أسرار وخبايا الحرب التجارية بين أميركا والصين

أسرار وخبايا الحرب التجارية بين أميركا والصين

06 اغسطس 2018
العجز التجاري الأميركي مع الصين بلغ 375.2 مليار دولار(Getty)
+ الخط -


لطالما عبَّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب حتى قبل توليه الرئاسة عن استيائه الكبير من غلق الصين لأبوابها في وجه المستثمرين كأصدقائه مثلا الراغبين بالاستثمار هناك، وسرعان ما تحوّلت تلك المناوشات إلى حرب تجارية شاملة مع الصين التي يعتقد ترامب أنها تستفيد من أميركا أكثر مما تستفيد الأخيرة من الصين.

ولا يتردَّد ترامب في مهاجمة حلفائه وجيرانه الودودين وكذا الصين لأنه يعتبرهم ببساطة الطُفَيليّات التي تقتات على بلاده التي بدورها خسرت 500 مليار دولار العام الماضي في تجارتها مع الصين.

طبعا، هذا الرقم مبالغ فيه، فقد قدَّر مكتب التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة الأميركية العجز التجاري مع الصين بـ 375.2 مليار دولار في 2017 في تقريره الصادر في 6 فبراير/ شباط 2018، لكن الحقيقة هي أن أميركا تخسر مع دول أخرى تتعامل معها تجارياً.

وإذا كان الأمر حقاً يتعلَّق بالعجز التجاري، فلماذا لم تُحرِّك أميركا ساكناً حيال ذلك حتى 6 يوليو عندما فرضت ضريبة 25 % على الواردات الصينية؟ وماذا عن شعارات حرية السوق واليقين والاستقرار التي ضربها ترامب عرض الحائط بحربه الحمائية هذه؟ أم هناك قصّة أخرى ودوافع خفيّة لا يخبرنا بها ترامب؟

أوَّلا تلك الحرب التجارية ليست إلا تكتيكاً لإجبار الصين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولِمَ لا ما دام مشكلة كوريا الشمالية لم تُحلّ بعد، وثانيا لقد تحمَّلت أميركا الخلل في الميزان التجاري لفترة طويلة نظرا لهيمنتها على التكنولوجيا ظنّاً منها أن الصين التي تتطلَّع حالياً إلى الهيمنة التكنولوجية ستستمرّ بتصدير الدُمى والأقلام والملابس إلى الولايات المتحدة.

ملف كوريا الشمالية

يمكن للمتابع للأحداث أن يربط بين قمة ترامب وكيم جونغ أون التاريخية التي عُقدت في 12 يونيو 2018 بسنغافورة وبين الحرب التجارية التي اندلعت في 6 يوليو 2018، فقد طالبت أميركا كوريا الشمالية بنزع السلاح النووي مقابل أن تضمن أمنها في المنطقة وتتخلَّى عن التدريبات العسكرية في كوريا الجنوبية، وتقبع خلف ادعاءات ترامب بحلّ قضية كوريا التي لم تعد تشكل تهديدًا نووياً حسب رأيه حقيقة أنّ كيم يسعى إلى مزيد من الخيارات والنفوذ ويحاول تأجيل نزع السلاح النووي ولا يوجد أي دليل ملموس على أنّ كوريا بدأت بتدمير مواقع إطلاق الصواريخ وتفكيك برنامجها النووي.

ونتيجة لذلك الفشل ألقى ترامب اللوم على الصين وصعد الحرب التجارية معها نظرا للدور المحوري الذي تلعبه في ذلك الاتفاق النووي ونفوذها في شبه الجزيرة الكورية.

وتعتبر الصين الشريان الاقتصادي لكوريا الشمالية فقد ساعدتها على الصمود في وجه عقوبات الأمم المتحدة التي تشُلّ اقتصادها، كما تمثل الصين أكثر من 90 % من إجمالي التجارة الخارجية لكوريا الشمالية وهذا ما منح الأخيرة رخصة التصرُّف بشكل أكثر جرأة في تلك القمة، كما تخشى الصين أن يؤدّي نزع السلاح النووي لكوريا إلى تعزيز قوة ونفوذ أميركا في المنطقة وقيامها بتهديد الحدود الصينية، كما تخشى أيضا من انهيار كوريا الذي سيؤدي لا محالة إلى تدفق اللاجئين عبر حدودها.

وطبعا ينبع يقين ترامب بالفوز السهل في الحرب التجارية والقدرة على حلّ أي نزاع لصالحه من وجود أقوى جيش في العالم تحت تصرُّفه، ومن جهة أخرى ترغب واشنطن بتحقيق هدف مزدوج متمثل في نزع السلاح النووي لكوريا وإشعال حرب تجارية مع الصين التي بدورها لن تسمح بحدوث الاثنين معاً، فبمجرّد سماع أميركا بزيارة كيم إلى الصين قامت بجولة أخرى من التعريفات العقابية كتهديد للصين التي ستواصل صمودها في هذه الحرب ولن تسمح بالامتثال للمطالب الأميركية بشأن سياسة كوريا الشمالية.

