سر هدوء أسواق الصرف رغم اضطراب البورصات العالمية

سر هدوء أسواق الصرف رغم اضطراب البورصات العالمية

12 فبراير 2018
متابعة مؤشرات العملات في طوكيو (بهروز ميهري/ فرانس برس)
+ الخط -



كيف استجابت أسواق الصرف لتقلبات البورصات العالمية، خلال الأيام الماضية؟ وإلى أين تتجه أسواق المال خلال الفترة المقبلة؟ هذا هو السؤال الذي يشغل حالياً بال المستثمرين في أميركا وبقية دول العالم. 

حتى الآن، أفلتت أسواق الصرف العالمية من "المجزرة المصغرة" التي شهدتها البورصات العالمية وأفقدتها، حتى نهاية الأسبوع، حوالى 5 تريليونات دولار.

وهي "مجزرة مطلوبة" لسحب بعض التورم المحتقن في أسواق المال ويهدد بنسفها تماماً إذا لم يحدث مثل هذا التراجع، الذي يُذكّر المضاربين بأن طبيعة السوق هي أن "ترتفع يوماً وتنخفض في آخر"، وليس الارتفاع المتواصل.

والسبب في إفلات أسواق الصرف يعود ببساطة، وبحسب خبراء الصرف، إلى أن المتعاملين في أسواق العملات نظروا إلى ما حدث من قلق واضطراب في سوق الأسهم، بمنظار العقل وأسس الاقتصاد الرئيسية التي تخلق دورات الانتعاش والكساد أكثر من نظرائهم في البورصات العالمية الذين سيطر عليهم القلق في أول تراجع كبير يحدث في بورصة "وول ستريت"، التي تفوق قيمتها السوقية أكثر من 25 تريليون دولار، وتتم المتاجرة فيها في سندات الخزانة الأميركية البالغة قيمتها 14 تريليون دولار، حسب صحيفة "فاينانشيال تايمز".

وعادة ما تقود بورصة "وول ستريت" بهذا الثقل المالي الضخم توجهات أسواق المال العالمية، ارتفاعاً وهبوطاً. وفي هذا الصدد من المفيد ذكر أن سوق المال الأميركية ارتفعت بنسبة 27% خلال 13 شهراً حتى يناير/ كانون الثاني الماضي. وهو معدل تاريخي لم تشهده البورصة في تاريخها.

ويرى الخبير المالي في مصرف "كوميرس بانك" الألماني، انتيغي بريفسك، أن "المتعاملين في سوق العملات ركزوا أسس الاقتصاد الكلي أثناء أيام الاضطراب ولم ينتبهم الذعر حينما نظروا إلى تحول مؤشرات الأسهم العالمية من اللون الأخضر إلى الأحمر".

وأضاف في تعليقات نقلتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" قوله: "أسواق الصرف لا يمكنها أن تتجاهل كلياً ما يحدث من فوضى في أسواق الأسهم ولكنها تجاوبت بهدوء، ولذلك قلة من المتعاملين تعرضوا لخسائر".
من جانبه، قال الاستراتيجي بوحدة الصرف في مصرف "سوسيته جنرال" الفرنسي، لي هاردمان، "لقد كانت هنالك تداعيات طفيفة لاضطراب البورصات على أسواق الصرف".

وأشار الاستراتيجي هاردمان، إلى أن قلة من المستثمرين كانوا ضحايا لهذه الاضطرابات مقارنة لما حدث في السابق.

وقال في هذا الصدد "كان المستثمرون الذين تكبدوا أكبر الخسائر في أزمة المال العالمية في العام 2007، من الذين استثمروا بكثافة في تمويلات المساكن وشراء سندات القروض العقارية، أما في العام الجاري فقد انحصرت الخسائر في المستثمرين بسوق العملات الرقمية". ومعروف أن جل المستثمرين بسوق العملات الرقمية ليسوا من كبار التجار وإنما من عامة الناس.

وبالتالي، كان تركيز المتعاملين في أسواق الصرف على توجهات النمو الاقتصادي واحتمال ارتفاع أسعار الفائدة ومستويات الديون المرتفعة التي تراكمت لدى الشركات في كل من أميركا وأوروبا والصين، والتضخم.

يضاف إلى هذه المخاوف التداعيات التي ستحدثها "نقطة الانقلاب في منحنى الفوائد على القروض"، إذ إنه من المتوقع أن تتحول البنوك المركزية من سياسة التيسير الكمي والأموال الرخيصة إلى سياسة رفع الفائدة بناء على المؤشرات الاقتصادية.

وذلك في أعقاب التأكد من أن الاقتصاد الأميركي وجل الاقتصاديات الكبرى قد خرجت من براثن الكساد الذي كان يخيف البنك المركزي الأميركي منذ أزمة المال العالمية في العام 2008.

وعلى صعيد ما يحمله المستقبل لسوق العملات، خلال العام الجاري، فإن ما يقلق المستثمرين حالياً هو توجهات الدولار الذي تواصل ضعفه، خلال العام الماضي وحتى نهاية يناير/ كانون الماضي، ولكنه يتجه حالياً للارتفاع، ولكنه ارتفاع طارئ ومن غير المحتمل استمراره.

