الحكومة التونسية تسعى لتفادي الإضراب عبر "الحوار الاجتماعي"

عودة إلى طاولة المفاوضات... الحكومة التونسية تسعى لتفادي الإضراب عبر "الحوار الاجتماعي"

29 نوفمبر 2018
النقابات تضغط على الحكومة عبر التهديد بالعودة للإضراب (Getty)
+ الخط -
يفتح الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني للحوار الاجتماعي في تونس، أفقاً جديداً في المفاوضات بين الحكومة والاتحاد العام للشغل بشأن الزيادة في رواتب موظفي القطاع الحكومي، في خطوة قد تؤدي إلى تفادي إضراب عام ثان قررت النقابات تنفيذه في 17 يناير/ كانون الثاني القادم.

وأعلن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، بمناسبة جلسة تأسيس مجلس الحوار الاجتماعي، أول من أمس، أن الحكومة ستفتح باب التفاوض من جديد مع اتحاد الشغل، مؤكداً أن جلسات الحوار ستستأنف قريبا.

وتمت المصادقة على قانون إنشاء مجلس الحوار الاجتماعي قبل أكثر من سنة، لكن إنشاءه تأخر كثيرا، غير أن الأطراف الممثلة فيه أقرت بأن تدشينه خلال هذه الآونة المتسمة بالاحتقان الاجتماعي قد يمثل جزءا من حل الأزمة بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل قبل المضي في تنفيذ الإضراب العام الجديد.

ويواجه المجلس الذي تنطلق أعماله في ظل أوضاع متوترة، تحدي إرساء مناخ اجتماعي محفز للاستثمار عبر حل أزمات الموظفين وفرض احترام قوانين العمل، حسب مراقبين.

وسيكلف المجلس، وفق قانون أقره البرلمان في يوليو/ تموز 2017، بتأطير المفاوضات الاجتماعية بشأن الزيادة في الأجور وفض نزاعات الشغل، إلى جانب مناقشة مشاريع الإصلاحات المقدمة إليه من قبل الحكومة في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
وتعوّل النقابات على مجلس الحوار الاجتماعي لتحسين آليات التفاوض في القطاعين العام والخاص. وقال الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي إن تفعيل العقد الاجتماعي من شأنه أن يساعد على إبراز المصالح الاقتصادية والاجتماعية لمختلف الأطراف.

ومن جانبه، يعتبر الخبير الاقتصادي بلحسن الزمني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن إنشاء مجلس اجتماعي يؤسس لمرحلة جديدة في الحوار بين النقابات وأصحاب العمل من جانب، والنقابات والحكومة من جانب آخر، مشيرا إلى أن التحاور داخل المؤسسات يقلّص من المناخ الاجتماعي المتشنج الذي ساد في تونس على امتداد السنوات الماضية.

وأضاف الزمني أنه لا بد من المرور إلى مرحلة جديدة من المفاوضات الاجتماعية وتحسين مناخ العمل لزيادة تنافسية المجالات المنتجة في القطاعين الخاص والعام، مشيراً إلى أن المجلس الجديد مدعو إلى تبني المعايير الدولية في إدارة الحوار وفض النزاعات وتطوير المناخ الاجتماعي انطلاقا من الخصوصية التونسية.

وأكد الخبير الاقتصادي أن لكل دولة خصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية ولكل مرحلة تحدياتها، معتبرا أن تونس أخفقت في السنوات السابقة في إرساء مقاربة في هذا الصدد تجنبها الانزلاق في الاقتراض الخارجي من أجل إطفاء الحرائق الاجتماعية.

وقال: "حان الوقت للتفكير في استدامة القطاعات الاقتصادية وخلق الثروة لتحسين أجور وظروف العمل من الجهد الداخلي للبلاد لا عبر قروض صندوق النقد الدولي".

واعتبر الزمني أن المجلس سيواجه تحدي تغيير ثقافة الحوار الاجتماعي التي تحتكرها النقابات بهدف السير بها نحو حوار تشاركي، واصفا هذه المهمة بالصعبة.
ويسعى الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي نجح في تنفيذ إضراب عام في الوظيفة العمومية يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي كان الأكبر منذ 5 سنوات، إلى دفع الحكومة التي تتبنى قرار تجميد الأجور، لصرف زيادة على رواتب 650 ألف موظف في القطاع الحكومي، ملوحا بإضراب عام جديد في 17 يناير/ كانون الثاني 2019.

وقالت الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل، عقب اجتماع لها السبت الماضي، إن النقابة لن تتنازل عن مطلب زيادة الرواتب، معتبرة أن معركة الاتحاد هي حول السيادة وتحرير القرار الحكومي من إملاءات صندوق النقد الدولي.

في المقابل، قال وزير الإصلاحات الكبرى توفيق الراجحي، أول من أمس، إن صندوق النقد لا يملي على الحكومة التونسية أي شروط، وإنما العكس هو الصحيح، باعتبار أن الحكومة فرضت شروطها أكثر من مرة.

ومن جانبه، قال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن العودة إلى المفاوضات تتطلب الجدية في معالجة الملفات الاجتماعية العالقة، مشيرا إلى أن الزيادة في الأجور يجب أن تشمل كل العاملين في القطاعين العام والخاص دون استثناء.
وأضاف أن الحكومة مدعوة إلى تحمل مسؤولياتها في تحسين الظروف المعيشية للموظفين في القطاع الحكومي، معتبرا أن هذه الشريحة هي العمود الفقري للإدارة التونسية.

وتابع: إن العودة إلى المفاوضات مع الحكومة بشأن الزيادة في الأجور في الوظيفة العمومية تستوجب حوارا جديا ومسؤولا يفضي إلى نتائج وحلول ملموسة من شأنها تجاوز المعوقات التي تسببت في الإضراب العام الذي تم تنفيذه.

ويبقى اتحاد الشغل، حسب الطاهري، منفتحا على المقترحات التي يمكن أن تخدم مصلحة الأجراء في القطاع العمومي، مؤكداَ أن الحديث عن مآل المفاوضات القادمة أمر سابق لأوانه ويتعلق بمدى جدية الحكومة في التفاوض.

المساهمون