محمد علي يذكّر بمخاطر سد النهضة

محمد علي يذكّر بمخاطر سد النهضة

11 أكتوبر 2019
فشل المفاوضات حول السد (Getty)
+ الخط -


وصلت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة إلى طريق مسدود، ورفضت إثيوبيا يوم السبت 5 أكتوبر/تشرين الأول رسميًا تقديم أية ضمانات بشروط مصرية لانسياب مياه نهر النيل، كما رفضت أي وساطة دولية في المفاوضات الجارية بشأن أزمة السد، وفق تصريح وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سلشي بقل.

اثيوبيا جادة في مواصلة بناء السد بغض النظر عما يدور في المفاوضات المستمرة منذ منتصف 2014، وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، نبيات جيتاتشو، بأن المفاوضات الجارية بين إثيوبيا والسودان ومصر لن تؤثر في مواصلة بناء السد، وأن بلاده لن تقبل أي مساس بسيادتها في ما يخص مشروع سد النهضة، وأن أعمال التشييد تسير بانتظام، ووفق الآجال الزمنية المحددة.

وكشفت وزارة الخارجية الإثيوبية عن خطة إثيوبيا لملء خزان سد النهضة في فترة زمنية تتراوح ما بين 4 إلى 7 سنوات، واعتبرت رفض مصر الخطة بأنه مثال آخر على "التكتيك التخريبي" الذي تعتمده القاهرة، ما يكشف عن نبرة إثيوبيا الجادة وعزمها إنجاز السد في أقرب وقت ممكن، عكس ما يحاول الإعلام المصري ترويجه.

صمت النظام المصري، رغم اقتراب اثيوبيا من الانتهاء من بنا السد وتشغيله، مريب ومثير للشكوك، سيما أن وزير المياه والطاقة الإثيوبي قال في مطلع هذا العام، إن إثيوبيا ستبدأ إنتاج الطاقة من سد النهضة الكبير، كما يسميه، في ديسمبر/كانون الأول 2020، وأحاط بيكيلي علم البرلمان بأن الإنتاج الأولي سيبلغ نحو 750 ميغاوات باستخدام توربينين اثنين وأن الحكومة تتوقع أن يدخل السد الخدمة بشكل كامل بنهاية 2022.

في المقابل أعلنت الحكومة المصرية أن مفاوضات سد النهضة وصلت لطريق مسدود، وأن الجانب الإثيوبي رفض كافة المقترحات التي تراعي مصالح مصر المائية، وفق بيان وزارة الموارد المائية المصرية عقب اجتماع لوزراء الموارد المائية من مصر والسودان وإثيوبيا في العاصمة السودانية الخرطوم.

وعلق الجنرال عبد الفتاح السيسي عبر تويتر بقوله إن الاجتماع الثلاثي لوزراء الري في مصر والسودان وأثيوبيا لمناقشة ملف سد النهضة الأثيوبي لم ينتج عنه أي تطور إيجابي، وحدد في نفس الوقت تمسكه بخيار المفاوضات العبثية، فقال إن الدولة مستمرة في اتخاذ المسار السياسي للحفاظ على حقوق مصر المائية.

رد فعل الدولتين هذه المرة على نتائج المفاوضات التي بدأت قبل خمس سنوات وبالتزامن مع تولي السيسي الحكم رسميًا متباين. الرد الإثيوبي جاء رافضًا للمطالب المصرية بكلمات قاطعة وجادة، من خلال بيان لوزارة الخارجية الإثيوبية وأذاعه التلفزيون الرسمي، وكان بمثابة نجاح للحكومة في فرض واقع جديد وتحول تاريخي في سيادة الدولتين على نهر النيل، ورسالة طمأنة ووفاء للشعب الإثيوبي وحقه في معرفة ما يدور في المفاوضات، سيما أنه يتمتع بقدر من الديمقراطية والشفافية والمحاسبة تمكنه من محاسبة الحكومة واسقاطها إذا أراد.

