2019
هموم غلاء المعيشة تؤرق المصريين (Getty)
+ الخط -


يختلف كثير من المتابعين للشأن الاقتصادي المصري حول العديد من المؤشرات الظاهرة، التي يمكن من خلالها الحكم على قوة أو ضعف أداء القائمين عليه خلال الفترة الأخيرة، وبالتالي ما يمكن توقعه من نتائج تلمس حياة المصريين، بدءاً من مستويات معيشتهم، ومروراً بما يحصلون عليه من خدمات أساسية كالتعليم والصحة والصرف الصحي، وصولاً إلى متطلبات التنمية والبحث العلمي اللذين يرسمان بصورة كبيرة ملامح حياة أبنائهم وأحفادهم. 

وتأتي حقيقة ارتفاع الدين العام المصري، وتحديداً الجزء الخارجي منه، كما الجزء المقوم بالعملة الأجنبية مما يتم اقتراضه من الداخل، كأحد أهم المؤشرات التي لا يختلف عليها أغلب المتابعين، رغم الإصرار الحكومي على أنها "ما زالت في الحدود الآمنة"، على مدار الأعوام الستة الماضية.

وشهدت تلك الأعوام ارتفاع الدين الخارجي في مصر من 45 مليار دولار في أوائل يوليو / تموز من عام 2013، إلى 108.7 مليارات دولار بنهاية يونيو / حزيران من العام الحالي، وفقاً لبيانات البنك الدولي الصادرة قبل أسبوعين تقريباً، وبنسبة ارتفاع تتجاوز 140%.

وفي حين تسمح أجهزة الحاسب الآلي المتوفرة في أصغر فرع لأي بنك في أقل دول العالم تقدماً بمعرفة حجم المديونية لديه في نهاية عمل كل يوم، يتباطأ البنك المركزي المصري في إعلان الرقم الخاص بدينه الخارجي، حتى وصلت الفجوة بين تاريخ أحدث رصيد للمديونية ويومنا هذا إلى أكثر من سبعة أشهر.

وقبل أسبوعين أيضاً، نشرت جريدة "المال" المصرية أن محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر وقع في واشنطن، على هامش اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين، مع خالد الخضيري نائب الرئيس والعضو المنتدب للصندوق السعودي للتنمية، اتفاقية تجديد ودائع اقترضتها مصر من السعودية قبل سنوات.

وقالت الجريدة إن الودائع، التي تم تجديدها لمدة ثلاث سنوات، وتقدر قيمتها بحوالي 5.254 مليارات دولار، تعزز قدرة مصر على جذب المستثمرين الأجانب لشراء أدوات الدين المحلي!

نفس المعنى تقريباً أكده طارق عامر الشهر الماضي، حين قال في كلمة له أمام مجموعة من المستثمرين والصحافيين، في معهد التمويل الدولي بواشنطن، محاولاً إظهار قوة المركز المالي المصري، إن الودائع الخليجية، أي التي اقترضتها مصر من السعودية والإمارات والبحرين والكويت، تسيطر على أغلب التزامات الدين الخارجي المصري في الأجل القصير، وأن هذه الودائع يتم تجديدها باستمرار!

ولا أعرف إن كان محافظ البنك المركزي المصري يجهل حقيقة أن المستثمرين لا يحبون سماع كلمات من نوعية "تجديد" أو "مد أجل" الودائع، ولا يرون فيها أي مصدر قوة للاقتصاد المعني، أم أنه يعرفها.

وفي كل الأحوال، فإن المؤكد أن تأثير الرسالة السلبي على المصريين يفوق نظيره على المستثمرين، الذين يمكنهم بجرة قلم تحويل استثماراتهم إلى بقعة أخرى على الكرة الأرضية، بينما يتشبث الملايين، طوعاً أو كرهاً، بوجودهم على أرض الكنانة.

