"بريكست" بلا اتفاق: من الخاسر... من الرابح؟

"بريكست" بلا اتفاق: من الخاسر... من الرابح؟

16 يناير 2019
خلال تحرك معارض لبريسكت (Getty)
+ الخط -
لا يزال صدى هزيمة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، يتردد في أروقة القرار في كل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وسط وجود مجموعة من الاحتمالات التي تبدأ بالتصويت على سحب الثقة من ماي، ومع ترجيح الوصول إلى سيناريو انفصال بريطانيا من دون اتفاق مع الاتحاد.

وكان النواب في مجلس العموم البريطاني صوتوا في 9 يناير/ كانون الثاني الماضي، لصالح إجبار الحكومة على إعداد اتفاق بديل للانفصال خلال ثلاثة أيام، في حال صوت المجلس برفض تبني مشروع ماي، ما يعطي الأخيرة فترة قليلة للمناورة.

وفي 4 ديسمبر/ كانون الأول، صوت النواب على أن يكون لهم دور أكبر في طرح البدائل لاتفاق "بريكست" في حال هزيمة ماي، ومن ثم ستكون الكرة في ملعبهم أيضاً.

ويشير تقرير نشرته "بي بي سي" اليوم، إلى أنه لا يستبعد أن تعود الحكومة بالاتفاق ذاته مع تعديلات بسيطة، وفي حال سقط هذا الخيار أيضاً سيكون أمام بريطانيا أكثر من احتمال. الأول هو "نو ديل" مع الاتحاد الأوروبي، أي أن تخرج بريطانيا من الاتحاد في 29 آذار/ مارس المقبل من دون اتفاق. ورغم أن مجموعة من النواب أوصلوا رسالة قوية لماي في رفضهم هذا الخيار، ولكنها لا تكفي لإسقاطه من الاحتمالات.

الخيار الثاني، التفاوض على اتفاق آخر مع الطرف الأوروبي ما يتطلب تأجيل "بريكست"، رغم أن ماي قالت في السابق، إن ذلك لن يتم. وهذا الخيار دعمه بنك "غولدمان ساكس" اليوم الأربعاء، معلناً أنّ الهزيمة التي مُني بها اتفاق رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي في البرلمان أمس الثلاثاء، تجعل التوصل لاتفاق أقل حدّة وتأخير موعد الخروج، أو حتى عدم الخروج على الإطلاق أمراً أكثر ترجيحاً.

وكذا يوجد احتمال تنظيم انتخابات عامة، ما يعطي ماي تغطية شعبية أو يحرمها منها. كذا في حال التصويت على سحب الثقة، سيتم الإعداد لانتخابات عامة أيضاً. ويوجد أيضاً احتمال إجراء استفتاء ثان رغم رفض ماي لهذا الخيار، ولكنها قد تعود إليه في حال وجدت نفسها في نفق مسدود...
على أي حال، بدأ الاتحاد الأوروبي استعداداته لـ"بريكست بلا اتفاق". وحذّر ميشيل بارنييه كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، في كلمة ألقاها أمام البرلمان الأوروبي اليوم الأربعاء، من أن مخاطر خروج غير منظم من التكتل أصبحت أكبر منها في أي وقت مضى. وقال إن المفوضية الأوروبية ستكثف استعداداتها لخروج غير منظم قد يؤدي لاختلالات في أوروبا بأسرها.

وفي ظل هذه الضبابية، بدأت المخاوف ترتفع من "بريكست بلا اتفاق"، فمن أبرز الرابحين؟ وماذا عن الخاسرين؟

ويعدّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة هزيمة للاتحاد الأوروبي. وهو يضرب المشروع السياسي حول التكامل الأوروبي. ولم يغادر أي بلد بعد الكتلة المكونة من 28 دولة. وقال يوشكا فيشر، وزير الخارجية الألماني السابق، في تقرير سابق نشرته "فايننشال تايمز"، إنه "إذا كانت بقية القارّة ستتبع المثال البريطاني وتختار القرن التاسع عشر خلال القرن الحادي والعشرين، فإن الاتحاد الأوروبي سوف يتفكك". 

وأصرّ الاتحاد الأوروبي على أن المملكة المتحدة يجب ألا تنجح في امتلاك كل الكعكة وأكلها، عبر الحصول على امتياز الوصول إلى أجزاء من الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي والسوق الواحدة التي تحبها، والتخلص من الأجزاء الأخرى التي لا تحبها.

