إضراب تونس... النقابات تعود للشارع ونزيف الاقتصاد يتواصل

إضراب تونس... النقابات تعود للشارع ونزيف الاقتصاد يتواصل

16 يناير 2019
تونس على موعد جديد من الاحتجاجات العمالية (ياسين جعيدي/الأناضول)
+ الخط -

اتجهت العلاقة بين الحكومة التونسية والنقابات العمالية نحو منعرج جديد، لن يتوقف عند الإضراب العام المقرر له غداً الخميس، بعد أن أعلن اتحاد الشغل نية التصعيد في قادم الأيام، ما يهدد بسقوط اقتصاد البلاد مجدّداً في شباك الاحتجاجات إلى أجل غير مسمى.

وبعد مسار مفاوضات طويل ومتعثر حول الزيادة في رواتب العاملين في القطاع الحكومي، أعلن اتحاد الشغل (النقابة الأكثر تمثيلاً للموظفين في تونس) المضي نحو تنفيذ الإضراب العام الثاني في أقل من شهرين.

وقال اتحاد الشغل إن الإضراب سيشمل مختلف الإدارات المركزية والجهوية والمحلية التابعة للوظيفة العمومية، كما سيشمل مختلف المؤسسات والمنشآت والشركات العمومية التابعة للقطاع العام، على غرار التربوية والصحية وقطاع النقل العمومي البري والبحري الجوي، إلى جانب 5 مصارف حكومية ومؤسسات الإعلام الحكومي، على أن يتم تأمين الحد الأدنى من الخدمات الحياتية وفق بلاغ أصدرته المركزية النقابية.

قرار الإضراب العام، وإن كان محطة نهائية لمسار مفاوضات فاشل، إلا أنه، حسب خبراء اقتصاد، بداية لمرحلة جديدة يسودها التوتر والارتباك في مختلف القطاعات، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مناخ سلم اجتماعي أكثر من أي وقت مضى.

واعتبر وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي محسن حسن، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "صوت الحكمة" غاب في إدارة المفاوضات بين الجانبين النقابي والحكومي، مشيرا إلى أن الإضراب العام يساوي يوم عمل ضائعا من الناتج الإجمالي المحلي.

وأضاف حسن أن خطورة الإضراب تكمن في تبعات هذا القرار على مناخ الأعمال والترقيم السيادي لتونس، حسب مؤسسات التصنيف العالمية.

كما أكد أن تردّي المناخ العام في تونس له تأثيرات كبيرة على الاستثمار بمختلف أنواعه الخاص والعام، كما تطاول تأثيراته السلبية صورة تونس لدى المنظمات المالية العالمية التي تتابع عن كثب وضعية تونس، حسب تعبيره. 


وقال الخبير الاقتصادي إن كلفة الاقتراض من الأسواق العالمية مستقبلا ستكون عالية جدا، معتبرا أن غياب السلم الاجتماعي يزيد من مخاطر الخروج إلى السوق الدولية.

وأكد حسن أن هشاشة الوضع الاقتصادي والأمني في تونس كانت تقتضي ترجيح صوت العقل وترميما تدريجيا للقدرة الشرائية للتونسيين، مع المحافظة على الحد الأدنى المطلوب من التوازنات المالية.

وتجد حكومة يوسف الشاهد صعوبات في المالية العمومية ذريعة لتجميد أجور موظفي القطاع العام، معتبرة أن العرض الذي قدمته الحكومة هو أقصى ما تسمح به الموازنة.

ونقلت وكالة تونس أفريقيا للأنباء، عن وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي، أن "الحكومة تقدمت خلال جلسة التفاوض مع الوفد النقابي حول الزيادة في أجور الوظيفة العمومية، الثلاثاء الماضي، بمقترح زيارة جديدة تتراوح بين 180 دينارا كحد أقصى لكبار الموظفين و136 دينارا لصغار الموظفين، يتم صرفها على دفعتين، تحتسب الأولى بداية من ديسمبر/كانون الأول 2019 والثانية بداية من يناير/كانون الثاني 2020، والتي ستكون في شكل اعتماد جبائي (خصم جبائي) ينسحب على الناشطين والمتقاعدين، على حد السواء".

وقال الطرابلسي إن "الاعتماد الجبائي سيكون لمدة سنة فقط، على غرار ما تم العمل به سنتي 2017 و2018، ولن يستثني أحدا"، مؤكدا أن الحكومة ليست لها أي مقترحات جديدة، وأن كل مقترح تتم دراسة تبعاته المالية ومدى قدرة الحكومة على الإيفاء به.

في المقابل، وصف الأمين العام المساعد المكلف عن التشريع والنزاعات، حفيظ حفيظ، عروض الحكومة بالضعيفة، معتبرا أن العرض المقدم لا يرتقي إلى مطالب النقابات، رغم كل ما قدمته هذه الأخيرة من تنازلات.

وأكد المسؤول النقابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الإضراب ليس هدفا، وأن اتحاد الشغل دفع إلى هذا القرار. وقال إن الأمر لن يتوقف عند الإضراب، إذ ستعقد المنظمة، السبت، هيئة إدارية تقرر خلالها خطة التحركات والاحتجاجات القادمة.


