صراع الهيمنة التجارية... أميركا تقود تكتلاً لمواجهة الصين

صراع الهيمنة التجارية.. أميركا تقود تكتلاً لمواجهة "حرير" الصين

19 فبراير 2018
تمدد الصين يزيد قلق أميركا من العزلة التجارية (Getty)
+ الخط -


اتخذت الولايات المتحدة الأميركية خطوات نحو إنشاء تكتل عالمي جديد للسيطرة على الطرق والمنافذ الدولية، لمواجهة طريق الحرير الصيني، الذي وصل إلى دول عدة في آسيا وأوروبا وأفريقيا، ليبدو أن معالم صراع على الهيمنة الاقتصادية والتجارية الدولية بدأت تتعاظم وتتسع رقعتها.

ولم تعد المواجهة بين واشنطن وبكين تقتصر على الضغوط والقيود المتبادلة على سلع كل منهما، التي سيطرت على الأجواء، لا سيما منذ تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، مطلع العام الماضي، 2017، وإنما خرجت إلى نطاقات دولية، وسط مساع أميركية إلى هدم جسور الصين التجارية وليس منافستها، وفق ما كشف عنه مسؤول أميركي.

واليوم الإثنين، نقلت صحيفة أستراليان فايننشال ريفيو، عن مسؤول أميركي كبير، قوله إن الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليايان تناقش مشروع بنية تحتية دولية مشتركاً كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية (طريق الحرير) سعياً لمواجهة اتساع نطاق نفوذ بكين.

وذكرت الصحيفة نقلا عن المسؤول الذي لم تسمه، أن الخطة التي تضم الشركاء الأربعة ما زالت وليدة وستكون على جدول أعمال المحادثات بين رئيس وزراء أستراليا مالكوم ترنبول والرئيس الأميركي دونالد ترامب في الولايات المتحدة هذا الأسبوع، مضيفا أن الوصف الأمثل للخطة أنها "بديل" لمبادرة الحزام والطريق وليس "منافساً" لها.





لكن يوشيهيدي سوجا، وزير شؤون مجلس الوزراء في اليابان، قال في مؤتمر صحافي، وفق ما نقلته وكالة رويترز، أمس، إن "الأمر ليس للتصدي لمبادرة الحزام والطريق الصينية"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند تتبادل وجهات النظر بشأن القضايا محل الاهتمام المشترك بشكل دوري.

وتعد الصين قوة اقتصادية صاعدة يقدر حجم اقتصادها بـ10 تريليونات دولار، بينما يقدر حجم الاقتصاد الأميركي بنحو 16.77 تريليون دولار.

وباتت مبادرة حزام طريق الحرير، التي أطلقتها الصين عام 2013، تحظى بانضمام عشرات الدول، حتى باتت دول أوروبية كبرى تسعى وراء الاستفادة منها، بينما كانت من أكثر حلفاء أميركا اقتصاديا في السنوات الماضية.

وخلال زيارته لبكين في يناير/ كانون الثاني الماضي، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الصين وأوروبا للتعاون في إطار مشروع طريق الحرير، مشيراً إلى ضرورة فتح الأسواق بهدف ترسيخ العلاقات التجارية. وقال ماكرون "هذه الطرق مشتركة ولا يمكن أن تكون ذات اتجاه واحد".

وسبقت المجر فرنسا إلى طريق الحرير، حيث انضمت إلى المبادرة كأول دولة أوروبية في يونيو/ حزيران 2015، فيما بدأت الصين في خطوات لكسب ألمانيا وإيطاليا ودول أخرى.

ويعد طريق الحرير أضخم مشروع اقتصادي تطلقه الصين، ويشمل مشاريع للسكك الحديدية والطرق السريعة والمرافئ والطاقة تتجاوز قيمتها 1.2 تريليون دولار، ويغطي مناطق الصين وغرب آسيا وأوروبا، وانضم إليه حتى الآن نحو 65 بلداً.

ويهدف الطريق إلى إنشاء مسارات تجارية متفق عليها بين عدد كبير من الدول، وبمبادرة اقتصادية واحدة، بحيث يتم تبادل المشاريع والصفقات والأدوات التجارية والمالية وصولاً إلى عولمة جديدة، تعتبر الصين أنها ستكون لصالح الشعوب.

وبجانب التمدد الصيني في آسيا وأفريقيا خلال العقدين الماضيين، بدا واضحا خلال السنوات الأخيرة أن قطار نفوذها بدأ يصل إلى أوروبا التي وصلت سلعها إليها عبر قطارات شحن متعددة الوجهات.

