مخاطر الخصخصة الجزئية في مصر

مخاطر الخصخصة الجزئية في مصر

22 ابريل 2018
طبق برنامج الخصخصة بموجب قانون 95 لعام 1995(Getty)
+ الخط -

بدأت الحكومة المصرية فعليا في تطبيق برنامج طرح 21 شركة ومؤسسة اقتصادية في البورصة، وتأتي هذه العملية استكمالا لعمليات الخصخصة التي بدأت بداية في التسعينيات، وتوقفت بعد اندلاع ثورة يناير 2011.

وطبق برنامج الخصخصة بموجب قانون 95 لعام 1995، وهو القانون الذي شرعن نهب الملكية العامة تحت لافتة الإصلاح الاقتصادي، وأتاح الاستحواذ على الشركات العامة، سواء بالخصخصة الكاملة، عبر البيع لمستثمر واحد، أو الخصخصة الجزئية، عبر بيع الأسهم وفقا لقواعد التداول بالبورصة، وهو ما تشرع الحكومة في تنفيذه لمدة عامين لـ21 شركة، وربما يتم طرح شركات أخرى طالما بقيت علاقات القوة لصالح القوى المستفيدة من هذه السياسات.

لبرنامج طروحات الشركات في البورصة آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية متشابكة، إلا أننا سنركز على الآثار الاجتماعية المترتبة على التغيرات الاقتصادية، ومنها تأثير الطروحات على قطاع العمال في ما يخص الأجور والحوافز وضمانات العمل، تأثير الطروحات على دور الدولة الاجتماعي، وما يشمله من توفير فرص العمل، والخدمات التأمينية، وأيضا توفير السلع والخدمات.

خلال عقد التسعينيات نفذت الحكومة خصخصة جزئية من خلال طرح الشركات للبيع عبر البورصة، وتدريجا تم نقل ملكية بعض الشركات بشكل كامل إلى القطاع الخاص، بينما تمت تصفية بعض الشركات، لإفساح المجال لاحتكار شركات أخرى، وأيضا للاستفادة من الأصول المملوكة لها كبيع أراضيها.

المتأمل في مجمل تجربة الخصخصة، يجد أن أغلبها شابه الفساد، بيعت ما يزيد عن 300 شركة بـ320 مليار جنيه، وذهبت عوائدها إلى الموازنة العامة، وتسديد ديون بعض الشركات، وكذلك صرف مستحقات بعض العمال، لم تصلح الخصخصة خلل الاقتصاد، بل أدت إلى خسران شركات عملاقة، وتشريد ما يزيد عن 1.5 مليون عامل وعاملة، حسب تقديرات عديدة.

نماذج للخصخصة الجزئية

هناك عدة نماذج يمكن الاسترشاد بها لتحليل مستقبل الشركات التي سيتم طرحها للبورصة، شركة كابو "النصر للملابس والمنسوجات" طرحت في البورصة عام 1995، وهي من ضمن أعرق شركات الغزل، تأسست عام 1940، يبلغ عدد عمالها 5 آلاف، شهدت الشركة منذ طرحها قرارات عصفت بحقوق العمال، قرارات تعلقت بصرف الحوافز، وتأخير المرتبات في بعض الأحيان، إضافة إلى التخلص من جزء من العمالة تحت بند الهيكلة، كبديل عن التوسع في الإنتاج والتشغيل معا.

ولعل ذلك يرجع لرغبة جزء من كبار المساهمين بالشركة في الاستحواذ على سوق الملابس الداخلية، التي تشتهر بها الشركة، وتبيعها بأسعار مناسبة لقطاعات من ذوي الدخل المحدود وبعض شرائح الطبقة الوسطى، قياساً بالأسعار التي تسود السوق، والذي تسيطر عليه شركتان تريدان الاستحواذ على السوق للتحكم في الأسعار.

يمكن أن يكون نموذج "كابو" أقل فسادا وقسوة، لكن هناك نماذج أخرى تدل على مدى فساد الخصخصة وآثارها المدمرة، باعت الحكومة 90% من أسهم شركة قها عام 1998 فتعرضت الشركة إلى خسائر تحت إدارة مالكها، وتحت ضغوط عمالها الذين تضرروا من الوضع.

ومع تعثر وفشل إدارة المستثمر الجديد، تمت أعادتها للشركة القابضة للصناعات الغذائية عام 2007، وتم إنقاذ شركة قها، وهي شركة هامة وعريقة في مجال الأغذية تأسست عام 1940، وتملك 6 مصانع، ويمكن لها إذا توسعت في إنتاجها، أن تخلق توازنا في أسعار بعض المنتجات الغذائية.

ويمكن هنا التذكير بتجربة تصفية شركة المراجل البخارية، العملاقة والاستراتجية، التي استطاع العمال استعادتها، لكن الدولة تتلكأ في تشغيلها، وتريد بدلا من ذلك استثمار أراضيها الواقعة على كورنيش النيل ضمن خطة بائسة للاستفادة من الأصول والأراضي، كحل لأزمة الموزانة.

وفي السياق، يمكن التذكير بجريمة تصفية شركة تليمصر الهندسية، وهي ضمن شركات مصر الهندسية التي تمت تصفيتها، لصالح بعض المحتكرين، الذين يتحكمون اليوم في سوق الصناعات الهندسية وخاصة التلفزيون، وشرد على أثر ذلك ما يقارب 3 آلاف عامل.
وكذلك تجربة شركة تليمصر التي تم بيع أسهمها لأحد المستثمرين، الذي أقام على جزء من أراضيها مجمعات سكنية، وشرد ما يزيد عن ثلاثة آلاف عامل، والتجربتان كانتا من أسباب تحكم القطاع الخاص في المنتجات الهندسية وارتفاع أسعارها بالأسواق، وفي السياق ذاته تأتي تجربة شركة اسكو للنسيج والتي شرد من عمالها ما يزيد عن 15 ألف عامل.