أكلاف مرتفعة

ووافقت بريطانيا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي على دفع ما تسمى "فاتورة الطلاق" للاتحاد الأوروبي لتغطية الالتزامات غير المسددة للمملكة المتحدة، التي تقدر في حدود 39 مليار جنيه إسترليني، بعد فترة انتقالية مدتها 21 شهراً، وسيدفع البريطانيون هذه المبالغ من خلال الضرائب، وفق موقع "ديلي إكسبرس" البريطاني.

أيضاً، أكدت دراسة شركة الاستشارات أوليفر وايمان، أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي سيواجهان نفقات سنوية تبلغ نحو 58 مليار جنيه إسترليني (80،4 مليار دولار)، إذا ما انهارت محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون التوصل إلى اتفاق تجاري جديد.

وقال التقرير الذي نشرته "سي أن بي سي" يوم الأحد الماضي، إن تكلفة ما يسمى سيناريو "عدم التوصل إلى صفقة" سيبلغ نحو 31 مليار جنيه إسترليني على مصدري الاتحاد الأوروبي، و27 مليار جنيه إسترليني للمصدرين البريطانيين. وهو يعني ضمناً أن الشركات على جانبي المعادلة سوف تتأثر بتعريفات جديدة إذا لم يتم الاتفاق على صفقة تجارية.

وشرح التقرير أن صناعة السيارات في الاتحاد الأوروبي ستحمل أكبر التكاليف. وفي الوقت نفسه، يبدو من المرجح أن الصناعة المالية في المملكة المتحدة "ستتلقى أكبر ضربة حتى الآن"، في حال عدم الاتفاق.

"إذ ستعتمد التجارة مع الاتحاد الأوروبي، في حال عدم الاتفاق، على شروط منظمة التجارة العالمية، ما يرفع الرسوم الجمركية والضوابط بين عشية وضحاها"، تشرح صحيفة "فايننشال تايمز". نتيجة لذلك، من المؤكد أن أسعار الموادّ الغذائية سوف ترتفع. وحذر تقرير أصدره مجلس اللوردات في وقت سابق من هذا العام من أن البريطانيين يواجهون دفع مبالغ أكبر بكثير مقابل الفاكهة والخضروات، التي يتم استيراد 40% منها من الاتحاد الأوروبي.

ولفت حزب المحافظين البريطاني الحاكم، وفق "سي أن بي سي" إلى أن المملكة المتحدة ستخرج من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، عندما تغادر البلاد الكتلة في مارس/ آذار.

والاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي هو اتفاق تجاري، يلغي الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء في الاتحاد. السوق الموحدة هو شكل أعمق من التعاون بين الدول الأعضاء، التي تسمح بحرية حركة السلع والخدمات والمال والناس في الكتلة.

وكان الاتحاد الأوروبي وضع مشروع المبادئ التوجيهية لمحادثات التجارة مع بريطانيا. وحثّ رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك على النظر في ترتيب جمركي مع المملكة المتحدة يعادل الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، ما يقلل التكلفة السنوية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى نحو 14 مليار جنيه إسترليني للاتحاد الأوروبي، و17 مليار جنيه إسترليني للمملكة المتحدة، وفق "سي أن بي سي".

تراجع اقتصادي وهروب استثماري

ووفقاً للبنك المركزي البريطاني، فإن خروج بريطانيا من دون اتفاق سيقود إلى كارثة اقتصادية حقيقية، إذ سيتقلص حجم الاقتصاد البريطاني بنسبة 9.3%، خلال الـ15 عاماً المقبلة، كما سيؤدي إلى انكماش النموّ البريطاني. 

وقال البنك في تقريره الأخير، إن معدل التضخم في البلاد سيرتفع، وربما يتجاوز 6.5%، متوقعاً أن يقود ارتفاع التضخم إلى إجبار المركزي البريطاني على رفع معدل الفائدة ربما فوق نسبة 5.5%. 

وحذّر بنك إنكلترا، في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من أن عدم التوصل إلى اتفاق حول "بريكست" سيؤدي إلى أزمة مالية في بريطانيا، وسيتسبب في خسارة الجنيه الإسترليني 25% من قيمته.

وأضاف البنك أن هذا السيناريو سيؤدي إلى انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة 8% في الربع الأول من 2019. وأن معدل البطالة سيرتفع إلى 7.5% من المستوى الحالي البالغ 4.1%، في ظل السيناريو الأسوأ، بينما ستنخفض أسعار المنازل بنسبة 30%.

