حرب العقوبات الأميركية ضد روسيا ... المصارف الأكثر تضرراً

حرب العقوبات الأميركية ضد روسيا ... المصارف الأكثر تضرراً وآليات لامتصاص الصدمة

13 اغسطس 2018
العقوبات تزيد الضغوط على الروبل (Getty)
+ الخط -

يسيطر القلق على الأسواق الروسية، بعد إعلان واشنطن عن فرض عقوبات جديدة ستطاول كبريات الشركات والمصارف الحكومية، وذلك رغم إعلان موسكو أن لديها "آليات لضمان الاستقرار المالي" والحد من تداعيات هذه العقوبات.

وسادت حالة من الذعر في أسواق الصرف والأسهم في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، بعد تخلّص شرائح من المستثمرين من أسهم كبريات الشركات والمصارف الحكومية، إذ سجلت أسهم أكبر مصرفين "سبيربنك" و"في تي بي"، والناقل القومي "أيروفلوت" أعلى معدلات تراجع، وانخفض الروبل بنسبة 4% إلى نحو 66 روبلاً للدولار، وهو أدنى مستوى للعملة الروسية منذ عامين.

واعتبر البنك المركزي الروسي، يوم الجمعة الماضي، أن تراجع العملة الروسية خلال اليومين الماضيين، بسبب العقوبات الأميركية، يعد رد فعل طبيعياً للسوق، مشيراً إلى أن فترات مماثلة من قبل شهدت تقلبات أشد للروبل، لكن تبين أنها كانت قصيرة الأجل.

وأعلنت واشنطن، يوم الأربعاء الماضي، عن فرض عقوبات جديدة على موسكو على شكل حزمتين، بسبب قضية تسميم العميل المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا في سالزبوري ببريطانيا بمادة كيميائية مشلة للأعصاب في مارس/ آذار الماضي.
وتتضمن الحزمة الأولى من العقوبات، التي ستدخل حيز التنفيذ في 22 أغسطس/ آب الجاري، حظر توريد الأجهزة الإلكترونية وقطع الغيار ذات الاستخدام المزدوج إلى روسيا، على أن تطبق الحزمة الثانية بعد ثلاثة أشهر من دخول الحزمة الأولى حيز التنفيذ، في حال عدم تقديم روسيا ضمانات بأنها لن تستخدم السلاح الكيميائي مستقبلاً وستخضع لتفتيش من قبل الأمم المتحدة.

وعلى رغم أن ميزان التبادل التجاري يصب في مصلحة روسيا بقيمة 10 مليارات دولار، إلا أن تأثير العقوبات سيمتد إلى قطاعات تكنولوجية. وتبلغ نسبة الآلات والمعدات التكنولوجية نحو 43% من إجمالي الصادرات الأميركية إلى روسيا، ووفق البيانات الرسمية يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 16.9 مليار دولار.

وستشمل الحزمة الثانية من العقوبات خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية، وحظر رحلات الناقلة الروسية "إيرفلوت" إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن تقليص حجم جميع الصادرات والواردات بين البلدين بشكل كبير.

وبحسب صحيفة "إر بي كا" الروسية، فإن الولايات المتحدة لم يسبق لها فرض مثل هذه العقوبات بموجب قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991، سوى على النظام السوري في عام 2013 وكوريا الشمالية في السنة الحالية.

واعتبرت "إر بي كا"، في تقرير لها مؤخراً، أن فرض العقوبات ستكون له دلالات سياسية أكثر منها اقتصادية، نظراً إلى سريان مفعول حظر سابق على تصدير الأسلحة الأميركية إلى روسيا وعدم منح الولايات المتحدة قروضاً حكومية لموسكو من أساسها.


وما يزيد من خطورة العقوبات الجديدة أنها تشمل بعض الإجراءات الصارمة مثل حظر تحليق "إيروفلوت" إلى الولايات المتحدة ومنع جميع المصارف الأميركية من إقراض الحكومة الروسية.

إلا أن النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، وزير المالية، أنطون سيلوانوف، اعتبر في تصريحات نهاية الأسبوع الماضي أن الاضطرابات في الأسواق لا تعود إلى "خطاب العقوبات" الأميركي فحسب، وإنما أيضاً إلى "الوضع غير المستقر بالأسواق الناشئة"، مؤكداً أن الحكومة والمصرف المركزي لديهما "الآليات اللازمة لضمان الاستقرار المالي".

واعتمدت روسيا في نهاية مايو/ أيار الماضي مشروع قانون لمواجهة العقوبات الأجنبية، ويخول القانون الرئيس والحكومة إنهاء أو تعليق التعاون مع الدول التي اتخذت سلوكاً عدائياً ضد روسيا، بما في ذلك الشركات والمنظمات التابعة لهذه الدول، وحظر استيراد المنتجات والسلع من هذه الدول، على أن تقوم الحكومة بتحديد قائمة هذه المنتجات، بشرط ألا تشمل القائمة سلعاً أساسية ليست لها بدائل في روسيا أو دول أخرى.

