حروب ترامب التجارية واتفاق الغاز

حروب ترامب التجارية واتفاق الغاز

08 مارس 2018
ترامب مصرّ على سياسته رغم خطورتها (Getty)
+ الخط -

تجاهلت دول العالم، من حلفاء أميركا وشركائها التجاريين، خلال العام الماضي، شطحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي كانت تتعارض في كثير من الأحيان مع قيمهم، أو مع الكثير مما كانوا يبشرون به! وكان ذلك يرجع بالأساس إلى عدم تعارض مصالحهم، بصورة مباشرة، مع توجهاته.

حتى إذا جاء ترامب على واديهم، وشرع في فرض السياسات التي تتعارض مع مصالح شعوبهم، هبوا صارخين، غير عابئين بما للولايات المتحدة الأميركية من مكانة عالمية، وغير مكترثين لأية تحالفاتٍ معها. حتى رئيس الوزراء الكندي، المهذب الخلوق، كشر عن أنيابه أخيراً وأكد أنه سيبذل ما في وسعه، حماية لمصالح مواطنيه. فماذا فعل ترامب ليستفز كل هؤلاء بهذه الصورة غير المسبوقة؟

في أوائل فبراير/ شباط الماضي، قامت وزارة التجارة الأميركية بإجراء بعض التحقيقات حول الواردات الأميركية، خلصت منها إلى أن واردات الولايات المتحدة من الصلب والألمنيوم، على وضعها الحالي، تمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي، واقترحت فرض تعرفات جمركية عليها، أو تطبيق نظام الحصص عند الاتفاق على استيرادها.

تلى ذلك تأكيدٌ على المضمون نفسه من وزارة الدفاع، على الرغم من اعترافهم بأن السياسات الحمائية قد تؤثر سلبياً على بعض الحلفاء، إلا أنهم رأوا في استمرار استيراد السلعتين، في ظل سياسات تجارية غير عادلة، هو فعلاً تهديدٌ كبيرٌ للأمن القومي الأميركي.

واستناداً إلى قانون أميركي، نادراً ما يتم استخدامه، قرر ترامب فرض تعرفة جمركية بنسبة 25% على واردات الصلب و10% على واردات الألمنيوم. وعلى الرغم من معارضة الكثيرين من مستشاري ترامب للقرار، بمن فيهم كبير مستشاريه الاقتصاديين غاري كوهن، فإن ترامب يبدو عازماً على المضي قدماً في إصدار هذا القانون، تطبيقاً لمبدأٍ أعلنه مراراً، وهو أن "أميركا أولاً". 


ويرى ترامب أن هذه التعرفات الجمركية، حال تطبيقها، ستقلل الواردات الأميركية من السلعتين، وستزيد من إنتاجهما في الولايات المتحدة الأميركية، بما يسمح بزيادة الاستثمار فيهما، وبالتالي خلق المزيد من الوظائف للشعب الأميركي.

أغضب ترامب حلفاءَه في أنحاء العالم بهذه الخطوة. لأنهم رأوها مؤثرة على الطلب على منتجاتهم في الولايات المتحدة، لأنها ترفع الكلفة بالنسبة للمواطن الأميركي، وقد يؤدي ذلك إلى تكبيد الشركات المصدرة للولايات المتحدة خسائر فادحة، كما أنه سيؤدي بالضرورة إلى فقدان الكثير من العاملين لوظائفهم.

وتوعد كبار المسؤولين في كندا والاتحاد الأوروبي ودولٍ أخرى بالرد بقوةٍ على التعرفات الجديدة التي ينوي ترامب فرضها.

وأعلن الاتحاد الأوروبي، أكبر مستورد في العالم للمنتجات الأميركية، أنه سيرد بالمثل، وأنه سيفرض تعرفات جمركية على وارداته من الولايات المتحدة، بداية من السراويل "الجينز"، إلى الدراجات النارية، وحتى الخمور، وغيرها من السلع التي اعتادت الولايات المتحدة تصديرها لحلفائها.

ولا يخفى على أحد ما يمكن أن يحدثه إجراءٌ مثل ذلك من تخفيض للطلب على الصادرات الأميركية، ولن يفيق العالم من هذا الكابوس من الإجراءات الانتقامية المتبادلة، إلا وتكون التجارة العالمية قد انخفضت بنسبة كبيرة، من جراء تلك السياسات الحمائية، وهو ما يعود بالخسارة على الجانبين.

فعلى عكس ما قاله ترامب بثقة، فإن الحروب التجارية ليس من السهل الانتصار فيها، وعادة ما تكون جميع الأطراف خاسرة، ولا يدفع ثمن الخسارة إلا مواطنو الدول التي تنخرط في تلك الحروب.

تخوض الدول حروباً، وتقاتل بشراسة، حماية لمصالحها التجارية، والتي يأتي على رأس الأولويات فيها، زيادة الصادرات إلى دول العالم المختلفة. فزيادة صادرات أي دولة، تدر عليها العملات الأجنبية، وهو ما يسهل لها استيراد ما تحتاج، كما يحميها من الوقوع في فخ الديون الخارجية.

وتدفع الصادرات الطلب على المنتجات الوطنية، وهو ما يدعم الشركات المصدرة، ويزيد من أرباحها، وبالتالي يدفع معدلات نمو الاقتصاد إلى أعلى، ويخلق المزيد من الوظائف. وتساهم عائدات التصدير في زيادة الإنفاق الاستثماري في التعليم والصحة والخدمات الأخرى التي تعمل الحكومات على توفيرها لشعوبها، كما أشار بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، عند احتفاله بتوقيع اتفاق تصدير الغاز لمصر بما قيمته خمسة عشر مليار دولار قبل أسبوعين.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد سقوط القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي في اليابان، كانت اليابان مهزومة ومحطمة تماماً، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومعنوياً، وشكك الكثيرون في إمكانية عودتها مرة أخرى، لكن في أقل من عشرين عاماً، استطاع اليابانيون أن يعيدوا بناء إمبراطوريتهم، وكان التصدير أحد أهم أسلحتهم في معركة إعادة بناء الاقتصاد.
كذلك فعلت الصين في العقود الثلاثة الأخيرة، عندما غزت العالم بصادراتها، حتى أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم!

والتأثير الإيجابي نفسه لزيادة الصادرات يمكن ملاحظته في أكبر الاقتصادات، من ألمانيا وفرنسا وروسيا وبريطانيا والهند، إلى دول أميركا اللاتينية الناشئة، وحتى النمور الآسيوية في أوج مجدها، لم تكن لتتمكن من تحقيق ما حققته من معدلات نمو مرتفعة، وإعادة توزيع الدخل، إلا عن طريق الاهتمام بالصادرات والعمل على زيادتها.

زيادة الصادرات هي مفتاح تحقيق المعجزات الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية للشعوب. ومن أجل زيادة الصادرات تتصارع الدول على الأسواق، وتنفق على البحوث العلمية لخلق الميزات التنافسية لمنتجاتها. فالصادرات هي القاطرة التي تجر الاقتصاد كله، وبزيادة الصادرات تتعلم الدول تطوير منتجاتها، وكيفية تحقيق وفورات عالية النطاق، وبالتالي تحقيق مستويات أعلى من الكفاءة الاقتصادية.

الحكومات الذكية تسخر السياسة لتحقيق أهداف تجارية، بزيادة الصادرات، ولا تبرم اتفاقات استيراد مصادر طاقة أو أسلحة من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو اكتساب شرعية أو إرضاء قوى دولية، وهذا وحده يبين لنا من "سجل هدفاً" في من بتوقيع اتفاق تصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر على مدار الأعوام العشرة القادمة.