في حين قال تقرير لشركة "إرنست آند يونغ" للخدمات المالية، ومقرّها لندن، إن حركة تحويلات ضخمة للموجودات المالية والموظفين إلى خارج بريطانيا تتواصل منذ استفتاء "بريكست"، ولكنها تسارعت في الآونة الأخيرة. 

وحسب التقرير، فإن موجودات تقدّر بنحو 800 مليار جنيه إسترليني (نحو تريليون دولار)، حولتها الشركات المالية ومصارف حي المال إلى خارج بريطانيا منذ استفتاء "بريكست"، وتحديداً إلى الدول الأوروبية. 

وتقدّر شركة "إرنست آند يونغ" في تقريرها، كمية الموجودات المالية التي خرجت من بريطانيا منذ استفتاء "بريكست" بنحو 10% من إجمالي موجودات مصارف حي المال البريطاني المقدرة بنحو 10 تريليونات دولار.

ومن بين 222 شركة تتابعها شركة الخدمات المالية البريطانية، لاحظت أن العديد من الشركات جمدت خطط الاستثمار بسبب المستقبل المجهول حول ما سيفضي إليه استفتاء "بريكست". 

إفلاسات وأزمات

وقالت مؤسسة مور ستيفنز للمحاسبات منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إن أكثر من ألف مطعم أفلس في بريطانيا خلال هذا العام حتى شهر سبتمبر/ أيلول، بزيادة نسبتها 24 في المئة عن الاثني عشر شهراً السابقة، مع مواجهة هذه الصناعة طاقة مفرطة في الوقت الذي تباطأ فيه إنفاق المستهلكين.

في حين أكدت دراسة للمعهد الوطني البريطاني للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أن اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) ستكلف بريطانيا 100 مليار جنيه إسترليني (128.5 مليار دولار تقريباً) سنوياً بحلول عام 2030، وخلصت الدراسة التي نشرها موقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سيتناقص بنحو 3.9 مليارات جنيه إسترليني سنوياً، وهو ما يعادل "فقدان الناتج الاقتصادي لإقليم ويلز أو مدينة لندن".

إيجابيات الخروج

قد يكون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي Brexit تداعيات إيجابية محتملة، للأشخاص الذين يأملون شراء منزل لأول مرة. يمكن لسوق الإسكان أن تتراجع إذا تعرضت المملكة المتحدة لصدمة اقتصادية، ما يعني أن أسعار المنازل ستنخفض. وهي أخبار سيئة لمالكي المنازل. 

ومن المتوقع أن ينخفض ​​الجنيه الإسترليني، في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون صفقة. وعلى الرغم من أن الشركات البريطانية الصغيرة ستخسر على الأرجح، فإن المستثمرين الذين يمتلكون حيازات في شركات أجنبية من خلال صناديق عالمية سوف يستفيدون.

تداعيات على أوروبا

ولا تتوقف تداعيات "بريكست بلا اتفاق" على بريطانيا، إذ ستتأثر ميزانيات دول الاتحاد بالبريكست، فسيكون على الدول الـ27 الباقية فيه تعويض ما كانت تدفعه بريطانيا، وستضطر ألمانيا وحدها إلى تسديد ما يصل إلى 4.2 مليارات يورو إضافية لميزانية الاتحاد بحلول عام 2020، وفق حسابات معهد بروغل للأبحاث في بروكسل.

وكانت بريطانيا تعتبر أكبر مساهم بعد ألمانيا في الاتحاد، إذ ستبلغ الفجوة المالية للاتحاد المطلوب تعويضها لخروج بريطانيا، بين إبريل/ نيسان 2019 ونهاية 2020، 16.5 مليار يورو.

كما تصدّر ألمانيا إلى الخارج 4 سيارات من أصل 5 يتم تصنيعها. وفي حال الخروج بدون اتفاق، فإن الرسوم الجمركية المحددة بـ10% ستتضاعف، ومن ثم فإن الأسعار سوف ترتفع وستفقد الشركات القدرة التنافسية، والآلاف من فرص العمل ستكون مهددة، بالإضافة إلى عرقلة حركة تسلّم وتسليم البضائع.

هذا إضافة إلى أن أكثر من 1100 شاحنة تقوم يومياً عبر الطرق البرّية، بتوريد المستلزمات الصناعية والغذائية، التي تمثل ثلث حاجات المصانع. ومن ثم، فإن خروج لندن سيضر بقطاع الصناعة والتجارة في بريطانيا. كما سيتكبد الاقتصاد الألماني رسوماً وتعريفات جمركية إضافية قد تتجاوز 3 مليارات يورو.

المساهمون