مخاوف المتعاملين في أسواق الصرف تتركز على تداعيات ارتفاع ديون الشركات والمصارف الغربية على قدرتها على خدمة الديون، حينما ترتفع الفائدة، أي حينما تتحول الأموال من "الرخصة إلى الغلاء". ويذكر أن جل الشركات الأميركية والعالمية استدانت بكثافة وراكمت قروضاً دولارية خلال دورة الفائدة الصفرية واستثمرتها في سوق الأسهم.

وتتجه الفائدة الأميركية حالياً نحو الارتفاع، كما يتجه معدل التضخم في أميركا كذلك نحو حاجز 2.0%. ويحدث ذلك في وقت ينمو فيه الاقتصاد بقوة وينخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوياتها عند حاجز 4%. وهذه العوامل سيكون لها تأثير مباشر على سعر صرف الدولار وعلى سندات الخزانة الأميركية.

وعادة ما تنخفض جاذبية السندات الأميركية كلما ارتفع معدل التضخم، كما أن توجهات الصين نحو بناء نظام مالي مواز يغري العديد من الدول بالتحول من الدولار وأزماته إلى المتاجرة باليوان.

وبالنسبة لسعر الدولار المتوقع، يفترض أن تساهم هذه العوامل في رفع قيمة سعر صرف الدولار، ولكن في المقابل، فإن الدولار ينخفض.

ويتوقع خبير العملات بمصرف "غولدمان ساكس"، أن يتواصل انخفاض سعر صرف الدولار خلال العام الجاري. وهنالك مخاوف على الدولار من عاملين على الصعيد العالمي، وهما:

ـــ أولاً: تطور العلاقات بين بكين وواشنطن واحتمالات حدوث توتر تجاري وسط الضرائب التي ينوي الرئيس ترامب فرضها على بكين. وهذا من شأنه أن يؤثر على حيازة الصين من سندات الخزانة الأميركية التي تفوق حالياً 1.2 تريليون دولار.

ـــ ثانياً: افتتاح بورصة النفط الصينية في شنغهاي المتوقع يوم 26 مارس/ آذار المقبل. وكما يعد النفط المسعر عالمياً بالدولار، يعد الدولار الذي يغطى في جزء كبير منه بالنفط، أهم عملة في التجارة العالمية. وتقدر القيمة السوقية لصفقات النفط سنوياً بحوالى 1.72 تريليون دولار.

وعلى الرغم من احتمال ألا تجذب بورصة النفط المستقبلية في شنغهاي، حجماً كبيراً من المضاربين على النفط، إلا أنها ستشكل حاجزاً نفسياً على الأقل أن هنالك بديلاً لشراء هذه السلعة الأساسية بعملة مضمونة غير الدولار. وحسب التصريحات الرسمية في بكين، فإن صفقات النفط المستقبلية في البورصة ستكون مغطاة باليوان الذهبي.

الفرق بين الظروف التي تتحكم في أسواق الصرف وأسواق الأسهم، أن معادلة تحول الاقتصاد العالمي الذي ينتعش بقوة من "اقتصاد كان يعتمد طوال السنوات حتى العام 2017 على البنوك المركزية" إلى "اقتصاد يعتمد على عوامل السوق"، رفعت من مخاوف المستثمرين في الأسهم من الوقوع في "شراك الخسائر"، وبالتالي تسابقوا على البيع في أول مؤشر على هبوط سوق "وول ستريت".

وذلك تحديداً في الساعة 8:30 صباح الجمعة قبل الماضي في نيويورك، حينما أظهرت أرقام الوظائف الأميركية، أن نسبة البطالة ليست الأدنى فقط في التاريخ القريب، ولكنها مصحوبة كذلك بارتفاع في الإجور. وهذا العامل رفع من العائد على السندات إلى أعلى من 2.8%.

وعادة ما تنخفض قيمة السندات حينما يرتفع العائد بسبب الفائدة الثابتة على السندات. وحساب العائد على السندات "الفائدة ناقص معدل التضخم". وبالتالي كلما ارتفع معدل التضخم كلما ارتفع العائد.

ونظر المستثمرون في العملات إلى أن ما حدث ما هو إلا "إعادة تفكير"، أكثر من أنه تراجع، حيث إن قيمة الأسهم الأميركية لا تزال مرتفعة كثيراً فوق قيمتها الحقيقية.

وفي هذا الصدد يقول الخبير الاستراتيجي في الاستثمار لصحيفة" "فاينانشيال تايمز"، جان أرغاس، إن ما يحدث حالياً هو التفكير في استجابة السوق المالية بعد انتهاء فترة الاستدانة بالأموال الرخيصة من أجل الاستثمار وعودة سوق الأموال إلى وضعها الطبيعي.

ويرى أن نقطة "الانقلاب في سعر التمويل"، هي التي تقلق المستثمرين أكثر من العوامل الأخرى في السوق المالية.

المساهمون