العراق: اتفاقيات بـ27 مليار دولار في مهب قرارات البرلمان

العراق: اتفاقيات بـ27 مليار دولار في مهب قرارات البرلمان

09 ديسمبر 2018
العراقيون يلجؤون إلى مولدات الكهرباء لتوفير الطاقة (فرانس برس)
+ الخط -

 

تسبب قرار مجلس النواب العراقي (البرلمان) نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بإلغاء جميع قرارات الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي خلال فترة تصريف الأعمال، التي بدأت بحلول يوليو/تموز وحتى 24 أكتوبر/تشرين الأول 2018، في تجميد اتفاقيات مع شركات أجنبية من أجل تنفيذ مشروعات تنموية، ولا سيما في مجالات الكهرباء والنفط.

واعتبر محللون اقتصاديون أن خطوة البرلمان، حملت أهدافا سياسية، ولا سيما أن إلغاء الاتفاقيات شمل صفقة كبيرة لشركة جنرال إلكتريك الأميركية، بينما نفى برلمانيون ذلك، مشيرين إلى أن القرار شمل جميع اتفاقيات الحكومة السابقة خلال فترة تصريف الأعمال.

وفي رصد لـ"العربي الجديد" فإن قيمة الاتفاقيات التي أبرمتها حكومة تصريف الأعمال، تقدر بنحو 27.4 مليار دولار، كان النصيب الأوفر لصالح جنرال إلكتريك بقيمة 15 مليار دولار من أجل تنفيذ مشروعات في مجال الطاقة لإنتاج 14 غيغاواط من الكهرباء، وفق ما أعلنت وزارة الكهرباء العراقية في 21 أكتوبر/تشرين الأول.

كما جرى الاتفاق مع شركة سيمنز الألمانية في نفس الفترة، يشمل تأهيل محطات الطاقة الحالية وبناء أخرى تعمل على الغاز ومشاريع طاقة نظيفة، بقيمة 9.6 مليارات دولار.

وتضمنت قرارات الحكومة السابقة تخصيص 3.5 تريليونات دينار (2.8 مليار دولار) للبصرة جنوب العراق، و600 مليون دينار (50 مليون دولار) لمحافظة ذي قار (جنوب) ومبالغ أخرى لمحافظات المثنى (جنوب غرب) وبابل (وسط) والقادسية (جنوب) من أجل إكمال مشاريع متوقفة أو مشاريع جديدة جميعها خدمية.

وبرر البرلمان العراقي إلغاء قرارات حكومة تصريف الأعمال، لأنها جاءت بالمخالفة للدستور لإقرارها "خلال فترة انتهاء الدورة البرلمانية الثالثة وغياب الدور التشريعي".

لكن عبد الرحمن المشهداني الخبير الاقتصادي العراقي، اعتبر أن "خطوة البرلمان تحمل رسالة سياسية واضحة للأميركيين مفادها أن مجلس النواب اصطف إلى الجانب الإيراني".

وأوضح المشهداني في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "إلغاء الاتفاق مع جنرال إلكتريك جاء تعبيراً عن رفض العقوبات الأميركية على إيران، هذه الخطوة سياسية أكثر من كونها اقتصادية".

وأعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات على إيران بعد انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مايو/أيار الماضي من الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وبدأت الحزمة الأولى من العقوبات في أغسطس/آب لتشمل قطاعات مثل الشحن، فيما تطاول الحزمة الثانية التي جرى البدء في تطبيقها في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني قطاع النفط الإيراني والمؤسسات المالية.

وأوردت السفارة الأميركية في العراق على صفحتها بموقع "فيسبوك" أن "الولايات المتحدة منحت العراق إعفاء مؤقتا من العقوبات مدته 45 يوما، للسماح له بالاستمرار في شراء الغاز الطبيعي والكهرباء من إيران". وأضافت "يقدم هذا الإعفاء الوقت للعراق للبدء في أخذ خطوات نحو الاستقلالية في مجال الطاقة".

وبحسب المشهداني فإن البرلمان ألغى الاتفاقيات دون أن يحدد البديل، لا سيما وأن العراق يعاني من مشاكل كبيرة في توفير خدمة الكهرباء مع قرب انتهاء مهلة السماح باستيراد الغاز الإيراني الشهر المقبل، لافتا إلى أن العرض السعودي للتعويض عن الغاز الإيراني غير منطقي، لأنه يحتاج وقت وكلفة.