وعود كاذبة بحكم التجربة

رغم الطمأنة التي تبثها الحكومة بشأن العاملين بالشركات المطروحة للخصخصة الجزئية، إلا إن كافة عمليات الخصخصة التي طبقت، دلت على تضرر العاملين بالشركات. ويستهدف المستثمرون دوماً تعظيم أرباحهم، والاستحواذ على الأسواق، والتحكم في الأسعار، بحكم أن القانون الأساسي الذي يحكمهم هو الربح، على عكس الدول التي تؤمن بدورها الاجتماعي، ويشكل ذلك توجهها وسياساتها الاقتصادية، والعملية الإنتاجية عملية اجتماعية بالنسبة للدولة، تحكمها قيم الضرورة والأمن الاقتصادي والأمن القومي أحيانا، والدور الاجتماعي المفترض للدولة ينطلق من أهداف أهمها توفير فرص التشغيل العادلة والكريمة، وتوفير السلع بأسعار تتناسب مع دخول مواطنيها، وهو ما يوفره القطاع العام إذ أحسنت إدارته.



أما المستثمرون فعلى العكس تحكمهم قيم الربح وحسب، خاصة في الدول التي لا تضع ضوابط على الأسعار، أو معدلات الربح، أو لا تجرّم الاحتكار، لذا يلجأ المستثمرون الذين اشتروا أو استحوذوا على الشركات في عمليات الخصخصة بخطوات تضر العمال والمستهلكين، بل والاقتصاد عموما.

تحت لافتة هيكلة العمالة وضبط المصروفات، يتم تسريح بعض العمال، أو إلغاء أو الامتناع عن صرف المستحقات المالية، وما تتضمنها من أجور، وحوافز الإنتاج، ناهيك عن التهرب من الالتزامات التأمينية الصحية والاجتماعية. بالإضافة إلى ذلك يلجأ المستثمرون الجدد عبر الهيكلة إلى تغيير ظروف العمل المتعلقة بورديات العمل وأماكنها، مع زيادة ساعات العمل في بعض الأحيان، أو إجبار العمال على ساعات عمل إضافية.

تؤثر مجمل التغيرات في ظروف العمل على الظروف الاجتماعية للعمال بالشركات المطروحة للخصخصة، ففي ظل انخفاض معدلات الأجور، قياسا بمستوى الأسعار، وازدياد معدلات التضخم، ستزداد ظروف العاملين وأسرهم صعوبة، وينعكس ثبات أو تراجع معدلات الدخل على قدرتهم في توفير احتياجاتهم الأساسية من الخدمات والسلع، وسيتأثر بطبيعة الحال أفراد الأسرة بذلك. أما إذا تم تسريح قطاع من العمالة، فإننا سوف نكون أمام عمال عاطلين، ستعاني أسرهم تحت وقع ظروف شديدة القسوة، وسترتفع معدلات البطالة، ما سيؤثر على سعر العمل، ويخفض الأجور أكثر بحكم ازدياد طوابير البطالة بالمجتمع.

وتحت بند الهيكلة أيضا، قد يتم اللجوء إلى إحلال العمالة القديمة بعمالة جديدة أقل في الأجور، وبعقود عمل مؤقتة، أو بدون عقود.

مقاومة اجتماعية محتملة

- ستساهم عمليات الخصخصة في اهتزاز الأمن الاجتماعي لقطاع من العمالة، ما ينعكس على الأمن الاجتماعي للمجتمع ككل، كما ستؤدي عمليات الخصخصة الجزئية إلى ازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء، وازدياد عبء البطالة والعوز الناتج من ضعف الأجور، لأن الشركات سوف تتحكم في العمالة لتقبل بمعدلات دخول أقل وساعات عمل أكثر، أي علاقات عمل أكثر استغلالا.

- سيزداد مفهوم الاستلاب والاغتراب، ويصبح ملحوظا، وستشعر كتل عمالية بقدر الانفصال ما بين وسائل الإنتاج ومردود العملية الإنتاجية من أرباح وإنتاج. سيشعر العامل بأنه مستلب، ويعمل لدى الغير دون تقدير وتحت ظروف عمل قاسية، على عكس إحساس العمال بالأمن الوظيفي والاستقرار في إطار من عملية المحاسبة والرقابة والإثابة والحافز الإنتاجي.

- ستكون العاملات من بين ضحايا هذه الطروحات، نظرا لأنها دوما تكون مستهدفة من برامج المعاش المبكر، وضرورة التخلص منها من زاوية أن عمل المرأة في فترة عمرية ما يكون عبئا على المستثمر، نظرا لما تتحمله من مسؤوليات مضاعفة، كمسؤولية الأسرة والإنجاب وغيرها من الأدوار الاجتماعية.

- ستساهم عملية الخصخصة الجزئية (طروحات الشركات) في تركيز الثروات وملكية وسائل الإنتاج في يد فئة محدودة، وكما صاحبت عمليات الخصخصة والتصفية في مرحلة التسعينيات وما تلاها حركات احتجاجية، سوف نشهد على أثر المظالم العمالية حركة تقاوم العصف بحقوق العمال، وتقاوم فساد الخصخصة، وعمليات نهب الشركات أو محاولات تصفيتها، وتسريح العمالة، وسيكون المشهد العمالي ساخنا، خاصة مع ازدياد أعباء الحياة على العمال ذوي الدخول الثابتة، وإذ توافر ظهير مساند للعمال سوف يقوي ذلك الحركة العمالية في دفاعها عن حقوقها وعن ملكية الشركات، وضد محاولات بيعها أو تصفيتها.