الليرة التركية في مواجهة "القصف"... المال السياسي يواصل هجومه

الليرة في مواجهة "القصف"...المال السياسي يواصل هجومه ومخاطر من الديون والعجز التجاري

13 اغسطس 2018
الليرة تهاوت إلى 7.24 للدولار صباح اليوم الإثنين (Getty)
+ الخط -

يترقب الأتراك والعالم اتجاهات الليرة التركية مقابل الدولار، بعلى وقع الهزّات التي تتعرّض لها، حيث تهاوت لأول مرة إلى نحو 6 ليرات للدولار الجمعة الماضية، قبل أن تسجل مستوى قياسيا منخفضا عند 7.24 ليرات مقابل الدولار في التعاملات المبكرة صباح اليوم الإثنين.

وعلى رغم وجود أسباب اقتصادية وراء تراجع سعر الليرة، إلا أن المال السياسي لعب دوراً في تهاوي العملة التركية خلال فترة وجيزة عبر استهداف أميركي- إماراتي لها من خلال العديد من الآليات وأبرزها التلاعب في البورصة وأسواق العملات والتضييق على الصادرات أحد أبرز مصادر دخل النقد الأجنبي لتركيا.

وجاءت المواجهة التركية لإنقاذ العملة على مستويين الأول عبر حشد الدولة لكل مؤسساتها لمواجهة المضاربين والمتلاعبين بعملتها واتخاذ تدابير اقتصادية لوقف تراجع الليرة، والمستوى الثاني عبر مبادرات شعبية لإنقاذ العملة المحلية.
صواريخ ترامب

وكان أردوغان قد نفى مواجهة بلاده أزمة تتعلق بالعملة ونسب تراجع الليرة إلى تذبذبات في سعر الصرف لا علاقة لها بالعناصر الأساسية للاقتصاد. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أول من أمس، إن الذين تآمروا على تركيا في الانقلاب الفاشل في يوليو/ تموز 2016 يحاولون الآن استهداف البلاد اقتصاديا وتعهد بالتصدي لذلك. ولم يذكر أي دولة بالاسم.

وجاءت تصريحات أردوغان بعد أن ضاعف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على واردات المعادن التركية، وهو الأمر الذي يؤثر سلباً على الصادرات التركية ودخلها من العملات الصعبة وعلى رأسها الدولار واليورو.

ووصف أردوغان تراجع الليرة التركية إلى مستوى قياسي بأنه "صواريخ" حرب اقتصادية تتعرض لها تركيا.

وقال: "الدولة لا تتعرض للانهيار أو الدمار أو الإفلاس أو أي أزمة"، مضيفا أن السبيل للخروج من مؤامرة العملة هو تعزيز الإنتاج وخفض سعر الفائدة.

ودخل الاقتصاد التركي ضمن أقوى 20 اقتصادا في العالم، ويتطلع لبلوغ الاقتصاد العاشر عالميا في العام 2023 الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، حسب المسؤولين الأتراك.
أسباب اقتصادية

وفي حين يرى اقتصاديون ومراقبون أتراك أن ما تتعرض له الليرة التركية، وخاصة خلال الأيام الأخيرة، يعود لأسباب سياسية بحتة، يرى آخرون أن الأسباب الاقتصادية حاضرة بقوة ولاسيما فيما يتعلق بنسبة الديون الخارجية للناتج المحلي، أو الخلل الذي يعانيه الميزان التجاري التركي، الذي لم يصل إلى نسبة التعادل، بل ويعاني من العجز، رغم اقتراب الصادرات من 160 مليار دولار.

وبحسب مراقبين، فإن الضغوط الخارجية لم تكن تؤثر سلباً بهذه الدرجة على العملة دون مشاكل داخلية في الاقتصاد والسياسات المالية القابلة للتأثر.

ويستدل مراقبون ببعض الثغرات بالاقتصاد التركي، ففي حين يتم التركيز على الصادرات، يتم تجاهل الواردات، ففي النصف الأول من العام الجاري، ارتفعت الواردات التركية 13.5% محققة 122.9 مليار دولار مقابل ارتفاع الصادرات 6.3% محققة مبلغ 82.2 مليار دولار، ما يعني أن عجز الميزان التجاري بلغ 40.7% وبارتفاع بلغت نسبته 31.6%.

في هذا السياق، يقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" إن الأسباب الاقتصادية حاضرة في تراجع العملة في ظل الصعوبات التي تعرضت لها البلاد خلال الفترة الماضية، والذي أدى إلى تخفيض تصنيف تركيا.

