الجيش المصري يؤجر أراضي الدولة للمزارعين

الجيش المصري يؤجر أراضي الدولة للمزارعين

22 مارس 2018
شح المياه يعطّل مشاريع استصلاح الأراضي في مصر (Getty)
+ الخط -
اتخذ الجيش المصري إجراءات جديدة لتوسيع نفوذه الاقتصادي، عبر قيامه بتأجير الأراضي الزراعية للمواطنين بشكل مباشر بدلاً من الإجراءات الرسمية التي كانت تحيل هذا الموضوع إلى مؤسسات مختصة، وبدأ الجيش بتأجير أراض كانت مخصصة لمشروع استصلاح 1.5 مليون فدان، في "الوادي الجديد"، أكبر محافظة في البلاد من حيث المساحة.
وكشفت مصادر مسؤولة لـ "العربي الجديد" أن القوات المسلحة في مصر طرحت مساحات من الأراضي في محافظة الوادي الجديد (جنوب غرب) للإيجار للأفراد من أجل زراعتها. وأكدت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن الراغبين في تأجير الأراضي يدفعون للقوات المسلحة نصف مليون جنيه (28.5 ألف دولار) على دفعتين، في مقابل الحصول على قطعة أرض مساحتها 100 فدان، على أن يتم تحصيل 3 آلاف جنيه (170 دولارا) رسوم إيجار للفدان الواحد كل عام.
وقالت المصادر، التي تعمل في ديوان محافظة الوادي الجديد، إن تلك الأموال تسدد مباشرة لضابط القوات المسلحة المسؤول عن المشروع والمتواجد في ديوان المحافظة، من دون استيفاء الإجراءات الطبيعية الرسمية التي تؤجّر عبرها الدولة الأراضي للأفراد، فيما يُعرف بحق الانتفاع، ورسميًا يكون ذلك من خلال شركة الريف المصري، المسؤولة عن إدارة تسويق وتوزيع أراضي مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان، أمام المستثمرين والمنتفعين وشباب الخريجين.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أعلنت المحافظة شروط توزيع الأراضي الزراعية على شباب المحافظة، وقال محافظ الوادي الجديد، اللواء محمد الزملوط، في تصريحات صحافية، إن المساحة من 200 فدان إلى 250 فدانا سيخصص لكل بئر، وإن لكل شاب من 3 إلى 5 أفدنة طبقا لعدد المتقدمين، مضيفاً أن نظام التمليك عبارة عن أسهم وليس ملكية أرض، من خلال دخول المستفيدين أعضاء مساهمين في الجمعية.




وأوضح المحافظ أن المستفيد يلتزم بسداد قيمة السهم بواقع 1000 جنيه لكل فدان، والتوقيع على مستندات البنك، باعتباره المدين الأصلي والصندوق ضامن، على أن يسمح للمستفيد أو مستفيدين مجتمعين بإنشاء مزارع إنتاج حيواني ودواجن على مساحة لا تزيد عن 2% من مساحة الأرض، وتحت إشراف الجمعية الزراعية ومديرية الزراعة والطب البيطري. وأكد المحافظ أن التوزيع لخريجي كليات الطب البيطري والزراعة ودبلوم الزراعة، على ألا يكون من العاملين في الحكومة أو القطاع العام أو الخاص، وألا يكون حائزا على أراضٍ زراعية داخل الوادي الجديد.
أما الأراضي التي طرحتها القوات المسلحة من دون الإعلان عنها في وسائل الإعلام، فلا تخضع لكل تلك الإجراءات. فبحسب المصادر، يكفي أن يتوجه أي شخص للموقع ويدفع 250 ألف جنيه للضابط المسؤول لكي يحصل على 100 فدان. وبعد مرور 60 شهرا يقوم بدفع باقي المبلغ 250 ألفا أخرى، بالإضافة إلى إيجار الفدان الذي يصل إلى 3 آلاف جنيه، تتغير كل 5 سنوات، بزيادة تحددها القوات المسلحة. ثم يقوم بعد ذلك بحفر البئر اللازمة لاستخراج المياه التي يستخدمها في الزراعة، وتصل كلفة حفر البئر الواحدة إلى 350 ألف جنيه بعمق 120 مترا.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أعلن عن مشروع استصلاح مليون ونصف المليون فدان في منطقة الفرافرة بمحافظة الوادي الجديد، وكان المشروع أحد الركائز القومية الرئيسية الثلاث التي أعلن عنها السيسي منذ توليه الرئاسة في 2014، بجانب شبكة الطرق وتفريعة قناة السويس الجديدة. ولكن مشروع استصلاح الأراضي واجه صعوبات عديدة عطّلت تنفيذه، وأهمها عدم توافر التمويل اللازم، وشح المياه، خاصة مع استمرار أزمة سد النهضة مع إثيوبيا.
المشروع تكفلت عدة جهات بتنفيذه، كان في مقدمتها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ووزارتا الزراعة والري، بالتعاون مع محافظة الوادي الجديد. وتم الإعلان عن تنفيذ المرحلة الأولى، باستصلاح عشرة آلاف فدان تمت زراعتها بمختلف المحاصيل، فضلا عن إقامة 3 قرى نموذجية للريف المصري تستوعب ما يقرب من 2500 أسرة، وحفر عدد من الآبار الجوفية. وفي نهاية العام الماضي، أعلن عن الطرح الثاني "المرحلة الثانية" من مشروع المليون ونصف المليون فدان. وقال رئيس شركة الريف المصري، المسؤولة عن إدارة أراضي مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان، عاطر حنورة، إن الطرح سيكون على 43 ألف فدان في منطقة غرب المنيا، تمثل 180 قطعة أرض، مشيرًا إلى أن سحب كراسة الشروط يستوجب سداد مبلغ 10 آلاف جنيه، على أن يتم تحديد موعد قرعة اختيار الفائزين بالأراضي في وقت لاحق.




ولكن بالنسبة للوادي الجديد، أكدت المصادر أن القوات المسلحة هي فقط التي تقوم بتحصيل الأموال من الراغبين في استئجار الأراضي، بعيدًا عن وزارة المالية ووزارة الزراعة والموازنة العامة للدولة بشكل عام، على الرغم من أن البنية الأساسية للمشروع من طرق وكهرباء ومرافق أخرى تم تمويلها من ميزانية الدولة.
فنيًا، يرى وزير الري الأسبق، محمد نصر الدين علام، أن هناك أزمة ستواجه استمرارية المشروع تتمثل في نقص المياه الجوفية، خاصة أنه يعتمد على 20% على مياه نهر النيل، و80% على المياه الجوفية. وقال علام، في تصريحات سابقة "لديّ شك كبير في أن المياه هناك تكفي لري هذا المشروع في ظل مساحته الكبيرة".
وبالفعل، أعلن رئيس قطاع المياه الجوفية في وزارة الري، سامح عطية صقر، أن المياه الجوفية المتاحة في مصر كلها لا تكفي إلا لزراعة 26 %‎ فقط من إجمالي المشروع.

المساهمون