يتجاهل أغلب المسؤولين فيما يطلق عليه المجموعة الاقتصادية في الحكومة المصرية مؤشرات ارتفاع الدين الخارجي، الذي يغيب عن أحاديثهم وتحليلاتهم، إلا فيما ندر.

وتغيب أي رؤية واضحة لطريق أو خطة للرجوع بهذا الدين إلى مستويات مقبولة، أو حتى منع تزايده عاماً بعد الآخر، وهو ما أثار حفيظة العديد من الأصدقاء – الأجانب – العاملين بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وظهر في أحاديثهم الجانبية، خاصة مع استمرار تجاهل المسؤولين المصريين طلب المؤسستين الدوليتين إعداد خطة لتخفيض الدين الخارجي.

وعلى أرض الواقع، انحسرت خطة الحكومة المصرية لإدارة مخاطر الدين الخارجي في نقاط محدودة، يأتي على رأسها منع المسؤولين في أي وزارة معنية بالحديث عنه، رغم أن من تلك الوزارات من يقوم بالإتفاق على مزيد من القروض الخارجية بين الحين والآخر، وقصر حق الحديث عنه لمحافظ البنك المركزي، الذي عبرت أغلب تصريحاته عن مستوى "الوعي" الذي يتميز به.
بعد ذلك، كانت هناك خطوات أخرى، اعتمدتها الحكومة المصرية، أو من بيده زمام تلك الأمور، لا تقل "حكمة وحنكة" عن الخطوة الأولى، مثل تجديد بعض الودائع أو مد آجالها، مع اللجوء إلى مصادر أخرى للتمويل، عن طريق الترويج لسندات بعملات أخرى غير الدولار، أو التوجه نحو أسواق لم نقترض منها من قبل، مثل أسواق جنوب شرق آسيا، أو الدخول في اتفاقات غير مفهومة للأغلبية العظمى من المصريين، مثل اتفاق مبادلة العملات مع الصين، الذي لا يختلف عن اتفاقات القروض العادية، وإن كان بتكلفة أعلى، بالإضافة إلى تجديد – وطرح المزيد من - أذون الخزانة بالعملات الأجنبية للبنوك المصرية، وإجبارها على الشراء، بصورة لا مثيل لها في أسواق المال التي تتميز بالشفافية وتحظى بثقة المستثمرين.

يترتب على كل ما سبق أن الدين الخارجي لا يزداد إلا ارتفاعاً، وأن متوسط أجله لا يزداد إلا بعداً، حتى استحوذ بند خدمة الدين داخل الموازنة العامة للدولة على كل إيرادات الدولة تقريباً، وتراجعت مستويات الإنفاق على خدمات التلعيم والصحة والصرف الصحي والبحث العلمي إلى مستويات متدنية، لا تتناسب إطلاقاً مع حجم الشعب المصري ومكانته بين الدول.

تجديد الودائع ومد آجالها لا يخفف من عبئها إلا على المسؤول الحالي، وعلى حساب من سيأتي بعده، حكومة وشعباً، الأمر الذي يعني أننا، وبالإضافة إلى تردي الخدمات الأساسية المتهالكة، والأوضاع السياسة المزرية، نورث أبناءنا المزيد من الديون التي سيتعين عليهم سدادها.

وفي الوقت الذي نلحظ جميعاً تراجع قدرتنا على تقليل الاقتراض، وسداد أقساط وفوائد ما اقترضناه بالفعل، لا نترك لأبنائنا إلا القليل مما يمكنهم من السداد، وهو ما قد يعني مزيدا من التنازلات التي تفرض عليهم، سواء كانت في القرار السيادي، أو أراض وجزر وأنهار يتم التنازل عنها للدائنين، أو منحهم (ومن خفي من أعوانهم) مزيداً من الامتيازات في كعكة الاستثمار في مصر، حتى نجدهم في كل شارع وحارة وبيت، والعياذ بالله.

المساهمون