تركيا تواجه العقوبات باستخدام الليرة في تجارتها الخارجية

تركيا تواجه العقوبات باستخدام الليرة في تجارتها الخارجية لكبح سطوة الدولار

21 اغسطس 2018
تركيا تسعى لإنعاش أسواقها وإنقاذ عملتها (Getty)
+ الخط -
ظهرت في الأفق، في الآونة الأخيرة، تحالفات من عدة دول اتجهت نحو إتمام معاملاتها التجارية البينية بالعملات المحلية، الأمر الذي فسره محللو اقتصاد بأنه سيخفف من سطوة الدولار ويقلّص من تأثيرات العقوبات الأميركية التي طاولت تركيا مؤخراً، كما سيدعم عملتها التي تعاني من تراجع حاد في أسعارها مقابل العملات الأجنبية الأخرى.

وكانت أحدث خطوة اتخذتها أنقرة نحو التعامل التجاري بالعملات المحلية، ما أعلنه البنك المركزي التركي عن اتفاق مبادلة العملات بين المصرفين المركزيين التركي والقطري، سيكون له سقف إجمالي يبلغ 3 مليارات دولار.

وقال البنك المركزي إن الهدف الأساسي من الاتفاق هو تسهيل التجارة الثنائية بالعملتين المحليتين ودعم الاستقرار المالي.

ووقّع البنكان المركزيان لقطر وتركيا اتفاقية مبادلة العملات (Swap Agreement)، يوم الجمعة الماضي، بهدف تعزيز وتطوير التعاون الثنائي بينهما، من خلال إنشاء خط ثنائي الاتجاه لمبادلة العملة، وذلك بعد أيام من تعهّد الحليف الخليجي لتركيا بتقديم دعم قيمته 15 مليار دولار من الاستثمارات، التي ستضخ في العديد من المجالات.

وكانت هناك 3 دول أخرى أعربت عن استعدادها لتبادل معاملاتها التجارية مع تركيا بالعملات المحلية، وهي روسيا والصين وإيران، والملاحظ أن هذه الدول الثلاث تعاني من عقوبات اقتصادية أميركية، وتسعى إلى الحد من تخفيف تداعياتها على قطاعاتها الإنتاجية المختلفة.

وفي هذا الإطار، يقول أستاذ العلوم المصرفية في المركز الكندي في إسطنبول، فراس شعبو، لـ"العربي الجديد"، إن خطوة التبادل التجاري بالعملات المحلية ستكون لها فائدة مزدوجة، الأولى أنها تخفف الطلب على الدولار في السوق التركية، ما يعني مزيداً من توازن العرض النقدي بين الليرة والعملات الرئيسية، والثانية تؤسس لتكتل تجاري يهرب من احتكار الدولار بالمبادلات التجارية. 

وأضاف شعبو أن هناك بعض الصعوبات التي تواجه هذه الخطوة، أبرزها أن العديد من الدول التي تسعى تركيا إلى التبادل التجاري معها بالعملات المحلية، تعاني من أزمات اقتصادية، وتتعرض لعقوبات اقتصادية أميركية، خاصة روسيا وإيران، ولكن بعد دخول قطر باستثمارات مباشرة تصل إلى نحو 15 مليار دولار هذا العام، وتوقيع قطر مع تركيا اتفاقا سيفضي إلى التعامل بالعملات المحلية، يمكن أن تتوازن الليرة، بل وقد يرتفع سعرها.

وأشار إلى أن تركيا تستورد الغاز من قطر وروسيا بكميات هائلة يمكن أن تكون عبر الليرة، وسيساعد ذلك على تقليص عجز الميزان التجاري التركي الخاسر نحو 77 مليار دولار، العام الماضي.

ويختم شعبو حديثه قائلاً: كما أن تركيا أمام كنز عملات أجنبية هذا العام، فمن المتوقع أن تزيد عائدات السياحة في 2018 عن 40 مليار دولار، بعد زيادة نسبة الإقبال السياحي عن العام الماضي، خلال النصف الأول من هذا العام، بنحو 31%.

وتتواصل الضغوط على الاقتصاد التركي من جانب الإدارة الأميركية، التي هدّدت بمزيد من الإجراءات الاقتصادية ضد أنقرة. وفي المقابل، أعلنت تركيا عن مواجهة هذه الضغوط واتخاذ إجراءات مضادة لإنقاذ عملتها.

ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الإثنين، أزمة العملة التي شهدتها البلاد، في الآونة الأخيرة، بأنها هجوم على اقتصاد تركيا لا يختلف عن الهجوم على العلم أو الأذان، متبنيا لهجة تحد في كلمته عشية عيد الأضحى. وفي خطاب مسجل للشعب التركي، أضاف أن بلاده لديها القوة والقدرة على تجاوز الأزمة.

وتركيا لا تواجه مخاطر العقوبات الأميركية وحدها، بل طاولت قرارات الرئيس دونالد ترامب إيران وروسيا والصين، ما دفع هذه الدول المتضررة اقتصادياً من سياسات إدارة البيت الأبيض إلى محاولة الحد من سطوة الدولار.

بدوره، يقول الاقتصادي التركي خليل أوزون، لـ"العربي الجديد"، سنرى واقعاً اقتصادياً جديداً إن بدأت المبادلات التجارية بالعملات المحلية، فحلفاء تركيا هم من يصدّر لها النفط والغاز، مثل إيران وقطر وروسيا، فإن تم اعتماد الليرة بتلك المبادلات، ستشهد الليرة انتعاشاَ سريعا. وتبقى، برأي أوزون، خطوة التبادل بالعملات المحلية مرهونة بمدى جدية شركاء تركيا ومدى إعاقتها من واشنطن.

ويضيف: لم تزل أمام تركيا خيارات كثيرة لمواجهة الإجراءات الأميركية، ومنها اللجوء إلى الحلفاء لضخ رؤوس الأموال في البلاد، مشيراً إلى وعود من أوروبا والصين وروسيا وبعض دول الخليج العربي لتمويل مشروعات واستثمارات في البلاد ستساهم في دعم الليرة.

ويتابع أوزون، إن قطر حليف لتركيا، وهي ردت المعروف بأحسن منه، فوقوف تركيا إلى جانب الدوحة خلال حصارها العام الماضي، نرى مثيله من قطر اليوم، عبر زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وإعلان استثمارات مباشرة في قطاعات الطاقة والزراعة، وأعتقد أنه ستأتي أموال قطرية أخرى لتستثمر في العقارات وقطاع المصارف.

وأنجزت تركيا، في 30 من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2016، اتفاقا لمبادلة العملة مع الصين بقيمة 450 مليون ليرة تركية (نحو 132 مليون دولار).

وكانت تركيا قد بدأت بالتعامل بالعملة المحلية مع روسيا منذ عام 2015 بشكل رسمي، لكنها بدأت قبل ذاك بالتعامل التجاري مع إيران، خلال العقوبات الأميركية والأوروبية على طهران، بالعملة المحلية، وإن بشكل غير رسمي.

ويرى مراقبون أن اعتماد العملات المحلية بدل الدولار، التي تقودها تركيا وإيران وروسيا والصين، سيكون تأثيره مشابهاً لأحجار الدومينو، حيث يسرع ذلك وتيرة إنشاء نظام تجاري واقتصادي جديد في العالم.

وكانت هناك تجارب أخرى للتعامل بالعملات المحلية، ومنها دول "بريكس" التي تضم البرازيل، روسيا، الصين، الهند وجنوب أفريقيا، بالإضافة إلى تجربة الصين ودول في أميركا الجنوبية.

وبحسب معهد الإحصاء التركي، بلغ حجم التجارة الخارجية لتركيا عام 2017 مبلغ 390.8 مليار دولار، إذ بلغت قيمة الصادرات 157 مليار دولار عام 2017، بنسبة زيادة قدرها 10.1% عن عام 2016، وبلغت قيمة الواردات 233.8 مليار دولار، بنسبة زيادة قدرها 17.7% عن عام 2016، بينما بلغ العجز التجاري 76.8 مليار دولار.

ووفقاً للإحصاءات الرسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والصين 26.31 مليار دولار عام 2017، وجاءت الصين في المركز الأول من حيث حجم الواردات، التي بلغت 23.37 مليار دولار عام 2017، تمثل 10% من إجمالي واردات تركيا، وبنسبة انخفاض بلغت 8.1% عن عام 2016، بينما بلغت قيمة الصادرات التركية إلى الصين 2.94 مليار دولار عام 2017.

وبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا 22.24 مليار دولار عام 2017، وجاءت روسيا في المركز الثالث من حيث حجم الواردات، التي بلغت 19.51 مليار دولار عام 2017، تمثل 8.3% من إجمالي واردات تركيا، وبنسبة زيادة بلغت 28.7% عن عام 2016، بينما بلغت قيمة الصادرات التركية إلى روسيا 2.73 مليار دولار عام 2017، لتأتي في المركز السابع عشر من حيث حجم الصادرات.

المساهمون