ألمانيا تحتمي بالصين من عقوبات ترامب التجارية

ألمانيا تحتمي بالصين من عقوبات ترامب التجارية

24 مايو 2018
ملفات التجارة تهيمن على زيارة ميركل لبكين (Getty)
+ الخط -


وسط توتر العلاقات التجارية بين واشنطن وبروكسل، تتجه دول الاتحاد الأوروبي شرقاً في رحلة البحث عن حلفاء جدد، خاصة بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي الإيراني وإصرارها على فرض رسوم على البضائع والخدمات الأوروبية. 

ويبدو ذلك جلياً في الزيارة التي تقوم بها حالياً المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للصين وتستمر ليومين.

ومن المتوقع أن تهيمن الملفات التجارية على زيارة ميركل لبكين، خاصة، وأنها ولأول مرة تصحب  معها قرابة 20 رجل أعمال من ذوي الثقل الاستثماري الكبير، يمثلون شركات يبلغ إجمالي مبيعاتها السنوية حوالى 550 مليار يورو (نحو 644 مليار دولار).

وتعكس تشكيلة هذا الوفد التجاري الأهمية التي توليها ألمانيا لتعاونها الاقتصادي والتجاري مع الصين، بعد الخلافات العميقة مع واشنطن في عهد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب. وربما تؤشر هذه الزيارة إلى تحول أوروبي من التحالف مع أميركا إلى التنسيق التجاري مع الصين في المرحلة المقبلة.

ويبدو أن التوتر والخلاف بين الحليفين التقليديين "بكين وواشنطن" قد بلغ الذروة، مع بقاء فترة أسبوع فقط للمهلة التي منحتها واشنطن لإعفاء دول الاتحاد الأوروبي من رسوم الألمنيوم والصلب.

وظهر هذا التوتر جلياً في التعليق الساخر الذي أدلى به دونالد تاسك رئيس المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بشأن سياسات واشنطن التجارية تجاه الكتلة الأوروبية، وقال فيه "مع وجود أصدقاء من هذا القبيل، من يحتاج إلى أعداء؟". ثم أردف ساخراً، "على أوروبا أن تكون ممتنة لترامب، لأنه بفضله تخلصنا من كل الأوهام".

وتشير الاجتماعات التي عقدها قادة أوروبا الأسبوع الماضي في بولندا، إلى أن دول القارة تبحث عن مخرج من المأزق الذي تعانيه شركاتها التي باتت شبه محاصرة ليس في السوق الأميركي ، فحسب، ولكن كذلك في روسيا، التي تتعرض للحظر الأميركي الذي يمنع المتاجرة معها في عدد من السلع والخدمات.

يضاف إلى هذه المعاناة، أن الشركات الأوروبية من المتوقع أن تتعرض للحظر الثانوي الأميركي الذي ستفرضه واشنطن ضد من يتعاملون مع إيران، والذي من المتوقع أن يكون مشدداً هذه المرة حسب مراقبين.

وسط هذه التعقيدات الجيوسياسية وصراع المصالح التجارية، تأتي زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى بكين التي بدأت اليوم الخميس. وتقول مصادر أسيوية إن الزيارة مخصصة لبحث ملفات التجارة والاقتصاد، وليست للسياسة، حيث تواجه التجارة العالمية مجموعة من الأزمات باتت تخنق التعامل والانسياب الحر للتجارة بين الدول.

من بين هذه الأزمات مأزق الرسوم الأميركية، ومأزق تداعيات انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وكيفية حماية مصالح التجارة الأوروبية في وجه واشنطن.

ولدى الشركات الالمانية حجم تبادل تجاري يقدر بحوالى 8 مليارات دولار مع إيران، وكانت هنالك خطط لزيادتها إلى 10 مليارات دولار، لكن ظروف التمويل المصرفي حالت دون ذلك.

وترى الشركات الألمانية والأوروبية عموماً، أن الاقتصاد الإيراني الذي خرج محطماً بعد سنوات من العزلة بسبب العقوبات الغربية، يمكن أن يوفر عقوداً بمئات مليارات الدولارات للشركات الأوروبية خلال العقد الجاري والمقبل.

وحتى الآن وقعت عقود أوروبية تفوق 60 مليار دولار بين شركات أوروبية وإيرانية. ولا تريد الحكومات الأوروبية فقدان المتاجرة مع إيران، لكن الحظر الأميركي سيجبرها على ذلك، لأنه سيضعها أمام الاختيار بين السوقين الأميركي والإيراني.

وتقول تقارير أسيوية إن المستشارة ميركل تحمل مقترحات محددة للقيادة الصينية، بشأن السماح للشركات الألمانية بالعمل من الصين، مقابل فتح السوق الألماني للشركات الصينية.