كذلك يخول القانون حظر حكومات هذه الدول وشركاتها من المشاركة في مشاريع حكومية في روسيا، أو تقديم خدمات لكيانات في روسيا، كذلك منعها من المشاركة في خصخصة الممتلكات الحكومية.

وتشير تقارير إعلامية روسية إلى أنه بإمكان موسكو الرد حال حظر رحلات الناقلة الروسية "إيرفلوت"، مشيرة إلى أنه رغم أن شركات الطيران الأميركية لا تنفذ رحلات إلى روسيا، إلا أنها تستخدم المجال الجوي الروسي للعبور نحو دول أخرى.

ووفقاً لوكالة "بلومبيرغ"، نهاية الأسبوع الماضي، فقد نفذت الشركات الأميركية 15 ألف رحلة عبر المجال الجوي الروسي في 2017، من أصل 55 ألف رحلة عبور نفذتها شركات الطيران الأجنبية ككل.

وفي حال فرضت روسيا حظراً على عبور الطائرات الأميركية، فسيكبد ذلك الشركات الأميركية تكاليف إضافية، إذ ستنفذ رحلات أطول لتفادي الطيران في أجواء روسيا أو ستضطر لإلغاء هذه الوجهات، ما سينعكس سلباً على أعمالها.

لكن في مقابل تصريحات المسؤولين الروسيين بوجود آليات للحد من تداعيات العقوبات الأميركية التي وصفوها بالحرب الاقتصادية، فإن نائبة رئيس مجموعة "أكرا" للتصنيفات المصرفية، إيرينا نوسوفا، توقعت أن يؤثر تشديد العقوبات سلباً على القطاع المصرفي الروسي بأسره، وسط قطع مصادر التمويل وتراجع ثقة المستثمرين وانخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم.

وقالت نوسوفا، في حديث لـ"العربي الجديد": "سيؤثر فرض أو تشديد العقوبات بحق روسيا سلباً على القطاع المصرفي، وهذا هو الهدف منها، أي زعزعة استقرار المنظومة المالية الروسية. جاء أول رد فعل متمثلاً بانخفاض قيمة أسهم المصارف، مما يدل على تراجع ثقة المستثمرين. حتى في الوقت الحالي تواجه المصارف قيوداً في مصادر وفترات التمويل، ولكنها ستحرم منه بعد فرض العقوبات".

وأضافت: "يتعلق الأمر بشكل أساسي بالمصارف ذات الحصص المملوكة للدولة، لكونها أكبر اللاعبين في السوق المصرفية الروسية وتجري معاملات نشيطة مع أطراف خارجية وبالعملة الأجنبية. نظراً إلى تركيز نحو 60% من أصول القطاع المصرفي الروسي بخمسة مصارف فقط، فإن الضربة في حال تطبيق العقوبات ستكون قوية".

وفيما يتعلق بالتأثير غير المباشر على المصارف غير الحكومية، أوضحت أن "تراجع قيمة العملة الوطنية سيؤثر على جميع المصارف بلا استثناء، لأنه سيؤدي إلى زيادة وتيرة التضخم، وبالتالي، إلى انخفاض الدخول الحقيقية للسكان وتدهور جودة حقيبة القروض".

ومنذ عام 2014، عاش الاقتصاد الروسي أوقاتاً عصيبة، على ضوء تهاوي أسعار النفط وفرض العقوبات الغربية بسبب الوضع في أوكرانيا، وذلك على قطاعات كاملة من الاقتصاد الروسي، بما فيها قيود على إقراض أكبر الشركات والمصارف.

وكان من مظاهر هذه الأزمة التي بلغت ذروتها عام 2015 تهاوي سعر صرف الروبل من 33 روبلاً للدولار إلى أكثر من 60 روبلاً، وتعثر مئات المصارف، ومنها عدد من المؤسسات المالية من بين البنوك الـ 100 الكبرى. ومع ذلك، لم تسفر العقوبات عن إفلاس أي من أكبر الشركات والمصارف التي حظيت بدعم من الدولة، نظراً لدورها الحيوي في اقتصاد البلاد.

ورجحت نوسوفا أن تقدم الدولة دعما لجميع المؤسسات الكبرى الخاضعة للعقوبات هذه المرة أيضا، قائلة : "ستحظى أكبر الشركات الروسية الخاضعة للعقوبات بدعم من الدولة، ما سيقلل من التأثير السلبي على البنوك الدائنة".

وبعد عامين من الأزمات العاصفة بالاقتصاد الروسي، بدأ أداؤه يتعافى في النصف الثاني من عام 2016، مدفوعاً بتعافي أسعار النفط وتكيفه مع واقع العقوبات، ليتجاوز في عام 2017 مرحلة الركود.

وتذكر نوسوفا هنا تجربة إيران في العيش تحت طائلة العقوبات لعقود طويلة، معتبرة أن "فرض العقوبات يرغم الدولة على الاعتماد على النفس والحد من تبعيتها للدول الأخرى"، معتبرة أن العقوبات "ترفع مناعة الدولة"، ومنظومتها المصرفية تتكيف تدريجياً.

المساهمون