الحروب ومعدلات النمو العربي

الحروب ومعدلات النمو العربي

15 فبراير 2018
تراجع واضح في معدل دخل الفرد عربيا (فرانس برس)
+ الخط -
حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، سوف يكون النمو المتوقع للاقتصاد الأردني، خلال العام الماضي 2017، حوالي 2.1%، هذا على أحسن الأحوال.
وتصاعدت نسبة البطالة إلى 20%، ونسبة الفقر إلى أكثر من ذلك. ولكن الحكومة، في التقرير الذي رفعته إلى الملك عبد الله الثاني، قالت إن نسبة البطالة 18.5%، وإن نسبة النمو تقارب 2.5%. وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي، جاء الأردن في المرتبة الـ 48 في نسبة النمو، من بين 90 دولة ومنطقة.

أما عربياً، فقد جاء العراق الأول بمعدل نمو بلغ 10.09%، وفي المرتبة الثانية الضفة الغربية بنسبة 5.1%، ثم مصر (4.5%)، تلتها الجزائر بنسبة 4.2%، فسلطنة عُمان (3.9%) فجيبوتي (3.8%)، فالصومال بنسبة (3.7%)، فقطر (2.7%) فالإمارات العربية المتحدة (2.7%)، فالكويت (2.5%)، فالمملكة العربية السعودية (1.4%)، فلبنان (1.0%)، فتونس (1.0%)، بينما جاءت نسبة النمو في دول بالسالب وهي ليبيا (تراجعت نسبة النمو فيها بمقدار 6.1%)، فسورية (9.9%) فقطاع غزة بنسبة (15.2%)، فاليمن بنسبة (28.10%).

وتكشف هذه الصورة الحزينة للنمو العربي عام 2017 الحقائق التالية:

أولا: لا تتوفر حتى اللحظة معلومات عن بعض الدول العربية، مثل موريتانيا وجزر القمر.
ثانياً: ثلاث دول عربية عانت من نسب نمو سالبة، بالإضافة إلى قطاع غزة الذي يكابد تحت وطأة الحصار الاقتصادي المفروض على القطاع كلياً من إسرائيل، وجزئياً من مصر، حسب حالة التوتر في شمال سيناء.
ثالثاً: عانى الأردن والمغرب والسودان والمملكة العربية السعودية ولبنان وتونس وليبيا وسورية وقطاع غزة واليمن، من تراجع واضح في معدل دخل الفرد، فالأردن زاد سكانه بفعل النمو الطبيعي في السكان، وبسبب نزوح اللاجئين إليه، والحال مع لبنان كذلك. أما ليبيا وسورية واليمن، فهي ما تزال تعاني بفعل الحرب، وتراجعت معدلات دخل الفرد فيها من ناقص 8.1% في ليبيا إلى 30% في اليمن.

رابعاً: كان معدل نمو دخل الفرد العربي في الوطن العربي كله قريباً من الصفر، بينما لم يزد النمو الإجمالي عن 2.5% على أقصى حد.
خامساً: إن دولة مثل العراق بدأت تشهد هدوءاً نسبياً أكبر، وعادت لتضخ النفط من كثير من آبارها بعد إصلاحها وترميمها. ولذلك، نرى أن العراق الذي تراجع معدل النمو فيه باستمرار حتى عام 2015، قد استعاد بعضاً من عافيته عام 2016، وقفز قفزة واسعة بنسبة أكثر من 10% عام 2017.

وأما الضفة الغربية، فإن ظرفها السياسي والأمني الصعب قد ربط اقتصادها، بفعل سياسات حكومة نتنياهو، بالاقتصاد الإسرائيلي، فنما بتسارع أكبر. ولكن الخشية أن تشمل إحصاءات الضفة الغربية إنتاج المستوطنات الإسرائيلية، ما يعطي انطباعاً خاطئاً عن معدلات النمو الفعلية للسكان الفلسطينيين فيها.
أما النمو في الاقتصاد المصري، فقد نتج عن تخفيض الجنيه المصري، وزيادة حركة البناء والعمران، وارتفاع عائدات قناة السويس، وزيادة حوالات المصريين العاملين في الخارج، وزيادة المساعدات والقروض المقدمة لمصر بالدولار، ما يرفع من قيمتها بالجنيه المصري.

سادساً: لا بد من الالتفات إلى أن المغرب وتونس حققا معدلات نمو متدنية، وتراجع فيهما معدل دخل الفرد كذلك، على الرغم من سعي البلدين الحثيث من أجل جذب الاستثمار الخارجي. ولا شك أن البلدين بحاجة إلى دفعةٍ قويةٍ لزيادة معدلات النمو، لأن الوضع الراهن فيهما قد يكون له انعكاسات أمنية، إذا لم تتطور الأوضاع فيهما بشكل ملموس من الطبقتين، المتوسطة والفقيرة، خصوصا بين صفوف الشباب الذين أغلقت أبواب العمل المتاحة لهم في أوروبا ودول الخليج.

سابعاً: ما لا شك فيه أن دول الخليج التي دخلت في حالة المقاطعة الاقتصادية، وواجهت كلف الحرب وكسب التأييد للمواقف المتضاربة قد أثرت على حجم صادراتها ووارداتها لصالح التراجع في الوفر الخارجي، ما أدى إلى تراجع معدلات النمو في هذه الدول إلى معدلاتٍ متواضعةٍ، لا تكاد تساوي معدلات النمو في أفريقيا السوداء.
وباستثناء مملكة البحرين، فإن باقي دول الخليج قد تفاوتت معدلات النمو فيها حول 2.3%، وهي بالكاد تحافظ على ثبات معدلات دخل الفرد.


ولا شك أن دول الخليج مدعوة بقوة لكي تراجع أوضاعها وسياساتها، وتتمعن في أداء قطاعاتها الاقتصادية. وإن بقيت الأمور على هذه الحال مدة أطول، فإن المركز الأدبي والاقتصادي والتمويلي لدول الخليج سوف يتراجع بشكل واضح.
ثامناً: ثبت أن سلطنة عمان التي نأت بنفسها عن المطاحنات الداخلية قد حققت لنفسها معدل نمو محترما (4.0%)، ما يؤكد ما ذكر في بند سابعاً أعلاه.

تاسعاً: ثبت كذلك أن جيبوتي، بفضل موقعها الجيوسياسي، وبفضل توسيع مينائها، وربطها بإثيوبيا عبر خط سكة حديد، ووجود حاميات عسكرية فيها لحوالي سبع دول، هو ما رفع معدل النمو فيها إلى 3.8%، وهو أيضاً معدل محترم، ويتوقع أن تشهد جيبوتي وضعاً أفضل في الأعوام المقبلة.
بعد هذا العرض لبعض الحقائق الاقتصادية، سوف تبرز النقطة الأساسية أن بقاء حالة الاحتراب والحروب والفتن سوف يعمق مأساة بعض الدول العربية، خصوصا سورية، وقطاع غزة واليمن وليبيا. وإن النمو الآن صار أقرب إلى الاختفاء من قواميس الدول العربية، خصوصا في دول الخليج كلها، باستثناء سلطنة عمان، وإلى حد ما دولة الكويت.

وعلى الأردن أن يبدأ فوراً بمواجهة الحقائق، واتخاذ الإجراءات التي تشجع النمو الاقتصادي.
لا يقدم الوضع الاقتصادي العربي عام 2017 ما يشجع، ولكنه يوضح الحل المطلوب. اصطلحوا أيها العرب فيما بينكم، حتى لا تذوب أرصدتكم من وطأة نار الفتنة والحروب.


دلالات

المساهمون