ألمانيا تتحسب لتداعيات "بريكست" الاقتصادية من دون اتفاق

ألمانيا تتحسب لتداعيات "بريكست" الاقتصادية من دون اتفاق

14 يناير 2019
أوروبا وبريطانيا تواجهان مأزق بريكست من دون اتفاق (Getty)
+ الخط -

جاءت رغبة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمام طلاب المدرسة الألمانية من أثينا، في مواصلة الحملة من أجل الخروج المنتظم لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لتؤكد موقف الساسة والاقتصاديين الألمان من العواقب الاقتصادية والمالية التي ستصيب برلين، في حال الخروج من دون اتفاق.

وأشارت ميركل إلى أن ألمانيا باتت مستعدة أيضاً لحالة "عدم التوصل إلى اتفاق"، وأنه سبق للحكومة أن أصدرت العديد من القوانين للحد من عواقب إمكانية خروج غير منظم لبريطانيا، جازمة بأن بريكست لن يشكل نهاية الاتحاد الأوروبي.

وتعكس الرسائل الإعلامية للسياسيين الألمان والأوروبيين، بدءاً من المستشارة الألمانية، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، إلى الوزراء المعنيين بالملفات الاقتصادية والمالية الأوروبية واتحادات الصناعات الألمانية، تعثراً واضحاً في التوصل إلى اتفاق مع بريطانيا، والأوضاع الصعبة التي تعيشها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي خاضت مفاوضات مطولة حول مسودة الاتفاق على بريكست، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتعاني الآن أمام مجلس العموم البريطاني، في محاولة منها لانتزاع تصويت إيجابي غدا الثلاثاء، يعتمد فيه ورقة الاتفاق مع بروكسل، بعد أن تم تأجيل أول تصويت خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ويكاد يجمع خبراء العلوم السياسية والاقتصادية في ألمانيا، على أن المتأثر الأكبر من خروج لندن هو الشعب البريطاني، وسبق لرابطة الصناعة البريطانية أن حذّرت من هذا الأمر، بحسب ما أورد موقع "مركور" الألماني مؤخرا، معتبرة أن الانسحاب من دون التوصل إلى اتفاق "أمر غير مجدٍ"، لأن "التكاليف والتعريفات للشركات سوف ترتفع، كما أن العديد من الاتفاقات التجارية مع دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتركيا ستكون ضائعة، فيما ستكون العواقب عميقة وبعيدة المدى ومستدامة".





كذلك، تتحدث التقارير الاقتصادية عن تأجيل للاستثمارات ونقل للوظائف، وأن عدم تصويت البرلمان على معاهدة الانسحاب مع بروكسل سيصيب الشركات في مقتل، وهناك حديث عن أن 7 آلاف وظيفة ستخسرها لندن من مقدمي الخدمات والمحاسبين وقطاع البنوك والتأمين.

وفي حال تم الاتفاق على عقد طلاق بين لندن والاتحاد، فإن الفصل المقبل مع بريطانيا سيكون مقبولا نسبيا، أما في حال اعتمد استفتاء ثان، فإنه سيكون أكثر أهمية من الأول.

أما إذا انفجر الوضع حول اتفاق الانفصال، وعدم تمكّن تيريزا ماي من الحصول على الأغلبية في مجلس العموم البريطاني، فإن الأمور ستبقى مفتوحة على مصراعيها، حيث سيتم إلغاء المرحلة الانتقالية المتفق عليها، وسيتم فرض رسوم جمركية بعد المغادرة مباشرة. وهذا من شأنه أن يجعل الأعمال التجارية في المملكة المتحدة أكثر تكلفة وتعقيدا مع بقية دول الاتحاد الأوروبي، خاصة أنها الشريك التجاري الرئيسي للعديد من الدول، بينها ألمانيا، ناهيك عن أن الموانئ والحدود البرية الرئيسية غير مستعدة للعمل وفق حدود جمركية بين الاتحاد وبريطانيا نفسها، كخامس أكبر اقتصاد في العالم.

من جانبها، اعتبرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أنه وفي حال تأخرت الإجراءات الجمركية في ميناء دوفر البريطاني الأكثر ازدحاما في أوروبا، حيث يصل معدل حركة سفنه في أيام الذروة إلى 10 آلاف سفينة، فإن النتيجة ستكون ازدحاما مروريا بطول 27 كيلومترا في الشوارع أمام الميناء المذكور، وفق ما ذكرت إدارة المرفأ.