ولفت إلى أن الخسائر لن تقتصر على تعطيل تنفيذ مشروعات خدمية مهمة وإنما خسائر مالية أيضا موضحا: "يدخل الموازنة سنويا ثلاثة مليارات دولار تقدم كقرض أميركي دوري لتمويل المؤسسة الأمنية، سوف تتم خسارة هذا القرض".

وتابع أن الأميركيين سبق أن تعهدوا بحماية الأموال العراقية من الدائنين، وأن رفع هذه الحماية سيجعل أموال العراق تحت سيطرة الدول الدائنة. وقال: "الأخطر من ذلك هو أن العراق في حال اصطف إلى جانب إيران فإنه سيخسر السوق الأميركية التي يصدر إليها نحو 20% من نفطه".

لكن مسؤولا حكوميا قال إن "الحكومة الجديدة بصدد مراجعة القرارات، التي تم إلغاؤها وتقييم أهميتها ومفاتحة البرلمان في أهمية منح استثناءات، كون هناك متضررين من المواطنين من توقف مشروعات جرى الاتفاق بشأنها خلال الفترة الماضية".

وأضاف المسؤول في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هناك قرارات اتخذتها حكومة تصريف الأعمال لا تحمل بعدا سياسيا أو انتخابيا، ويجب أن تستثنى من قرارات الإلغاء التي اتخذها البرلمان".

غير أن سالم طهيمر، عضو لجنة الاستثمار والاقتصاد في البرلمان، قال لـ"العربي الجديد" إن إلغاء قرارات حكومة تصريف الأعمال لم يستهدف شركة بعينها، بل ألغى جميع القرارات والعقود التي أصدرتها وأبرمتها هذه الحكومة خلال فترة محددة، مضيفا أن "الحكومة السابقة لم تكن مخولة بإصدار قرارات مهمة بعد الأول من يوليو/تموز".

ويحتاج العراق إلى مشروعات كبرى لتأهيل البنية التحتية، ولا سيما في قطاع الكهرباء، حيث تقدر حاجته بأكثر من 23 ألف غيغاواط في الساعة من الطاقة الكهربائية، بينما يشكو المواطنون من الانقطاعات المتكررة للتيار منذ سنوات طويلة.

وتزداد نقمة السكان على الحكومة في فصل الصيف (موسم الذروة)، مع تكرار الانقطاعات في الشبكة الوطنية للكهرباء مع ارتفاع درجات الحرارة، لتصل في بعض الأيام إلى 50 درجة مئوية.

وطاول الفساد المستشري في العراق تنفيذ أغلب المشروعات والعقود المبرمة مع الكثير من الشركات. وأظهر تقرير لهيئة النزاهة العامة صادر في وقت سابق من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن العراق أنفق نحو 29 مليار دولار على قطاع الكهرباء خلال الفترة بين 2006 و2017، مشيرا إلى تنفيذ العقود تضمّن الكثير من "المخالفات".

وأشار التقرير إلى أن الطاقة الإنتاجية المحققة بلغت 16 ألف غيغاواط، وأن الطاقة الإنتاجية التصميمية نحو 33.59 ألف غيغاواط، ما يعني أن نسبة الطاقة المتحققة أقل من النصف.

وبجانب قضايا الفساد، تثير الخلافات المتكررة حول المخصصات في الموازنة العراقية قلقا متزايدا بشأن تنفيذ المشروعات التنموية وعمليات الإعمار، لاسيما في المحافظات التي شهدت تمديرا واسعا خلال الحرب ضد تنظيم داعش منذ عام 2014.

وعادت الخلافات حول الموازنة العراقية للعام المقبل 2019، خصوصا ما يتعلق بحصة إقليم كردستان ومطالب مالية لمحافظة البصرة جنوب البلاد، فيما قرر مجلس الوزراء الجديد برئاسة عادل عبد المهدي في الثامن والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إحالتها إلى البرلمان من أجل التصويت عليها، وفقا لما أعدته الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي بعد إدخال تعديلات طفيفة عليها.

وتقدر قيمة الموازنة المقبلة بنحو 128.4 تريليون دينار عراقي (107 مليارات دولار)، بعجز مالي يصل إلى 20 مليار دولار.

المساهمون