النفط وهاجس المخاوف الجيوسياسية

النفط وهاجس المخاوف الجيوسياسية

14 اغسطس 2018
إنتاج النفط الإيراني على المحك (فرانس برس)
+ الخط -
تجاوز حجم الاستهلاك العالمي للنفط  حجم الإنتاج منه ابتداءً من 2017 نتيجة لتخفيضات الإنتاج التي تقودها أوبك وارتفاع الطلب على النفط في أميركا الشمالية وآسيا لاسيَّما الصين والهند، فقد بلغ الاستهلاك 99.52 مليون برميل يومياً والإنتاج 98.71 مليون برميل يومياً في الربع الأول من عام 2018 حسب بيانات  إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وصول أسعار النفط للمستويات المرتفعة التي لم تشهدها أسواق  النفط العالمية منذ أواخر سنة 2014 كان أيضا نتيجة لتبادل كل من إيران وإسرائيل الضربات العسكرية في سورية، ولا يُظهِر الطلب على النفط أي تباطؤ حقيقي، وإذا استمرَّ تخفيض الإنتاج بسبب المخاطر الجيوسياسية ستتجه أسعار  الذهب الأسود حتماً نحو الصعود الجنوني.

فبمجرد ظهور بوادر ارتفاع قياسي لأسعار النفط ستتجه الحفارات للتنقيب عن النفط الصخري في الولايات المتحدة.

ومع التطوير الجاري لخطوط الأنابيب سيتمكَّن الإنتاج الأميركي من التعويض عن النقص المحتمل في إنتاج النفط لكل من فنزويلا وإيران بحلول نهاية عام 2019، وهذا ما يعتبر بشرى سيئة للاقتصادات التي تعتمد بشكل كبير على مداخيل النفط كالسعودية وروسيا.

تعتمد استمراريّة برامج الدعم الاجتماعية في السعودية على سعر مرجعي للنفط في الميزانية يفوق أو يعادل 84 دولارا للبرميل، كما تستند الخطط الاقتصادية الروسية إلى سعر مرجعي للميزانية يقدر بـ 40 دولارا للبرميل، بينما في الواقع يمكن أن يتعدَّى السعر الذي تحتاجه الميزانية الروسية 50 دولارا للبرميل.

ورغبة في رفع سعر النفط تحوَّلت روسيا من المنافس اللَّدُود لأوبك إلى حليف وثيق تدخَّل في صفقة خفض إنتاج النفط بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً، وبهذا فقد دخلت العلاقات السعودية الروسية مرحلة جديدة من التعاون لا سيَّما في الميدان العسكري، وهذا التعاون سيحافظ طبعا على توازن معين لعدم رغبة السعودية في إثارة غضب الولايات المتحدة، لكن روسيا ستتدخَّل مجدداً لرفع إنتاجها من النفط إذا تجاوزت الأسعار الحد المطلوب خوفا من انخفاض الطلب على النفط مجدداً وتسريع وتيرة الاستثمار في الطاقات البديلة.

تستمرّ التَّوتُّرات الجيوسياسية في المنطقة كمواجهة السعودية مع إيران وحصار قطر والعلاقات السعودية الروسية الجديدة بالتأثير على قرارات أوبك، حيث تزيد المخاطر الجيوسياسية المحتملة لاسيَّما في المنطقة العربية من عدم اليقين.

ونتيجة لذلك يرتفع سعر النفط بغض النظر عن ديناميكيات العرض والطلب، وبالتالي فان إعادة فرض العقوبات على إيران والصعوبات التي تواجهها دول الخليج، لاسيَّما السعودية أثناء تمرير نفطها من مضيق هرمز وصولا إلى مضيق باب المندب حيث تتعرَّض ناقلاتها النفطية لهجمات الحوثيين، ستؤثر حتما على سعر النفط في المدى القصير إلى غاية الوقت الذي يرتفع فيه إنتاج الولايات المتحدة من النفط وتتحسَّن شبكة أنابيبها الناقلة للنفط.

