ردع تجاري متبادل بين الصين وأميركا وانتهاء جس النبض

ردع تجاري متبادل بين الصين وأميركا وانتهاء عهد جس النبض

07 ابريل 2018
ازدياد القلق من تضرر الأسواق بالرسوم الجمركية المتلاحقة (Getty)
+ الخط -


تجاوزت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين لغة التهديدات وقرارات جس النبض، لتدخل مرحلة الردع والردع المضاد، بعد أن شهدت الأيام القليلة الماضية قرارات متبادلة من شأنها توسيع دائرة حرب الرسوم الجمركية بين البلدين.

وأوعز الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الجمعة، إلى الممثل التجاري الدولي في إدارته بدراسة فرض رسوم جمركية إضافية بقيمة 100 مليار دولار على الواردات من الصين، بعد أن ردت الصين يوم الأربعاء الماضي بفرض رسوم جمركية على واردات من الولايات المتحدة تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار.

بهذه الخطوة لو وضعها البيت الأبيض موضع التنفيذ، يكون "نشوب الحرب التجارية قد بات أقرب إلى الحقيقة" على حد تعبير ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية.

هذا التخوف انعكس على هبوط بورصة نيويورك في ختام تعاملات الجمعة، حيث تراجعت المؤشرات الثلاثة الرئيسية للأسهم الأميركية بأكثر من 2%، وخسر المؤشر داو جونز الصناعي نحو 572.46 نقطة، أو 2.34%، إلى 23932.76 نقطة.

وتراجع المؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأوسع نطاقا 58.37 نقطة، أو 2.19%، ليغلق عند 2604.47 نقطة. وخسر المؤشر ناسداك المجمع 161.44 نقطة، أو 2.28%، إلى 6915.11 نقطة.

وأنهت المؤشرات الثلاثة الأسبوع على خسائر بنسبة 2.1% لناسداك، و1.4% لستاندرد آند بورز، و0.7% لداو جونز الصناعي.

وإذا كانت حركة هذه الأسواق لا تعبّر بالضرورة عن الواقع الاقتصادي الأميركي المتعافي، لأن " البورصة ليست الاقتصاد" كما يقول بول كروغمان أستاذ الاقتصاد في جامعة برنستون والحائز على جائزة نوبل، إلا أن فرض الرسوم بهذه الطريقة التقطتها الأسواق وتأثرت بها، ما عزّز القلق من دخول الوضع في دوامة الردود والردود المضادة المؤدية في النهاية إلى انسدادات في شرايين التبادل التجاري الأميركي الصيني وكذلك التبادل الدولي، بحكم انتشارعدوى "الحمائية" التجارية في العالم.

ويتزايد القلق من الدخول في لعبة "المعاملة بالمثل"، ما قد يدفع بالجانبين إلى حلقة مغلقة يجد كلاهما من الصعب عليه الخروج منها لأن حساباتهما الكبيرة على المحك.

الرئيس الصيني شي جينبنغ لا يسعه خاصة بعد تنصيبه رئيساً مدى الحياة، تقديم تنازلات تؤثر على وضع الصين التجاري الممتاز مع الولايات المتحدة، والذي طالما كانت كفة بلاده راجحة بقوة في ظله وفي حدود 500 مليار دولار فائضا سنويا في ميزان التبادل التجاري بينهما.

والرئيس الأميركي لا يقوى هو الآخر على التراجع، خوفاً من الكلفة السياسية، خاصة أن مطالبته بتصحيح الخلل في التبادل مع الصين تحظى بدعم داخلي قوي. فثمة توافق عريض في الساحة الأميركية بأن المعادلة مع الصين "مجحفة " ولا بدّ من إعادة النظر فيها.

لكن هذا شيء ولجوء ترامب إلى سلاح الرسوم شيء آخر. فهو يزعم مع فريق صغير من أركانه أن هذه الوسيلة تكفل حماية الإنتاج الوطني، إذ تحول دون تدفق السلع الأجنبية وخاصة الصينية بأسعار زهيدة لا يقوى الإنتاج الأميركي على منافستها. وفي ذات الوقت توفر فتح الأسواق الخارجية أمام البضائع الأميركية، على قاعدة المنافسة المتكافئة.

