"قاطع الغلاء تعيش بالقدا"... تونسيون يفرضون قراراتهم على التجار

"قاطع الغلاء تعيش بالقدا"... تونسيون يفرضون قراراتهم على التجار

04 أكتوبر 2019
موجة غلاء تضرب جيوب التونسيين (فرانس برس)
+ الخط -

عاد التونسيون لتفعيل سلاح المقاطعة بعد موجة غلاء جديدة عقب الانتخابات، تسببت في إنهاك ما تبقى من قدراتهم الشرائية، معلنين قرار فرض قوانينهم على التجار ودفعهم نحو مراجعة أسعار الخضر والفواكه التي بلغت مستويات قياسية.

واختار المستهلكون الذين أعلنوا حملة المقاطعة التي تنظّم داخل مجموعات فيسبوكية مغلقة فتح النقاش داخل وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل تحديد جملة المنتجات التي تخضع للمقاطعة بحسب بورصة الأسعار اليومية التي ينشرها أعضاء المجموعة في كل محافظات البلاد.

ويبدي التونسيون انزعاجا كبيرا من ارتفاع أسعار الغذاء، في وقت تنشغل فيه الأحزاب والطبقة السياسية في الانتخابات، معتبرين أن تخلي الحكومة عن واجباتها في كبح الأسعار بات يملي عليهم التوقي الذاتي والدفاع عن حقوقهم بوسائلهم الخاصة.

ويوميا يختار الناشطون صلب مجموعات المقاطعة، المنتجات التي سيقاطعونها، مع رصد تداعيات الحملة عبر الكشف عن النتائج المحققة من حملاتهم.
ويرفع النشطاء شعار "قاطع الغلاء تعيش بالقدا" ( قاطع المنتجات المرتفعة الثمن تعش في ظروف أحسن) معولين على زيادة نجاعة الحملة عبر رفع عدد المنخرطين فيها إلى مليون مستهلك.

ويومياً، يحدد أعضاء المجموعة المنخرطة في حملة المقاطعة الأسعار القصوى للخضر والغلال بحسب الإمكانيات المادية للمستهلكين محدودي الدخل، معتبرين أن نجاعة الحملة ستزيد كلما توسعت دائرة المقاطعة. وأثبت المستهلكون قدرتهم على الصمود في وجه التجار والمحتكرين.

وتقول التونسية حياة البجاوي إنها تبذل مجهودا لضم أكبر عدد من معارفها إلى حملة المقاطعة التي تستهدف هذه الأيام البطاطا والموز، معتبرة أن أجهزة المراقبة الحكومية غير قادرة على ضبط سلوك "الجشع" الذي يغزو أسواق تونس، وسلوك المضاربين الذي أضر بقوت العائلات.

وأضافت في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المستهلك مطالب بلعب دور إيجابي في حماية نفسه وفرض قرارته على التجار والمضاربين، قائلة "لن نموت جوعا إذا قاطعنا البطاطا والموز، لكن قد نموت كمدا إذا تواصل غلاء الأسعار".

وتؤكد البيانات الرسمية التي ينشرها معهد الإحصاء الحكومي أن أسعار المواد الغذائية لم تنخفض في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث ارتفعت أسعار الخضر بنسبة 10.1% وارتفعت أسعار الحليب والبيض بنسبة 9.1% في المقابل زادت أسعار اللحوم بنسبة 8.6% والفواكه بنسبة 7.8%.

وتؤثر الزيادات في مجموعة الغذاء على النسب العامة للزيادة في مؤشر الاستهلاك العائلي، ونسبة التضخم العامة التي تستقر في حدود 6.7%.
إلى ذلك، تسجّل منظمات ترشيد المستهلكين في تونس، نجاحات كبيرة لحملات المقاطعة التي نظمها المستهلكون بمبادرات فردية منهم، معتبرة أن هذه المبادرات دليل ترسخ ثقافة المقاطعة لدى شريحة مهمة من التونسيين.

ويقول رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك سليم سعد الله، إن السوق تحتكم إلى قوانين المضاربين الذين يحكمون بورصة الأسعار، بالرغم من وفرة كميات الخضار والفواكه التي تضخ يوميا في الأسواق عبر المسالك الرسمية.

ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن المقاطعة الموسعة ستشكل حاجز صد لما وصفه بجشع المضاربين والتجار، مشيرا إلى أن النسبة الكبيرة من الأرباح تذهب إلى جيوبهم في حين يدفع المستهلك فاتورة مرتفعة لتأمين غذائه.

ويفيد سعد الله بأن المنظمة قادت أول حملة مقاطعة عام 2013 واستهدفت حينها اللحوم الحمراء، وتمكنت من ترشيد الأسعار بفضل انخراط كبير من المواطنين في الحملة، التي تلتها حملات أخرى تراوحت فيها نسبة المقاطعة بين 30 و70 بالمائة، معتبرا أن كل انخراط جديد في ترشيد ثقافة الاستهلاك ستكون له نتائج إيجابية على نفقات الأسر.

كما يقر بصعوبة تغيير سلوك مجتمع، وصفه بـ"المستهلك بامتياز"، مؤكدا أن تحويل المقاطعة إلى سلاح ناجع ضد الغلاء والاحتكار يحتاج إلى عمل سنوات لتغيير السلوك وترشيد الوعي بضرورة التوقي الذاتي من ممارسات التجار المجحفة.
ويشير إلى أن المنظمة لا تفعّل سلاح المقاطعة في كل المناسبات، معتبرا أن هذه الآلية سلاح ذو حدين، ويمكن أن يعود بالضرر على منظومات إنتاج، في حال أبدى المستهلكون استجابة لحملات المقاطعة.

ويعد سلاح المقاطعة ثقافة استهلاكية جديدة وافدة على المجتمع التونسي، الذي اعتاد الإقبال المكثف على كل المواد الشحيحة في السوق أو ذات السعر المرتفع، ما يتسبب آليا في ارتفاع الأسعار وزيادة الطلب.