ومن جهة أخرى تعاني إيران من خطر مزدوج متمثل في اضطرابات داخلية وتهديدات خارجية، الأمر الذي يضع قدرتها على الإنتاج والتصدير على المحكّ، ومؤخرا هدَّدت السلطات الإيرانية بغلق مضيق هرمز (يمُرّ عبره 40 % من الإنتاج العالمي من النفط) الواقع تحت سيطرتها وتلغيمه لإعاقة صادرات النفط الخليجية، وذلك إذا ما واجهت عقوبات أميركية تعيق تصدير نفطها، فلن تسمح الحكومة الإيرانية للدول الخليجية لاسيَّما السعودية بتصدير نفطها عبر مضيق هرمز بينما تُحرم هي من ذلك. وأي مواجهة مع إيران ستجُرّ بالولايات المتحدة مجدداً إلى المنطقة.

لكن يجب الإشارة إلى أنّ فرض العقوبات على إيران يفتقد هذه المرّة للقبول الجماعي، فقد عارضت الصين وروسيا انتهاك الولايات المتحدة للاتفاق النووي، كما أعربت السلطات الهندية سابقا عن نيَّتها بالاستمرار في شراء النفط الإيراني، إضافة إلى أنّ الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وألمانيا ليست مستعدة لتأييد فرض عقوبات جديدة على إيران ومعاداتها لأنّ اغلبها سيتضرَّر من ذلك نتيجة للاستثمارات الأوروبية الكبيرة التي تَمّ إنجازها في إيران بعد رفع العقوبات عليها في 2015، ومن المُتوقَّع أن تُخلِّف تلك العقوبات خسارة قد تصل إلى مليون برميل من النفط الإيراني يومياً وتؤدي إلى ارتفاع سعر النفط بمقدار قد يصل إلى 10 دولارات.

وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية الكبرى جعل الحكومة الإيرانية على يقين بأنّ التفاوض مع تلك القوة العظمى يُعدّ من قبيل العبث ولن يوصل إلى نتيجة. وقد طلب الرئيس الأميركي ترامب من السعودية رفع إنتاجها حتى لا يتضرَّر العرض العالمي من النفط من النقص الذي سيسبِّبه فرض العقوبات على إيران ونقص الإنتاج في فنزويلا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستتمكَّن السعودية فعلاً من إبقاء صنابير النفط مفتوحة لمدّة طويلة؟

هناك أيضا حرب إيرانية سعودية في اليمن، حيث يشكِّل الحوثيون المتحالفون مع إيران تهديدا، ليس فقط للتحالف بقيادة السعودية في اليمن، ولكن أيضا لمنشآت نفط أرامكوالسعودية والعاصمة الرياض وكذا ناقلات النفط السعودية التي تمرّ يومياً عبر مضيق باب المندب والتي تعرَّضت مُؤخَّرًا هناك لهجمات من الحوثيين.

هنا يجب التذكير بأنّه من المفروض أنّ الوجود العسكري للولايات المتحدة في الخليج يهدف لمنع حدوث مثل هذه الهجمات وحماية الإمدادات النفطية.

وهناك أيضا الصراع العراقي الكردي على النفط، وكذا تدهور الإنتاج الليبي للنفط بسبب الفصائل المسلحة المتناحرة والمُتَعطِّشة للسيطرة في ليبيا، لذلك ليس من المستغرب أن يكون الشرق الأوسط موطنًا للعديد من المخاطر الجيوسياسية التي تسبِّب مشاكل إمدادات النفط.

وفي ظل التَّوتُّرات الجيوسياسية التي تُخيِّم على المنطقة فإنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التَنبُّؤ بظروف السوق النفطية في المستقبل، وإذا تأجَّجَ الصراع الجيوسياسي بين السعودية وإيران فحتما ستتضرَّر الصين والهند واليابان باعتبار تلك الدول المستهلكة الرئيسية للنفط الإيراني والسعودي والعراقي.

وحتما ستتدخَّل تلك الدول الآسيوية آنذاك لحلّ القضايا الجيوسياسية في منطقتي شرق الأوسط والخليج، وسيكون تدخّلها مجدياً أيضا في التَوصُّل إلى حلّ ملف الاتفاق النووي الإيراني. ولكن في نهاية المطاف يمكن القول بأنّ تَرَقُّب السيناريوهات الجيوسياسية المحتملة يشكِّل الخوف الذي يُعَدّ بدوره أكبر مخاوف الأسواق العالمية للنفط.

دلالات

المساهمون