في المقابل، جاء الرد المصري بعبارات تائهة وزائغة، لا تتناسب مع خطورة الأزمة. وكذلك رد السيسي بكلمات مائعة كتبها على حسابه على تويتر، ولم ينتظر حتى الصباح ليتناولها في خطابه بمناسبة ذكرى انتصار أكتوبر والذي ألقاه صبيحة يوم اعلان فشل المفاوضات، ولم يتطرق للأزمة، ولم ينطق ببنت شفه حولها، ولم يعتبر سد النهضة أحد الأمواج العاتية التي تستهدف مصر من الخارج، على حد تعبيره.

ولم يصارح السيسي المصريين بتفاصيل ما يجري في المفاوضات منذ 2014، ولا مخاطر فشلها على الأمن المائي المصري، وهم الذين سيعانون وحدهم من آثار السد العدواني.

ورغم تعمد الجنرال عبد الفتاح السيسي إخفاء تفاصيل المفاوضات المستمرة منذ منتصف 2014 وحجبها عن المصريين، كشف الجانب الإثيوبي عن أن المفاوض المصري طالب بأن يتم ملء خزان السد في 7 سنوات لتقليل الضرر، وأن تتدخل أميركا كوسيط في المفاوضات.

لكن إثيوبيا رفضت طلب مصر، ما يعني أن السيسي لا يطالب بوقف بناء السد حتى يتم إنجاز دراسات تقييم آثاره السلبية على الزراعة والصناعة والبيئة والحياة الاجتماعية في مصر، ولم يطالب بتقليل حجم السد، والذي أصبح أقرب ما يكون للأمر الواقع من أي وقت مضى، على عكس ما يراه السيسي.


لجنة تحقيق

جرى العرف السياسي على أن الدول تشكل لجان تحقيق بعد كل أزمة أو كارثة، لتقف على الأسباب التي أدت إليها، وتكشف عن المقصرين أو المتورطين ليتم إبعادهم عن مواقع المسؤولية ومحاسبتهم، ولتستخلص الدروس حتى لا تتكرر في المستقبل، وتضع مواصفات لأعضاء الفريق الذي سيتولى المهمة في المستقبل، وتحدد الأهداف ومعايير الإنجاز.

بعد انتصار مصر على إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، شكلت إسرائيل لجنة تحقيق وتقصي حقائق برئاسة رئيس العدل، شيمون أجرانات، قبل أقل من شهر من توقف الحرب، لتحديد المسؤولية السياسية للحكومة عن كارثة الهزيمة، والمسؤولية العسكرية للجيش، وقدمت اللجنة تقريرها الذي صدم المجتمع الإسرائيلي وهز أركان الحكومة، وقدمت رئيسة الحكومة، جولدا مائير، استقالتها، واختفت عن المسرح السياسي للأبد.

وفي أزمة سد النهضة، وبعد بضع وعشرين جولة من المفاوضات المستمرة منذ 2014 ودون سقف زمني، لم يحقق النظام المصري بقيادة الجنرال السيسي أي إنجاز يضمن حقوق مصر التاريخية والقانونية في مياه النيل، ولم يحصل على أية ضمانات إثيوبية بعدم إلحاق الضرر بمصر، ما يستدعي تشكيل لجنة تحقيق تكشف عن دواعي توقيع السيسي اتفاق المبادئ في مارس 2015 دون النص على حصة مصر المائية وحجم الخزان وسنوات الملء الأول، وهل يوجد ملحق سري في الاتفاق، وما هي أسباب استسلام المفاوض المصري لإثيوبيا طوال هذه السنوات حتى كادت أن تنتهي من بناء السد، ومصارحة الشعب بما دار في المفاوضات، فضلًا عن مساءلة ومعاقبة المقصرين والمخطئين.

المقاول محمد علي

في إطار السجال الدائر بينهما، دعا المقاول والفنان المصري محمد علي، والذي يتهم السيسي وزوجته بإهدار مليارات الجنيهات من المال العام في بناء قصور بالتواطؤ مع الإدارة الهندسية التابعة للقوات المسلحة، العلماء المصريين في الخارج إلى الاجتماع وتوضيح مخاطر سد النهضة على الحياة في مصر، وتوضيح الحقائق للشعب، وتحديد الحلول اللازمة لمواجهة الأزمة.

