حرب الفساد تتصاعد: الأردن يلاحق المتورطين في الخارج

حرب الفساد تتصاعد: الأردن يلاحق المتورطين في الخارج

20 ديسمبر 2018
احتجاجات سابقة ضد الفساد في الأردن (خليل مزراوي/فرانس برس)
+ الخط -
حفّز اعتقال رجل الأعمال عوني المطيع المتهم بقضايا فساد من العيار الثقيل في الأردن واستعادته من تركيا، الشارع الأردني على المطالبة مجددا بمحاسبة متورطين آخرين في قضايا فساد لا تقل أهمية وخطورة عن هذه القضية، خاصة وليد الكردي رئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات السابق والهارب إلى الخارج منذ عدة سنوات بقضايا تقدر قيمتها بمئات الملايين من الدولارات.

ويرجح مراقبو الشأن المحلي أن يحتل ملف محاربة الفساد بعد هذه الخطوة مكانة متقدمة في مطالب الحراك الأردني الذي تشهده البلاد منذ عدة أسابيع، للضغط على الحكومة لإجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية والقضاء على الفاسدين، لا سيما بعد أن حدد نشطاء مساء الخميس من كل أسبوع موعدا لإقامة فعاليات الحراك على مقربة من دار رئاسة الوزراء في منطقة الدوار الرابع.

وبحسب المراقبين، فإن الحكومة تشعر حاليا بنوع من الارتياح بعد استرداد "مطيع" الإثنين الماضي، من تركيا التي كان يقيم فيها عقب هروبه من البلاد، إلا أن ذلك تترتب عليه أعباء أخرى للوصول إلى المتنفذين والمتورطين الآخرين في قضايا فساد كبرى والكشف أيضا عن ملفات يجري الحديث عنها منذ سنوات وتحوم حولها شبهات فساد، بخاصة برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي تجاوز الإنفاق عليه 1.5 مليار دولار دون نتائج تذكر على أرض الواقع.

ويواجه مطيع تهما بإقامة مصانع للدخان بطرق غير مشروعة وقضايا تهرب ضريبي لفترة تزيد عن 15 عاما، بما في ذلك إدخال معدات إلى الأردن دون رسوم جمركية إضافة إلى صناعة دخان مقلد وطرحه في السوق.

وكانت مؤسسة المواصفات والمقاييس الأردنية كشفت، العام الماضي، عن مخالفات يشتبه بتورط رجل الأعمال فيها وقدرت قيمتها بحوالي 220 مليون دولار وتم تخفيضها بعد ذلك.

أولوية قصوى
الملك عبد الله الثاني قال خلال اجتماعه بالحكومة أخيرا، إن مكافحة الفساد أولوية قصوى بالنسبة له وللحكومة ولجميع المؤسسات و"لكم مني كل الدعم".

وأثنى الملك على جدية الحكومة في التعامل مع قضية الدخان بقوله إن "ذلك رسالة لجميع الذين يريدون أن يعبثوا، وهذا خط أحمر ونريد كسر ظهر الفساد في البلد". وتابع: "بكفي خلص بدنا نمشي للأمام".
وأعاد تأكيد أهمية تطبيق سيادة القانون وعدم التهاون مع أي شخص يتجاوز القانون وأن "لا أحد فوق القانون بغض النظر من هو أو هي".

وأوقف مدعي عام أمن الدولة، المشتكى عليه الرئيسي في قضية الدخان "عوني مطيع عيسى مطيع" بعد استعادته من تركيا على ذمة التحقيق.

وقام مدعي عام أمن الدولة بالتحقيق مع المشتكى عليه حيث أدلى بمعلومات وتفاصيل مهمة تتعلق بوقائع القضية وظروفها وتحتاج للمتابعة والتوسع بالتحقيق فيها.

ونفت منصة "حقك تعرف" الحكومية أمس، إشاعة أن محاكمة المتهم الرئيسي في قضية الدخان مطيع لن تكون علنية.

وقالت المنصة أن وزيرة الدولة لشؤون الإعلام الناطق باسم الحكومة جمانة غنيمات أكدت أن محاكمة المتهم مطيع ستكون علنية ومصورة انطلاقا من مبدأ الشفافية والمكاشفة الذي تنتهجه الحكومة وبتوجيهات من جلالة الملك.

إهدار الأموال
وكان عدد من النواب أماطوا اللثام عن هذه القضية التي وصفت بأنها من أكبر قضايا الفساد في الأردن. وطالبت شخصيات سياسية وأحزاب من الحكومة بفتح تحقيق في كيفية السماح لرجل الأعمال مطيع بمغادرة البلاد قبل يوم واحد من المداهمات الأمنية للمصانع الوهمية وأماكن تخزين الدخان.