وكانت كالة "فيتش" للتصنيف الائتماني العالمية، خفضت تصنيف تركيا الائتماني الشهر الماضي محذرة من تدهور الأداء في القطاع المصرفي التركي، وأشارت إلى أن النظرة السلبية للمصارف التركية تعكس مخاطر متعددة في القطاع. وأضافت الوكالة أن انخفاض قيمة العملة التركية وارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ النمو الاقتصادي، تشكل مخاطرة كبيرة على جودة أصول المصارف وأدائها وسيولتها.
المال السياسي

وإلى جانب الأسباب الاقتصادية حضرت الأسباب السياسية التي كان لها دور في انخفاض العملة، حسب المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو الذي قال إن تركيا تتعرض بعد فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية قبل شهرين، لاستهداف مباشر وغير مباشر، من الولايات المتحدة بشكل خاص، والهدف هو إخضاع تركيا للسياسات الخارجية، بعد إضعاف اقتصادها وعملتها، لتمد يدها من جديد لصندوق النقد الدولي وتدخل في حلقة إملاءات المانحين والمقرضين.

ويضيف المحلل التركي: "لم يتوقف السعي طوال الفترة الماضية لوضع تركيا في بيت الطاعة لتتنازل عن مواقفها السياسية، والسبب أن الاقتصاد التركي يسعى للاتجاه نحو قائمة الاقتصادات العشرة الكبرى بالعالم في 2023، ولهذا نرى العبث والضغوط تزداد على الاقتصاد التركي".

ويؤكد أوغلو أن اقتصاد بلاده يعيش قفزات متسارعة على صعيد النمو والتصدير والسياحة، ولكن الحرب السياسية معلنة بغلاف اقتصادي، ونراها اليوم من خلال العقوبات الأميركية ورفع نسبة الرسوم على بعض الصادرات.

ويتساءل المحلل التركي أوزجان أويصال، في حديثه لـ"العربي الجديد" عن أسباب طرح أميركا قضية القس أندرو روبنسون الآن، على رغم أنه سجن لنحو عامين ومنذ فترة أفرجت تركيا عنه وهو تحت الإقامة الجبرية نتيجة تعاونه مع "الإرهابيين".

ويؤكد المحلل التركي أن تركيا لا تتعرض للإفلاس أو العجز عن سداد ديون أو هروب مستثمرين، وبالتالي لا توجد أسباب منطقية لتهاوي سعر الليرة بهذا الشكل.

وحول نقاط القوة بالاقتصاد التركي، يقول أويصال: لقد ارتفعت الصادرات في النصف الأول من 2018، بنسبة 6.3%، مقارنة مع الفترة نفسها من 2017 وبلغت قيمتها أكثر من 82 مليار دولار.

كما زادت عائدات السياحة خلال النصف الأول من هذا بنسبة 31% ووصلت لنحو 12 مليار دولار، بعد زيارة أكثر من 16 مليون سائح وهم كنسبة، بزيادة 30.4% مقارنة مع العام الماضي. وتكشف التقارير الرسمية عن تحقيق تركيا نسبة نمو زادت عن 7% العام الماضي.
الدور الإماراتي

وبحسب مراقبين، لم تكن الإمارات بعيدة عن الحدث إذ يقول المحلل التركي جيواد غوك لـ"العربي الجديد" إن "آثار المال السياسي بتركيا ومحاولات إضعاف الاقتصاد وإعاقة نموه، موجودة ونلمسها بتركيا منذ 5 سنوات، وتجلت عبر مراحل مهمة منها خلال الانقلاب الفاشل في منتصف يوليو/ تموز 2016 وأيضاً قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".

ويضيف المحلل التركي: "لم تخف بعض الدول، وخاصة الإمارات، محاولات ضرب الاقتصاد التركي، عبر الإساءة للسياحة أو المضاربة بالعملة وعن طريق الأموال الساخنة. ولم يستبعد غوك وجود دور لبعض اللوبيات الإماراتية والسعودية لدفع علاقات بلاده وواشنطن نحو الأسوأ".

مضاربات وتحركات

يرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في إسطنبول محمد كامل ديميريل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن ثمة إجراءات، لا بد من اتخاذها، من الشعب كي لا يتأثر بالضغط والشائعات فيهرب من الليرة إلى الدولار أو حتى الذهب.

وأشار ديميرل إلى ما أعلنه المصرف الألماني "دويتشه بنك" من مطالبة بنوك تركية بدفع الاستحقاقات المالية قبل موعد الدفع.

وأضاف أن "ما رأيناه من تلاعب ومضاربات، وخروج شركات من البورصة، هو الأهم والأخطر، حيث تتم ممارسة تخويف الشركات والمستثمرين الأجانب، فهنا يوجد 1819 شركة أميركية تعمل منذ سنوات عبر استثمارات تزيد عن 15 مليار دولار، وليس من المستبعد بدء انسحابها إن استمرت الضغوط الأميركية".

وانطلقت حملات شعبية وحزبية لتبديل المدخرات والمكتنزات بالعملات الصعبة بالليرة، كرد شعبي على تراجع سعر صرف العملة المحلية، وما يراه كثيرون استهدافاً من قبل الولايات المتحدة لاقتصاد بلادهم وعملتهم، نتيجة مواقفها السياسية.

المساهمون