تضييق ليبي على تهريب الوقود إلى تونس

تضييق ليبي على تهريب الوقود إلى تونس

20 يوليو 2018
الوقود المدعّم لا يكفي احتياجات التونسيين (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
اتجهت السلطات الليبية إلى التضييق على تهريب الوقود من تونس  بعد ارتفاع الظاهرة بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة.

وكشف رئيس لجنة أزمة الوقود والغاز الليبية ميلاد الهجرسي، مؤخراً، أن 40% من احتياجات السوق  المحلية التونسية للوقود يجري تغطيتها بالوقود الليبي المهرب، مشيرا إلى أن الخسائر جراء التهريب التي تتكبدها بلاده قدرت بنحو مليار دولار.
 
وفي الوقت الذي تسعى فيه ليبيا إلى تجنب خسائر التهريب تلاحق التهديدات قوت آلاف التونسيين الذين يعيشون على هذا الصنف من النشاط "الممنوع" قانونيا والجائز لأسباب اجتماعية، حيث باتت تجارة  الوقود المهرّب نشاطا متأصلا يمتد إلى جل المحافظات التونسية التي تتزود من المدن الحدودية سواء الليبية منها أو الجزائرية.

وعبر منفذي رأس جدير ووازن الذهبية الحدوديين بين تونس وليبيا يجرى يوميا عمليات تهريب السلع والمحروقات في الاتجاهين، حيث يتم تهريب  الوقود الليبي المدعوم إلى تونس، فيما يجري تهريب المواد الغذائية من تونس باتجاه ليبيا.

وتعتبر مدينة وازن الليبية مقصداً لمهربي الوقود فهناك صهاريج كبيرة أعدها السكان لتخزين الوقود وحمله إلى التجار التونسيين على الجانب الآخر، ويجري الأمر من دون مراقبة أو محاسبة حيث يحظى التهريب برعاية من سلطات الأمر الواقع عند منافذ حدودية تمتد غرباً وجنوباً وشرقاً، وتسمح بمجتمعات رديفة تحكم نفسها بنفسها بعيدا عن الأجهزة الرقابية.

وفي الجانب التونسي تنتشر على امتداد الطرقات العابرة لمدن الجنوب محلات تعرض البنزين المهرب على قارعة الطريق وتتراوح أسعاره ما بين 1.5 و1.6 دينار ( الدولار = 2.6 دينار تونسي) للتر الواحد مقابل 1.925 دينار للتر البنزين في محطات التزويد الرسمية.

وإزاء تفاقم ظاهرة تهريب الوقود وتوسع نشاطات المهربين إلى أعمال أخرى على غرار تجارة المخدرات والسلاح، تسعى السلطات التونسية إلى تطويق هذه الظاهرة عبر حملات مستمرة لمصادرة هذا الصنف من السلع فيما يفرض الواقع الاجتماعي في المدن الجنوبية على السلطات غض الطرف في أغلب الأحيان لغياب حلول تنموية بديلة يمكن تقديمها لباحثين عن لقمة العيش في هذه المناطق.

ويتسبب النشاط الموازي للمحروقات في خسائر فادحة لمحطات التزويد القانونية التي فقدت أكثر من 50 % من حجم نشاطها في محافظات الجنوب إذ اضطر نحو 40 % منها للغلق نهائيا.

وفي هذا السياق، قال رئيس الغرفة النقابية الوطنية لوكلاء وأصحاب محطات بيع المحروقات، محمد الصادق البديوي لـ"العربي الجديد" إن الظاهرة في توسع متواصل، مشيرا إلى أنّ 90 % من المحروقات التي تروج في الجنوب التونسي مهرّبة.

ولا يتوقع البديوي تقلصا للنشاط في حال تضييق السلطات الليبية على تهريب الوقود نظرا لتعدد طرق وأشكال التهريب، لافتا إلى أن تجفيف المنابع يجب أن يتم بالتوازي مع معالجة الأوضاع الاجتماعية في المناطق الحدودية.

وتتم عمليات تهريب الوقود القادم من ليبيا بشكل تقليدي بواسطة غالونات أو صفائح بلاستيكية أو صهاريج كبيرة تمرّ عبر مسالك صحراوية موازية في حين تستخدم شبكات تهريب الوقود من الجزائر إلى تونس الحمير نظرًا لوجود سلسلة جبلية وعرة، فضلا عن استخدام المهربين لشاحنات مزودة بخزانات كبيرة.

بدوره قال الناطق الرسمي باسم الجمارك التونسية العميد هيثم زناد إن تراجع عمليات التهريب مرتبط بإعادة تفعيل قوانين واتفاقيات سابقة بشأن تسيير العمل المشترك في المعابر الحدودية.

وأشار الناطق الرسمي باسم الجمارك التونسية في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن غياب مخاطب رسمي في هذه المعابر تسبب في تبديد العمل المشترك منذ 2011 .

وأضاف زناد أن مصالح "الديوانة التونسية" تقوم بملاحقات يومية للمهربين وتصادر بضائعهم، لافتا إلى أن حجم المحجوزات بلغ إلى حدود الربع الثاني من العام الجاري 308 آلاف لتر من المحروقات بقيمة 543 ألف دينار أي نحو 205 آلاف دينار.

ورغم الإجراءات المشدّدة التي تم اتخاذها من أجل الحد من هذه الظاهرة لم تستطع الحد من عمليات التهريب بشكل كبير، إذ يبقى عمل التهريب على الرغم من متاعبه ومخاطره يستحق التضحية والمخاطرة لأنه يدرّ على ممتهنيه الربح الوفير، كما تستفيد ميزانية الدولة منه سواء عن طريق تحصيل الغرامات المالية من أصحاب السيارات المهربة والتي تعود إلى الخزينة العامة أو من خلال تخفيف الضغط على استهلاك البنزين المحلي المدعوم.

واضطرت الحكومة التونسية إلى رفع أسعار الوقود أكثر من مرة خلال الفترة الماضية بهدف تقليص عجز الموازنة العامة والحد من الأزمة المالية الحادة التي تمر بها البلاد.

وفي مايو/ أيار 2017 أطلقت السلطات الليبية "عاصفة المتوسط" لمكافحة تهريب الوقود عبر السواحل الليبية، حيث يقوم المُهرِّبون بنقل الوقود في شاحنات صهاريج إلى دول الجوار مثل تونس غربًا والنيجر وتشاد والسودان جنوبًا، وفي سفن إلى السواحل الأوروبية، ولا سيما مالطا.