مع العلم، أن يونكر استبعد مزيدا من التغييرات في معاهدة خروج بريطانيا، قائلا إنه "لن تكون هناك عملية إعادة تفاوض"، وأكد في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الروماني، الأسبوع الماضي، من أن الخروج من دون اتفاق سيكون كارثة لأصدقائنا البريطانيين وللأوروبيين.

وستتأثر ميزانيات دول الاتحاد بالبريكست، حيث سيكون على الدول 27 المتبقية فيه تعويض ما كانت تدفعه بريطانيا، وستضطر ألمانيا وحدها إلى تسديد ما يصل إلى 4.2 مليارات يورو إضافية لميزانية الاتحاد بحلول عام 2020، وفق حسابات معهد بروغل للأبحاث في بروكسل، بعدما كانت بريطانيا تعتبر أكبر مساهم بعد ألمانيا في الاتحاد، حيث ستبلغ الفجوة المالية للاتحاد المطلوب تعويضها لخروج بريطانيا بين إبريل/نيسان 2019 ونهاية 2020 تبلغ 16.5 مليار يورو.

تداعيات على قطاع السيارات

تصدّر ألمانيا إلى الخارج 4 سيارات من أصل 5 يتم تصنيعها. وفي حال الخروج بدون اتفاق، فإن الرسوم الجمركية المحددة بـ10% ستتضاعف، وبالتالي فإن الأسعار سوف ترتفع وستفقد الشركات القدرة التنافسية، والآلاف من فرص العمل ستكون مهددة، بالإضافة إلى عرقلة حركة تسلّم وتسليم البضائع.

هذا إضافة إلى أن أكثر من 1100 شاحنة تقوم يوميا عبر الطرق البرية، بتوريد المستلزمات الصناعية والغذائية، والتي تمثل ثلث احتياجات المصانع. وبالتالي، فإن خروج لندن سيضر بقطاع الصناعة والتجارة في بريطانيا. كما سيتكبد الاقتصاد الألماني رسوما وتعريفات جمركية إضافية قد تتجاوز 3 مليارات يورو.

وفي السياق، حذّر تجمّع رواد رجال الأعمال في ألمانيا، الساسة البريطانيين، من بريكست بدون اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. واعتبر رئيس الجمعية الاتحادية للصناعة الألمانية، ديتر كيمبف، أن الوضع مأساوي، خاصة أنه من المرجح أن تكون هزيمة لرئيسة الوزراء تيريزا ماي عند تصويت مجلس العموم البريطاني على معاهدة خروج بريطانيا من الاتحاد، رغم أن موعد الانسحاب محدد يوم 29 مارس/آذار 2019، وتمديد الموعد يعتبر غير مرجح للغاية.





وقال كيمبف، وفق ما ذكرت صحيفة "راينشه بوست" الخميس الماضي، إن الأمر يتعلق بقرارات أساسية لمستقبل البلد والأجيال القادمة. كل تكتيك أو تأخير هو خطر حريق، ومن دون اتفاقات لا توجد مرحلة انتقالية، وهو ما تحتاجه شركاتنا على وجه السرعة. ولفت إلى أنه في حالة المغادرة غير المنتظمة، فإن خسارة أكثر من 100 مليار يورو من حجم التجارة الخارجية الألمانية ستكون مهددة.

بدوره، أبدى رئيس غرف التجارة والصناعة في ألمانيا، إريك شفايتزر، انزعاجه من هزيمة وشيكة لماي عند التصويت على المعاهدة في البرلمان البريطاني، معتبراً أن التصويت الإيجابي هو فرصة للمملكة المتحدة لتجنّب عواقب وخيمة.

وأشار إلى أن الخروج غير المنظم سيكون له تأثير سلبي جوهري على التجارة بين ألمانيا وخامس أهم شريك تجاري، لأن الشركات الألمانية ستكون بحاجة إلى دفع عشرات ملايين إضافية كرسوم جمركية، متسائلا عما إذا كان لدى الجانب البريطاني ما يكفي من موظفي الجمارك للتوصل إلى تسوية، أو أي مرافق لتخزين الأجزاء والمنتجات المطلوبة بشكل عاجل.

ووفق حسابات جمعية التسويق والتجارة الخارجية الألمانية، فإن ألمانيا تصدّر لبريطانيا بما قيمته 84 مليار يورو سنويا، بينما تستورد منها بحوالي 41 مليار يورو. وهناك ما مجموعه 2222 شركة ألمانية توظف حوالي 412 ألف شخص في بريطانيا، وتبلغ قيمة استثمارات الشركات الألمانية في المملكة المتحدة حوالي 120 مليار يورو.

المساهمون