الاقتصاد التركي يستفيد من انخفاض أسعار النفط

الاقتصاد التركي يستفيد من انخفاض أسعار النفط

07 ديسمبر 2018
روسيا وإيران من أهم موردي النفط لتركيا(فرانس برس)
+ الخط -
تفضّل تركيا الصمت والترقب تجاه فقدان النفط ثلث قيمته وتهاوي الأسعار خلال الشهرين الأخيرين، فيما يؤكد خبراء ومراقبون أن انخفاض أسعار النفط يصبّ في مصلحتها بوصفها إحدى الدول المستوردة للخام.

يرى مدير المركز الاستراتيجي للدراسات الاقتصادية في إسطنبول، محمد ديمرال، أن بلاده من أكثر الدول المستفيدة من تراجع أسعار النفط، لأنها تستورد أكثر من 90% من استهلاكها من الوقود الأحفوري من الخارج، موضحاً خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن تركيا التي بلغ ناتجها المحلي 849 مليار دولار العام الفائت، تستهلك غازاً سنوياً بنحو 53.5 مليار متر مكعب، وتستهلك يومياً نحو مليون برميل نفط، ما يوصل قيمة واردات تركيا من الوقود إلى أكثر من 42 مليار دولار سنوياً، بعد زيادة السكان وارتفاع الناتج الإجمالي، نتيجة زيادة الصادرات والصناعة التي تتطلب زيادة استهلاك الوقود.

وبلغت كلفة استيراد الوقود في تركيا بحسب مدير المركز الاستراتيجي ديمرال، خلال النصف الأول من عام 2018، نحو 24.6 مليار دولار، وبمتوسط تكلفة شهري نحو 3.51 مليارات دولار، ويتوقع أن تصل التكلفة الإجمالية نهاية العام الجاري إلى نحو 42.1 مليار دولار.

وعن كيفية استفادة تركيا من تراجع أسعار النفط، يشير ديمرال إلى أن في تركيا معادلة معتمدة منذ فترة، تتلخص بأن كل تراجع لأسعار النفط الخام بقيمة 10 دولارات، سيكون له انعكاس على انخفاض حجم التضخم في البلاد بنسبة 0.5%، وكذلك ارتفاع في حجم النمو بنسبة 0.3%.

وتشير البيانات الرسمية التركية إلى زيادة الصادرات وتراجع نسبة التضخم خلال الشهر الأخير، إذ سجلت معدلات التضخم في تركيا انخفاضاً في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وذلك للمرة الأولى منذ 17 شهراً.

وبحسب ما نشر مركز الإحصاءات التركي (تركستات)، فقد سجل معدل التضخم خلال نوفمبر الماضي 21.61 بالمئة على أساس سنوي، انخفاضاً من 25.24 بالمئة الذي سجله في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

وفي حين لم يزل معدل نمو الاقتصاد التركي من الأعلى عالمياً، رغم تراجعه بمعدل نقطتين خلال النصف الأول من العام الجاري مقارنة بالربع الأول، مسجلاً بحسب بيانات معهد الإحصاء التركي 5.2% مقابل 7.3% خلال الربع الأول، إلا أن عائدات الصادرات التركية حققت أعلى قيمة بتاريخ تركيا، بحسب ما قالت أخيراً وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان، مبينة أن صادرات تركيا خلال نوفمبر/ تشرين الثاني ازدادت بنسبة 9.49 في المئة، وبلغت 15 ملياراً و532 مليون دولار، وهو الأعلى في تاريخ الجمهورية.

وأضافت الوزيرة التركية: صادراتنا خلال 12 شهراً الأخيرة ازدادت بنسبة 7.8 في المئة، وبلغت 168 ملياراً و77 مليون دولار، وهو الأعلى في تاريخ الجمهورية على المستوى السنوي.

وهو ما يراه محللون، أحد نتائج "النفط الرخيص" التي بدأت تنعكس إيجاباً على تكاليف الإنتاج، ومن ثم زيادة قدرة السلع التركية على المنافسة بالأسواق العالمية.

ويقول الاقتصادي التركي أوزجان أويصال، من المبكر الحديث عن انعكاس تراجع أسعار النفط على المواطنين، لكن آثاره الإيجابية كبيرة على الاقتصاد التركي، سواء لجهة تقليل الأموال الصعبة التي تخرج لاستيراد النفط أو خفض تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي، اللذين يعتبران من أهم الصادرات التركية.

ويشير المحلل التركي لـ"العربي الجديد" إلى أن حكومة بلاده لا تتحمل أعباء دعم للطاقة، بل تتبع نظام تسعير وفق أسعارها العالمية، إذ رفعت تركيا قبل ثلاثة أشهر أسعار البنزين والمازوت بنسبة 9%، بعد فرض ضريبة "استهلاك خاص" على أسعار المحروقات، ورفع أسعار الطاقة للقطاع الصناعي بنسبة 14% منذ سبتمبر/ أيلول الفائت، متوقعاً إعادة تصويب أسعار المشتقات النفطية بتركيا بعد تراجع أسعار النفط، لتزيد تركيا من قدرة الإنتاج على المنافسة والتصدير وتحسين معيشة المواطنين، لأن تركيا حسب قوله، أغلى الدول حول العالم من حيث أسعار البنزين، مقارنة بمتوسط دخل المواطنين.


وتعتمد تركيا، التي تحتل المرتبة الأعلى من حيث الطلب على الطاقة بين دول منظمة التعاون والتنمية، على وارداتها من النفط والغاز الطبيعي من روسيا وإيران، "إذ تستورد من روسيا نحو 50% من حاجاتها من الغاز ونحو 12% من وارداتها النفطية، ويشكل النفط الإيراني 44% من النفط المستورد بتركيا، كما أن واردات الغاز الإيراني تمثل 19% من واردات تركيا" فضلاً عن أذربيجان والعراق وقطر، لأن الموارد المحلية الطاقوية بتركيا لا تمثل سوى 26 في المئة من إجمالي الطلب.

ويذكر أن تركيا، ونتيجة لارتفاع فاتورة مستوردات الوقود الأحفوري "نفط، غاز وفحم"، لوّحت خلال الصيف الفائت خلال تراجع سعر صرف الليرة، باستخدام الفحم وتقليل استيراد النفط والغاز. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينذاك: "سنوقف استيراد الطاقة، إذا كان هناك عجز في ميزانيتنا، فإن من أهم أسباب ذلك هو الطاقة المستوردة. الطاقة الحرارية التي نتحدث عنها هي عبارة عن الفحم. فلماذا نستورده. فنحن نملك الآن وريداً من الفحم يمتد من ولاية أدرنة (أقصى شمال غرب) إلى ولاية شرناق (أقصى جنوب شرق)".

وأكد أردوغان أن بلاده وصلت إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص، وأنه لذلك شكلت أنقرة سياستها في مجالي الطاقة الوطنية والتعدين، لافتاً إلى أن الدول الأوروبية تعتمد في نسبة كبيرة من طاقتها الكهربائية على الفحم، وأن بلاده تدرك جيداً نيات الجهات التي تحاول جعل الفحم حلالاً على أوروبا وحراماً على بلاده، مشيراً أن القدرة الإنتاجية لتركيا من الفحم تبلغ 10 ملايين طن سنوياً، إلا أنها تنتج في الوقت الراهن نحو 1.2 مليون طن فقط.

المساهمون