فخلال أقل من عشرين عاما، باتت الصين أول شريك اقتصادي مع أفريقيا، ووصلت المبادلات التجارية بين الطرفين إلى 190 مليار دولار عام 2016، وباتت أهم من المبادلات مع الهند وفرنسا والولايات المتحدة مجتمعة، حسب أرقام تم الإعلان عنها خلال المنتدى الصيني الأفريقي للاستثمار في مدينة مراكش المغربية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017. وبعد كينيا وإثيوبيا ومصر وجيبوتي، انضم المغرب إلى المشروع.

كما تشتمل المبادرة الصينية على عدة مشاريع كبرى، ففي باكستان تقود الصين عملية تحويل ميناء جوادر في جنوب البلاد إلى مركز للطاقة يربط الصين بالشرق الأوسط. ويتضمن هذا المشروع بناء طريق وشبكة أنابيب تمتد من ميناء جوادر إلى غرب الصين، وهو ما يقلص رحلة استيراد مواد الطاقة من 12 ألف كيلومتر عبر البحر إلى 3 آلاف كيلومتر، وقد بدأت فعلاً الأشغال في شبكة الطرق وتوسيع الميناء.

وتمت إقامة ربط بين إيران والصين عبر السكك الحديدية في 2016، بالإضافة إلى بوابة خورجوس، وهي مركز رئيسي لشحن البضائع ما بين الصين وكازاخستان يتم العمل فيه حاليا، ومن المتوقع أن يتم تمديده في إطار مبادرة الحزام الاقتصادي.

كما أن هناك مشاريع واعدة أخرى في غاية الأهمية لم يبدأ العمل فيها بعد، ومن بينها مشروع الربط عبر السكك الحديدية بين بكين وموسكو (7 آلاف كيلومتر)، وجنوب الصين وماليزيا وسنغافورة (3 آلاف كيلومتر)، علاوة على ميناء في المياه العميقة في سريلانكا.

ولتمويل المبادرة، أعلنت الصين في القمة الخاصة بطريق الحرير في مايو/ أيار 2017، أنها ستنفق 124 مليار دولار على المشاريع، في حين أنها قدمت في السابق قروضاً بقيمة 890 مليار دولار من خلال بنوك التنمية والبنوك متعددة الأطراف الصينية.



وفي تحليل اقتصادي لبنك قطر الوطني في يوليو/ تموز الماضي، فإن ثمة ثلاثة أسباب وراء إقدام الصين على هذا المشروع الطموح والمكلف.

ويرجع السبب الأول، وفقا للتحليل، إلى أن تباطؤ النمو في الاقتصاد الصيني، قد أدى إلى فائض في الطاقة الإنتاجية، خصوصاً في المشاريع الكبيرة لتنمية البنية التحتية والتي اكتسبت فيها الشركات الصينية خبرة جيدة، وبإمكان المبادرة أن تفسح مجالاً لتصدير هذه الطاقة الإنتاجية والمهارات التكنولوجية التي من شأنها أن تشكل عامل دفع للاقتصاد المحلي.

كما أنه (ثانياً) ما يزال هناك فائض كبير في المدخرات المحلية بالصين، لذا فإن صناع القرار يرون أن الاستثمار الخارجي في المشاريع التي تشرف عليها وتقودها الصين هو وسيلة مهمة لتوجيه تلك المدخرات إليها.

أما السبب الثالث، فيشير إلى أنه من المفترض أن تجني الصين فوائد من زيادة حجم التدفقات التجارية، فمن بين جميع الأطراف المشاركة في مبادرة حزام طريق الحرير، يرجح أن يستفيد المصدرون الصينيون والقطاعات الصينية المرتبطة بالتجارة أكثر من غيرهم، فالمبادرة ستخفض تكاليف النقل وتقلل أوقات التسليم وتحسن إمكانية الوصول للأسواق النامية والناشئة.

وتطمح الصين لرفع حجم التجارة بينها وبين دول الحزام إلى نحو 10 تريليونات دولار خلال خمس سنوات. وبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في مايو/ أيار الماضي، فإن الصين تنتج نحو 1.1 مليار طن من الفولاذ سنوياً (وهي كمية تعادل تلك التي تنتجها كل دول العالم الأخرى)، ولكنها لا تستهلك داخليا إلا 800 مليون طن.

وفي مقابل التمدد الصيني، باتت الولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد من إمكانية تعرضها للعزلة، لا سيما مع تبني ترامب سياسات حمائية أغضبت الشركاء التجاريين لأميركا، خاصة الدول الكبرى في أوروبا وعلى رأسها ألمانيا، بالإضافة إلى كندا والمكسيك.

وربما يكون العالم على وشك الدخول في "حرب باردة جديدة"، هذه المرة ستدور رحاها بين واشنطن وبكين، وليس بين واشنطن وموسكو، كما كان الحال طوال العقود الأربعة التي تلت الحرب العالمية الثانية، وانتهت بسقوط وتفكك الاتحاد السوفييتي.

المساهمون