واعتبر حفيظ أن جلسة التفاوض شهدت تنازلات كبيرة من الاتحاد، غير أنها لم تقنع الحكومة، لافتاً إلى أن مقترح الحكومة تعويض الزيادة في الأجور باعتماد ضريبي (خصم ضريبي) أمر مرفوض، لأنه يحقق مكاسب لفئة على حساب أخرى، ويمنع المتقاعدين من الحصول على الزيادة في معاشاتهم، بحسب تأكيده.

وحمّل المسؤول النقابي الحكومة تبعات فشل المفاوضات قائلا: "الحكومة أصرت على دفع المفاوضات نحو الفشل".

وحسب ترتيبات الإضراب التي كشف عنها اتحاد الشغل، ستعيش تونس اليوم حالة من الشلل التام، حيث ستتوقف حركة النقل العام بكافة تفريعاته، كما ستتوقف الخدمات في كافة المرافق الحكومية، فيما تشير تقديرات خبراء إلى أن الاقتصاد المحلي سيتكبد خلال الإضراب خسائر لن يقل عن 150 مليون دينار، أي نحو 51 مليون دولار (قيمة يوم عمل من الناتج المحلي الإجمالي السنوي).

ولن يكون القطاع الخاص بمنأى عن تداعيات الإضراب، نظرا لارتباط الحركة الاقتصادية بالنقل والخدمات الإدارية، فضلا عن تأجيل كل عمليات التصدير والتزويد عبر موانئ الملاحة البحرية والجوية.

ورغم أن أسباب الإضراب العام اقتصادية واجتماعية بحتة في ظاهرها، إلا أن الاتحاد العام التونسي للشغل يعيش في قلب الأزمة السياسية التي تشهدها تونس.

وفي خطاب توجه به الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى التونسيين بمناسبة الاحتفال بذكرى الثورة، لم يخف خشيته من تكرر سيناريو يناير/كانون الثاني 1978 الذي تسبب في سقوط ضحايا بسبب أزمة بين الحكومة واتحاد الشغل اندلعت على خلفية زيادة في سعر الخبز.

وحمّل السبسي في خطابه، حكومة الشاهد، مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المعيشية، مقرا بأن الدينار التونسي "لم يعد يساوي شيئا"، وحاجة التونسيين إلى تعديل عاجل في رواتبهم وحمايتهم من موجات الغلاء أصبحت ملحّة.

وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، جمع السبسي الأحزاب الحاكمة واتحاد الشغل ومنظمة رجال الأعمال إلى طاولة حوار واحدة، داعيا إياهم إلى إيجاد مخرج للأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد ومنع تداعيات الإضراب العام، غير أن رياح المفاوضات جرت بما لم يشتهه السبسي. وتهدف حكومة الشاهد إلى خفض فاتورة أجور القطاع العام إلى 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، من حوالي 15.5% حاليا، ضمن خطط تسعى إلى الحد من الأزمة المالية الخانقة التي تواجهها البلاد.

ونفّذ الاتحاد العام للشغل إضراباً موسعاً يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي وصفه الاتحاد بأنه الإضراب الأكبر منذ عام 2013، معتبرا أن خلافه مع الحكومة يتجاوز مطالب الزيادة في رواتب 650 ألف موظف، إلى الدفاع عن حقوق دستورية للتونسيين تريد الدولة حجبها والتفريط فيها تحت ضغط صندوق النقد الدولي.

وحسب بيانات كشف عنها عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، منعم عميرة لـ"العربي الجديد" آنذاك، بلغت نسبة المشاركة العامة في الإضراب 90%، مشيرا إلى أن هذه النسبة ارتفعت في بعض المحافظات إلى 100% وشملت الوزارات والإدارات المركزية والجهوية والمحلية في كامل البلاد. وشمل الإضراب المدارس والجامعات والمستشفيات العامة إضافة إلى الوزارات، وحافظت بعض الخدمات على الحد الأدنى لتسيير العمل.

وبعد 8 سنوات من انقضاء الثورة، لا يزال التونسيون يعانون من صعوبات معيشية ونسبة بطالة عالية، التي واصلت ارتفاعها لتزيد عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 150 ألف شخص، في الفترة من 2010 إلى 2018، حسب بيانات رسمية.

وتقول أرقام معهد الإحصاء الحكومي (المصدر الرسمي للبيانات) إن عدد العاطلين عن العمل ارتفع من 491 ألفا في الربع الأخير من 2010، إلى 642 ألف عاطل في الربع الثالث من العام الماضي 2018.

حركة الطيران المدني مرشحة لاضطراب

إلى ذلك، أعلنت الخطوط التونسية (الناقل الجوي الرسمي)، عن اضطرابات متوقعة في حركة الطيران المدني، غداً الخميس، متأثرة بالإضراب العام الذي دعا له الاتحاد العام التونسي للشغل.

وجاء ذلك، في بيان للخطوط التونسية، اليوم الأربعاء، قالت فيه: "بسبب الاضطرابات التي ستشهدها حركة الطيران، تعلم الناقلة الوطنية مسافريها، بإمكانية تغيير مواعيد سفرهم المتأثر بالإضراب، مجانا وعلى مدى أسبوع".

المساهمون