لكن مثل هذا الزعم على أهميته، بدا في الشق الأكبر منه أقرب إلى جدار دخاني. فقد صار من المألوف أن يلجأ ترامب بصورة دورية إلى المفاجآت " لأنه يعيش عل المواجهات والاضطراب"، كما يقول ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية.

ويوضح هاس أن "المواجهة مع الصين يبدو أنها جاءت في هذا السياق، ما أثار القلق في واشنطن، خاصة إذا ما تمادت العملية في انزلاقها نحو حرب تجارية كاملة".

لكن ثمة من يراهن على العودة إلى التفاوض قبل وضع هذه الرسوم في الأشهر القادمة موضع التنفيذ. ويرى مراقبون أن احتمالات التراجع غير مستبعدة. فالصين " ليس من مصلحتها المغامرة بمثل هذه الحرب المؤذية لها في شراكتها التجارية الكبيره جداً".

وفي المقابل ثمة من يرى ويحذر البيت الأبيض من أن بكين "أكثر قدرة على تحمّل نتائج هذه الحرب من واشنطن ولديها أوراق قوية مثل سندات الخزينة الأميركية التي تملك منها ما قيمته 1.2 تريليون دولار والتي لو بدأت تتخلى عنها لتسبب ذلك في رفع أسعار الفائدة على القروض التي تحتاجها أميركا لخدمة ديونها العامة".

لكن الأزمة أعمق من ذلك، في اعتقاد مراقبين غير تقليديين. فالمحامي الشهير عن المستهلك والمرشح الرئاسي السابق رالف نادر، يرى أن مشكلة التبادل التجاري تكمن في "عدم وجود تجارة حرة تقوم على المنافسة السليمة، حيث تلجأ شركات العولمة إلى تقليص الكلفة عنوة عبر الأجور الرخيصة وعدم ترك تحديدها لحركة السوق". الأمر الذي يؤدي إلى التفاوت في التبادل وبالتالي إلى نشوب أزمة الرسوم "التي تؤثر على المنافسة الحقيقية".

إلى أين يؤدي ذلك؟ إلى واحد من ثلاثة، حسب التقديرات: ردع الصين ووضع حدّ لامتيازاتها وسطوتها على الملكية التكنولوجية الأميركية، أو إلى حقبة الانعزال الاقتصادي. أو إلى الدخول في "حقبة السلطة الكونية لشركات العولمة" كما يرى نادر. أما ما يجري الآن فليس سوى بداية التصعيد.

وقالت الصين، إنها على أتم استعداد للرد بعد أن أصدر ترامب توجيهاته الأخيرة إلى الممثل التجاري الدولي في إدارته، لدراسة فرض رسوم جمركية على قائمة أخرى من المنتجات الصينية بقيمة 100 مليار دولار.

وأكد قاو فينغ، المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية خلال مؤتمر صحفي في بكين يوم الجمعة، أن بكين لن تتوانى عن الرد إذا أضافت الولايات المتحدة المزيد من الرسوم، واصفا النزاع حول الرسوم الجمركية بأنه صراع بين التعددية والأحادية.

وأضاف أن مسؤولين اقتصاديين من الجانبين لم يجريا مؤخرا أي مفاوضات تجارية قائلا إنها مستحيلة في ظل الظروف الحالية.

وأعلنت وزارة المالية الصينية، يوم الأربعاء الماضي، أن بكين ستفرض رسوماً إضافية نسبتها 25% على 106 منتجات أميركية تصل قيمتها إلى 50 مليار دولار.

وجاءت الرسوم الصينية الأخيرة التي تطاول منتجات أميركية بقيمة 50 مليار دولار، ردا على إعلان الولايات المتحدة قائمة تضم 1300 منتج تستوردها سنوياً من الصين بما قيمته 50 مليار دولار.

وقبل هذا القرار بثلاثة أيام، فرضت الصين رسوماً جمركية على 128 منتجاً أميركياً، بنسب تتراوح بين 15% و25%، بما يوفر لها نحو 3 مليارات دولار، ردا على الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على الألمنيوم، في الثامن من مارس/آذار الماضي.