وقد أفاض المتخصصون وغيرهم في مخاطر سد النهضة على الحياة في مصر منذ بدأت إثيوبيا في الإفصاح عنه بداية 2011، لا سيما أن الزراعة والصناعة ومياه الشرب تعتمد على مياه النيل بنسبة 97%.

وقد كشفت إثيوبيا أخيرًا عن عزمها ملء خزان سد النهضة الذي يسع 75 مليار متر مكعب من المياه في 4 إلى 6 سنوات على الأكثر، لأن زيادة المدة تضر بالجدوى الاقتصادية لمشروع السد، ما يعني أنها سوف تقتطع حوالي 25 مليار متر مكعب من حصة مصر السنوية، بالإضافة إلى 25 مليارًا أخرى سوف تُهدر بسبب التبخر والتسرب في الفوالق الأرضية تحت بحيرة الخزان.

هذه الكمية يمكن تعويضها من المخزون الحي لبحيرة ناصر والبالغ 60 مليار متر مكعب في حالة الامتلاء الكامل، وبذلك يتم تفريغها تماما بعد 3 سنوات، ولن تتم إعادة ملئها للأبد طالما بقي سد النهضة، وعلى الفور ستتوقف توربينات السد العالي التي تولد 1800 ميجاوات من الكهرباء. وفي السنة الرابعة تنخفض حصة مصر إلى 30 مليارا فقط، وتصاب الحياة في مصر بالشلل وتقع الكارثة.

مخاطر سد النهضة

في لحظة مصارحة نادرة، كشف وزير الري المصري الحالي، محمد عبد العاطي، عن خطورة سد النهضة على الحياة الزراعية والاقتصادية في مصر، أمام غرفة التجارة الأميركية بالقاهرة، وقال إن فقدان مصر 2% من المياه، يعني ما يعادل مليار متر مكعب، يعني فقدان 200 ألف أسرة وظائفها، ويعرضها للتشرد.

وإذا كان عدد أفراد الأسرة يتراوح بين 4 إلى 5 أفراد، وفق بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء الحكومي، فإن فقدان 25 مليار متر مكعب من مياه النيل في الملء الأول لخزان سد النهضة سوف يؤدي إلى تبوير 5 ملايين فدان، وتشريد 5 ملايين أسرة وتعريض أفرادها البالغين 25 مليون مواطن مصري للخطر.

وينخفض منسوب المياه الجوفية في الصعيد بنحو 3 أمتار، وتتدهور الأراضي الزراعية في شمال الدلتا بسبب زحف مياه البحر تحتها وزيادة ملوحة الخزان الجوفي، وتخسر مصر مليون فدان في هذه المنطقة كانت تُزرع بالأرز، وقد تحولت مصر بالفعل من الاكتفاء الذاتي والتصدير إلى الاستيراد. ومن المفارقة أن يتورط الوزير المسكين في مشاركة الجنرال مفاوضات السد رغم فشلها وعبثيتها.

وقد درست مجموعة من الباحثين المصريين في معهد بحوث الإرشاد الزراعي والتنمية الريفية، التابع لمركز البحوث الزراعية آثار سد النهضة على النسيج الاجتماعي والاستقرار الأسري، والسلم الأهلي والاجتماعي بين طبقات ومكونات النسيج الاجتماعي للشعب المصري.

وخلصت الدراسة إلى أن نقص الحصة السنوية من مياه النيل يؤدي إلى زيادة الفجوة الغذائية وارتفاع أسعار الغذاء، ومعدلات الفقر الريفي، والذي تتخطى نسبته 70% في صعيد مصر، و60% في الوجه البحري، وارتفاع نسب الإصابة بالأمراض، وزيادة جرائم السرقة وتعاطي المخدرات والعنف، والمشاكل الزوجية وارتفاع معدلات الطلاق والتفسخ الأسري.

وكذلك زيادة البطالة وغلاء السلع والفقر، وبالتالي زيادة معدلات هجرة الريفيين الذين يمثلون نصف المجتمع داخليًا إلى المدن، وخارجيًا إلى الدول العربية والهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي على خطورتها وغرق الكثير منهم في البحر المتوسط.

المساهمون