أفريقيا تنتفض ... فهل يهتز الاقتصاد الفرنسي؟

أفريقيا تنتفض ... فهل يهتز الاقتصاد الفرنسي؟

20 نوفمبر 2019
المقر التاريخي للمصرف المركزي الفرنسي (فرانس برس)
+ الخط -


تاريخياً، كانت الدول الأفريقية تحوّل احتياطياتها من النقد الأجنبي إلى الخارج، وتودعه في مصارف دول الاستعمار القديم، وفي مقدمتها البنوك الفرنسية والبريطانية والإيطالية والإسبانية وغيرها.

ورغم نيل دول القارة السمراء الاستقلال منذ سنوات طويلة، إلا أن حكومات هذه الدول لم تتخل عن التبعية الاقتصادية والمصرفية للمستعمر القديم، إذ تأمر بتحويل الاحتياطيات النقدية والفوائض المالية لبلادها إلى بنوك هذا المستعمر مقابل الحصول على عائد متدنٍّ وأسعار فائدة هزيلة جداً، وذلك بدلا من استثمار هذه الأموال في الداخل.

حتى عندما يسرق ساسة وحكام أفريقيا أموال وثروات شعوبهم، ويغسلون الأموال القذرة التي نهبوها خلال فترة توليهم السلطة، يودعون ما نهبوه في بنوك الاستعمار وأبرزها المصارف الفرنسية.

وعندما يسرق جنرالات المؤسسة العسكرية السابقون أموال المؤسسة، ويحصلون على عمولات عن صفقات السلاح والطيران التي يبرمونها خلال فترة عملهم ومهامهم الوظيفية يحولون تلك الأموال إلى تلك البنوك الأوروبية، وربما يشترون بها عقارات وقصوراً وأسهماً وذهباً وسندات في البورصات الغربية، أو يؤسسون بها شركات في الملاذات الضريبية التابعة للمستعمر القديم.

لكن تطوراً مهمّاً جرى مؤخراً ربما يشير إلى أن بعض حكومات الدول الأفريقية بدأت تتنبه إلى مخاطر إيداع احتياطيات دولها الأجنبية في بنوك المستعمر القديم، خاصة مع تكرار الأزمات الاقتصادية والمالية، وتعي أن مؤسسات الاستعمار المالية والمصرفية لا تضع مصالح دول القارة ومواطنيها واقتصادياتها في حسبانها.

وأن من مصلحة دول القارة إعادة هذه الأموال إلى الداخل لخلق فرص عمل لمواطنيها والحد من البطالة وتمويل مشروعات التنمية والخدمات العامة، ومنها مدّ شبكات الطرق والمياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات.

قبل أيام، أعلن رئيس دولة بنين، باتريس تالون، لإذاعة فرنسا الدولية (إر إف إيه)، إن ثماني دول غرب أفريقية ستسحب من فرنسا الاحتياطات الأجنبية لعملتها الفرنك الأفريقي وتنقلها إلى المصرف المركزي للدول الأفريقية CFA ومقره السنغال.

وقال تالون إن الخطوة تم الاتفاق عليها بالإجماع بين تلك الدول، وهي: بنين، توغو، بوركينا فاسو، ومالي، كوت ديفوار، النيجر، غينيا بيساو، السنغال.

ولم نعرف بعد هل ستقتصر خطوة الدول الثماني على إعادة الاحتياطات الأجنبية لعملتها الفرنك الأفريقي، أم ستمتد إلى باقي احتياطياتها من النقد الأجنبي، خاصة المستثمرة بالدولار واليورو؟

لكن على أية حال فإن الخطوة مهمة جداً، فأخيراً أدركت أفريقيا أن مصلحتها تكمن في مواجهة الغزو الاقتصادي الغربي والابتعاد اقتصادياً ومالياً عن المستعمر الذي لا يعمل لصالحها، بل ولا يزال يصر على نهب ثروات دول القارة حتى اللحظة، كما ستفتح الخطوة الباب أمام دول أخرى لسحب احتياطياتها من بنوك دول الاستعمار القديم وربما من بنوك المستعمرين الجدد.

الخطوة التي أعلن عنها رئيس دولة بنين، إن تمت، ستشكل ضربة قوية للاقتصاد الفرنسي الذي يعاني أصلا من مشاكل وأزمات مالية، واتساع فجوة الدخول في فرنسا، بين الأثرياء والفقراء، حيث، يملك 1% من الأثرياء حصة 20% من ثروة فرنسا.

كما أن الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلاد وزيادة الأسعار وتدني الأجور دفعت ملايين الفرنسيين للخروج للشارع والتظاهر لفترات طويلة كما فعلت حركة "السترات الصفراء"، كما بات هذا الاقتصاد يفتقر إلى القدرة التنافسية، بل وأصبح مهدداً بأزمة مالية عنيفة خاصة مع زيادة الدين سواء العام أو الخاص.

المساهمون