وقال النائب صالح العرموطي لـ"العربي الجديد" إن استعادة المتهم عوني مطيع بقضايا فساد كبرى إلى الأردن يسجل للحكومة وكافة الجهات المعنية، إلا أن هنالك قضايا أخرى مرّت عليها سنوات ولم تتم معالجتها وتسببت في إهدار أموال ضخمة على الدولة وتحمل تبعاتها المواطن.
وأضاف أنه لا بد من اتخاذ خطوات أكثر من أجل استعادة وليد الكردي المتهم بقضايا فساد أثناء عملية رئيس مجلس إدارة شركة البوتاس، وكذلك ضرورة التحقيق في ملف برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي والكشف عن أي قضايا فساد في تطبيقه.

وأكد أن محاربة الفساد تحتاج إلى جهود أكبر من قبل الحكومة لمعالجة أحد أهم الاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد الأردني.

وقالت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام الناطق باسم الحكومة إن هذه القضية ربما توقع رؤوساً كبيرة، في إشارة إلى احتمال تورط مسؤولين سابقين في المشكلة.

ملفات جديدة
وأكد مسؤول في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لـ"العربي الجديد" أن هناك العديد من ملفات الفساد التي تتعامل معها الهيئة، وتمت إحالة عدد منها إلى القضاء فيما يتم النظر بأخرى حاليا.
وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أنه في ما يتعلق بقضايا الفساد الكبرى مثل قضية الكردي، فإن الجهود التي تبذل حالياً تتم من خلال القنوات الدبلوماسية والقانونية لإعادته إلى الأردن ومحاكمته قضائيا.

وكان رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد محمد العلاف قد قال في تصريحات صحافية أخيرًا، إن الهيئة تعاملت في عام 2017 مع 1328 شكوى أُحيلت للتحقيق منها 415 قضية ووصلت 22 قضية منها إلى الادعاء العام وتم حفظ 462 قضية لوجود شبهات كيدية.

وبيّن أن مجمل المبالغ التي تضمنتها القضايا المشكوك فيها والواردة في تقارير ديوان المحاسبة للأعوام 2009-2015 بلغ حوالي 177 مليون دولار، منها 67 مليون دولار مبالغ في إطار شبهات وتتطلب المساءلة.

وكان مجلس الوزراء كلف وزير العدل السير في الإجراءات لملاحقة وليد الكردي المحكوم عليه بالأشغال الشاقة لتورطه بقضايا فساد، واسترداده من بريطانيا.

وأصدرت محكمة جنايات عمّان في عام 2013 حكماً غيابياً على الكردي بالأشغال الشاقة المؤقتة 22 عاماً ونصف العام، والأشغال الشاقة المؤقتة 15 عاماً، في قضيتي بيع منتجات الفوسفات وعقود الشحن البحري، وتغريمه 285 مليون دينار.

ومثل الكردي أحد أشهر عناوين الاحتجاجات الأردنية التي انطلقت في عام 2011 للمطالبة بمحاربة الفساد، والضغط لتحقيق إصلاحات سياسية.

حافز للتصعيد
وكان الأردن قد كشف قبل سنوات عن قضايا فساد غير مسبوقة، تورط فيها مديران سابقان للمخابرات العامة هما سميح البطيخ ومحمد الذهبي وهما على رأس عملهما ويقضيان حالياً أحكاما بالسجن.

ومن جانبه، أكد الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد" أن اعتقال مطيع يعطي الشارع الأردني حافزا أكبر للمطالبة بتسريع إجراءات استعادة المتهم الآخر الفار من الأردن وهو وليد الكردي والمتورط بواحدة من أكبر قضايا الفساد في الأردن.

وأضاف الخبير الاقتصادي أن الشارع الأردني يتطلع باهتمام إلى مجريات التحقيق في قضية الدخان لما يتوقع أن تكشف عنه من خيوط خطيرة قد تقود إلى تورط متنفذين ومسؤولين فيها، ذلك أن قضية بهذا الحجم لا بد وأن أصحاب قرار وراءها.

وبيّن عايش أنه بالقدر الذي تحارب فيه الحكومة الفساد والوصول إلى الفاسدين، فإن ذلك سينعكس على تحسين مرتبة الأردن في المؤشرات الدولية وزيادة الثقة بالاقتصاد الأردني واستقطاب المستثمرين.

وتصاعدت المطالب في الأردن لمحاربة الفساد الذي يعد سبباً رئيسياً في تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد، وخاصة ما يتعلق بالاختلاسات واستغلال الوظيفة العامة ومساعدة رجال أعمال ومستثمرين على التهرب الضريبي بمبالغ ضخمة جدا.

وشهد الأردن احتجاجات حاشدة خلال عام 2018 ضد الفساد وتدهور الأوضاع المعيشية، ما دفع الحكومة إلى التحرك من أجل تلبية مطالب المحتجين وامتصاص غضب الشارع.

المساهمون