الهيمنة التكنولوجية

الحرب التجارية مجرد ذريعة لتقييد الصين من التسلُّق إلى أعلى سلم التكنولوجيا واستهداف وإحباط خطة "صنع في الصين عام 2025 " التي تهدف من خلالها الصين إلى تضييق فجوة الدخل بينها وبين الدول المتقدمة وإعادة هيكلة اقتصادها للتركيز على التصنيع عالي التقنية والذكاء الاصطناعي وغلق الفجوة التكنولوجية مع الدول المتقدّمة لاسيَّما الولايات المتحدة، حيث يعتبر البيت الأبيض البرنامج تهديداً للأمن القومي الأميركي.

كما اتهم ترامب الصين بالتَّعدِّي على حقوق الملكية الفكرية للشركات الأميركية من خلال إجبارها على تسليم تكنولوجياتها عالية التقنية ومشاركة أسرارها في مشاريعها المشتركة مع الأطراف الصينية.

لهذا تخوَّفَ ترامب من خسارة أميركا لميزتها التنافسية لأنّه يرغب باستمرار الهيمنة الأميركية على التكنولوجيا خاصة وأنّ صناعات المستقبل لها أثار عسكرية عميقة وما هو على المحكّ ليس مجرد الرخاء الاقتصادي ولكن أيضا الهيمنة على العالم. 

على العكس تماماً، فإن تصرُّفات ترامب لن تؤدي إلا إلى رفع عزيمة الصين على تعزيز الابتكار وتحقيق التفوُّق التكنولوجي والمُضِيّ قُدُماً في الإصلاحات، حيث تدرك الصين تماماً ضرورة عدم استمرار اعتمادها على الآخرين لاسيَّما الولايات المتحدة المعادية لها.

السيناريوهات المحتملة

من السهل جداً اكتشاف النوايا الخفيّة للحرب التجارية التي شنَّها ترامب والذي بدوره يمكن أن يعلن ربما بعد اجتماع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ أن الحرب التي خلقها انتهت مع بعض التعديلات الطَّفيفة على التعريفات هنا وهناك والإعلان عن خطوات لفتح السوق التي كانت الصين قد خطَّطت بالفعل للإعلان عنها، فهناك احتمال كبير بأن يجبر رد الفعل الأميركي الداخلي ترامب على التراجع.

لقد اختلف العالم كثيرا عما كان عليه في السابق، وعلى أميركا التَّكيُّف مع المعطيات الجديدة بدلاً من إطلاق حروب تضرُّها أولا قبل أن تضر أعداءها، فهذه الحرب ببساطة تعتبر وصفة بديلة للركود الأميركي لاسيَّما عندما ترتفع الأسعار بينما الأجور لن تفعل ذلك طبعا وتختفي الوظائف بسبب الإجراءات الانتقامية التي تتَّخذها الصين وتعاني الشركات الأميركية العاملة في الصين ويبور إنتاج المزارعين خاصة فول الصويا.

وكل هذا لا يصبّ في مصلحة المستهلكين الأميركيين لاسيَّما من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، والذين لن يشكروا ترامب على هذه الحرب، فكم منهم على استعداد لشدّ أحزمتهم، وإلى متى؟

وفي هذه الأثناء، ستفعل الصين ما بوسعها لتحسين وضعها الاقتصادي بشكل أسرع بكثير مما كان سيحدث لولا تلك الحرب التي ستمكِّنها من تحسين وضعها السياسي بشكل ملحوظ كإزالة عقوباتها على دول مثل إيران وكوريا الشمالية، الأمر الذي سيفتح لها أسواقاً من شأنها أن تعوِّض عن خسارتها للأسواق الأميركية.

كما أنّ الصين كانت دائما تترقَّب مثل هذا التصرُّف العدوانيّ الأميركي، لذلك بدأت مسبقا "بمبادرة الحزام والطريق" كتحوُّط جيّد ضدّ السعي الأميركي لعزل الاقتصاد الصيني. وسوف تسارع الصين إلى إقناع الدول التي تتعامل معها باستخدام اليوان أوالرنمينبي ووقف التداول بالدولار.

علاوة على ذلك تتمتّع الصين بمزيد من السيطرة على اقتصادها لأنها تنبَّأت بحدوث مثل هذه الحرب، لذلك فهي تعمل جاهدة على الانتقال إلى نموذج نمو يستند إلى الطلب المحلي بدلاً من النموذج السابق الذي يعتمد على الاستثمار والتصدير، حيث تشكل الصادرات الآن أقلّ من 20% من إجمالي الناتج المحلي الصيني، مقارنة بنحو 36% قبل عقد من الزمن.

وهكذا فإنّ أميركا ومن خلال حربها المُتهوِّرة تساعد ببساطة الصين على القيام بما كانت تحاول فعله من قبل. وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على أنّ الصين لن تستجيب بسرعة للمطالب الأميركية بشأن التجارة. وهكذا سيجد ترامب أنّه ضرب البلد الخطأ لأن قادة الصين هم أكثر ذكاءً وحنكة.

المساهمون