تمويل المشاريع السياحية يكبد المصارف التونسية خسائر كبيرة

مأزق الديون المتعثرة... تمويل المشاريع السياحية يكبد المصارف التونسية خسائر كبيرة

30 مايو 2018
الفنادق تمرّ بأزمات مالية حادة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -


طالبت مصارف تونسية عملاءها في القطاع السياحي بتسوية أوضاعهم المالية، بسداد جزء من ديونهم المتعثرة مقابل تمويل استثمارات جديدة، بعد أن ارتفعت الديون بذمة الفنادق إلى نحو 1.7 مليار دينار (708 ملايين دولار)، 78% منها متعثرة، وفق بيانات كشف عنها مسؤولون في الشركة التونسية للبنك (أكبر وأقدم بنك حكومي).

وتسببت الديون المتعثرة للقطاع السياحي في صعوبات كبيرة للمصارف التجارية، ولا سيما الحكومية منها التي دأبت على تمويل القطاع منذ بداية السبعينيات، ما تسبب في مراكمة الديون على امتداد أكثر من 4 عقود من الزمن.

وفي وقت سابق كشف المسؤول الأول في الشركة التونسية للبنك، سمير سعيد، أن البنك سيواجه صعوبات العام الجاري إذا لم يتمكن من استخلاص ديونه المتأخرة بذمة العملاء، والتي جعلته، وفق وكالة الأنباء التونسية مؤخراً، يسجل خسائر متراكمة في حدود 780 مليون دينار بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

ولا تجد دعوات المصارف إلى إيجاد حلول للديون المتعثرة صدى كبيراً لدى العاملين في قطاع السياحة، ما يضطر البنوك إلى الحجز على بنايات الفنادق المتعثرة، فيما يؤكد مختصون في الشأن الاقتصادي أن حلول الحجز على الوحدات الفندقية ليست حلّاً جيداً ولا يمكنها تغطية حتى فوائد الديون المتعثرة.

وأفاد الخبير الاقتصادي محمد ظريف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قسطاً من قروض القطاع السياحي المتعثرة يعود إلى السبعينيات والثمانينيات، وهي الفترة التي شهدت طفرة في إنشاء الفنادق والنزل من دون أي تخطيط أو تفكير في مردوديتها، مشيراً إلى أن المصارف الحكومية انخرطت في إطار سياسة الدولة في تمويل تلك المشاريع من دون ضمانات كافية تصل أحياناً إلى غياب كلي لأي ضمانات.

ويقول ظريف إن البنوك تحجز في غالب الأحيان على بنايات في وضعية متردية بعد أن تم استغلالها من قبل أصحاب الفنادق لسنوات طويلة من دون أن تكون لديها النية لسداد أقساط القروض.

في ذات السياق، أكد الخبير الاقتصادي أن البنوك لا يمكنها تحقيق فائدة مالية واسترجاع جزء من ديونها عبر بيع العقارات المحجوزة لعدة أسباب، أولها طول فترة النزاعات والتقاضي لدى المحاكم، وفقدان البنايات قيمتها بعد التخلي عنها وتوقف نشاطها، إذ غالباً ما تتحول إلى أماكن مهجورة لا تغري المشترين.
ويرى أن الحل لاسترجاع المصارف ديونها لدى المستثمرين في القطاع السياحي هو ضبط استراتيجية وطنية بين الطرفين تقوم على الربح المتبادل، وذلك بربط تمويل الاستثمارات الجديدة بخلاص ديون سابقة إلى جانب إعادة جدولة الديون القديمة بشكل يضمن سهولة سدادها، مؤكداً أن القطاع المصرفي سيقدم تنازلات من قبيل طرح الفوائد أو جزء منها مقابل استرجاع أصل الدين.

وحسب دراسات سابقة، تعود مشاكل القطاع السياحي في تونس إلى صعوبات هيكلية تعرفها المؤسسات السياحية، وضعف الربحية في ممارسة الأعمال التجارية في الفنادق، بالإضافة إلى ضعف الادخار، ما أدى إلى تراكم المديونية، بالإضافة إلى عدم قدرة المختصين على جعل تونس وجهة سياحية عالمية قادرة على كسب العديد من الرهانات في ظل تواصل التركيز على السياحة الشاطئية.
وتعتبر السياحة في تونس من القطاعات الأساسية في تنشيط الاقتصاد الوطني، غير أن هناك مشاكل حالت دون أن يقوم هذا القطاع بدوره المعهود، أهمها تأثير الهجمات الإرهابية التي ضربت جهات مختلفة من البلاد.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد" قال رئيس غرفة أصحاب الفنادق خالد الفخفاخ إن المهنيين (المستثمرين) يؤسسون لعلاقات جديدة مع القطاع المصرفي، في إطار شراكة تضمن الكسب للطرفين، مشيراً إلى أن تعثر استخلاص الديون مردُّه تراجع مردود القطاع في السنوات التي تلت اندلاع الثورة في عام 2011.
وأضاف الفخفاخ، أن عائدات القطاع تراجعت سنة 2015 بنحو 35%، ما تسبب في غلق 300 وحدة فندقية من بين 700 فندق، مشدداً على ضرورة الاستفادة من الانتعاشة التي تشهدها السياحة هذه الفترة لإعادة بناء القطاع من جديد على أسس صلبة، يكون فيها القطاع المالي شريكاً استراتيجياً لبعث الحياة من جديد في الفنادق المغلقة. وأكد الفخفاخ ضرورة الاستثمار مجدداً في القطاع وإعادة تأهيله لمواكبة عودة السياح إلى تونس.

وكانت الحكومة قد أعلنت، في بداية إبريل/ نيسان الماضي، أن عائدات السياحة زادت 23% على أساس سنوي، في الربع الأول من العام الحالي، مع تعافي القطاع من آثار هجمات إرهابية دامية وقعت في 2015. وفي العام الماضي، نمت إيرادات السياحة التونسية نحو 18% إلى 2.8 مليار دينار، وقفز عدد السياح الوافدين من 5.7 ملايين زائر عام 2016 إلى 7 ملايين عام 2017.