وترى بعض الشركات أن مثل هذا المقترح ربما يوفر حلاً لاستمرارية المتاجرة مع إيران، وذلك ببساطة، لأن الصين من غير المحتمل أن تتقيد بالعقوبات الأميركية، وبالتالي فإن الشركات الألمانية يمكنها أن تتاجر مع إيران، من نافذة صينية، عبر فتح فروع لها في المدن الصينية كشركات صينية. وتتمكن هذه الشركات بذلك من الحصول على الحماية الصينية من العقوبات الأميركية.

وحسب نشرة " دبلوماسي آند ديفينس"، التي تصدر في هونغ كونغ، فإن المستشارة ميركل ستناقش مع الرئيس الصيني جين بينغ شي، فرص إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، وكيفية تخطي الدول الخمس الموقعة الاتفاق الانسحاب الأميركي.

ويأتي هذا المقترح في وقت تدرس فيه بكين مع مسؤولين إيرانيين كيفية مساعدة الاقتصاد الإيراني على التعامل مع التداعيات السالبة للحظر الأميركي على إيران.
وقال متحدث باسم وزارة التجارة اليوم الخميس، إن الصين عازمة على العمل مع ألمانيا لإرسال إشارات إيجابية لدعم حرية التجارة ودفع النمو الثابت للاقتصاد العالمي قدماً.

وأضاف المتحدث قاو فنغ في إفادة صحفية أن "ألمانيا والصين رغم أنهما في مراحل مختلفة من التنمية، تدعمان دائماً التجارة الحرة وتعارضان الحمائية التجارية وتحتفظان بأنظمة تجارية متعددة الأطراف".

وتقوم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارة رسمية للصين يومي الخميس والجمعة بدعوة من رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ.

لكن بينما يبدو أن الصين قد تحاول توجيه رسالة تضامن كامل مع ألمانيا في مواجهة واشنطن، فإن مسؤولين ألماناً يرون أن على ميركل أن تتجنب الظهور بمظهر الاصطفاف العلني مع الصين في مواجهة حليفتها واشنطن، مشيرين إلى أن ذلك ربما يغضب الرئيس ترامب أكثر من برلين.

وقال لي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع ميركل في قاعة الشعب الكبرى ببكين، إن الصين وألمانيا ملتزمتان بالتجارة الحرة العالمية وشدد على الإمكانيات الضخمة للتعاون بينهما.

وأضاف لي، أنه على الرغم من وجود مشكلات بين البلدين لكن من الممكن تخطيها.

وأشار إلى أن زيادة التعاون مفيدة لأوروبا والعالم. وقال إن الصين ترحب باستثمارات مصنعي السيارات الألمان، مشيراً إلى أن بكين خفضت بالفعل متطلبات دخول السيارات التي تعمل بمصادر الطاقة الجديدة.

من جانبها، رحبت ميركل بأحدث إعلان من جانب الصين بأنها ستزيد انفتاح قطاعها المالي أمام مشاركة الأجانب وستخفض متطلبات المشروعات الصينية المشتركة في قطاعات مثل السيارات وهو ركيزة الاستثمارات الألمانية في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.

وتنتقد الحكومة الألمانية ممارسات الصين التجارية التي تشمل الضغوط على الشركات الأجنبية للتخلي عن أسرار تجارية.

وهي شبيهة بالانتقادات الأميركية لبكين، لكن المسؤولين الألمان يقولون إن سياسة "أميركا أولاً" التجارية التي يطبقها ترامب وازدراء إدارته لمنظمة التجارة العالمية وانسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، قرّبت مواقف الصين وألمانيا على نحو أوثق.

وساهمت الزيارة حتى الآن في دعم العملة الأوروبية الموحدة، حيث ارتفع اليورو من أدنى مستوى في ستة أشهر اليوم الخميس، في الوقت الذي أشارت فيه الصين إلى ثقتها في عملة اليورو. في هذا الصدد، قال رئيس الوزراء الصيني، لي كه شيانغ، إن الصين مستثمر طويل الأمد في اليورو.

وحسب رويترز، أضاف شيانغ اليوم، قوله، أنه يأمل في أن تكون عملة اليورو قوية ومستقرة على الرغم من أزمات الديون السيادية في أوروبا التي تقع من حين لآخر.

وفي أعقاب هذه التعليقات، ارتفع اليورو قليلاً إلى 1.1725 دولار بعد أن بلغ أدنى مستوى في ستة أشهر عند 1.1676 دولار يوم الأربعاء. وفي ظل غياب واشنطن، أو ابتعادها عن بروكسل، ربما تحتاج أوروبا إلى الأموال الصينية في حال تفاعل أزمة المصارف الإيطالية التي تهدد بتفجر أزمة مالية جديدة في منطقة اليورو.

واضطرت دول الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل جبهة موحدة والتخلى عن أحلام العلاقات الخاصة والتحالف التاريخي مع أميركا، لكن فعالية هذا التضامن لا تزال على المحك، نظراً لتباين مواقف الدول الأوروبية تجاه علاقاتها مع واشنطن.

المساهمون