الاحتلال والحقوق الاقتصادية الغائبة في غزة

الاحتلال والحقوق الاقتصادية الغائبة في غزة

27 نوفمبر 2018
يعاني القطاع من حصار فضلًا عن اعتداءات متكررة(العربي الجديد)
+ الخط -
انتهت مؤخرًا الاعتداءات الإسرائيلية على غزة بهدنة بين الطرفين، بعد أن تكبدت دولة الاحتلال خسائر مادية ومعنوية جراء المواجهة من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية.

لكن ما حققته المقاومة من انتصار وصد للعدوان الإسرائيلي، لا ينسينا أن هناك شعبًا يعيش على كامل أراضي فلسطين يعاني من الاحتلال، وانتقاص حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل وكل صور الحقوق التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

نظرة للوضع في غزة ونجد أنه مأساوي بكل ما تعنيه الكلمة من معان، حيث يعاني القطاع من حصار اقتصادي، فضلًا عن اعتداءات عسكرية متكررة، منذ ما يزيد عن 12 عامًا.

ولذلك ثمة واجبات تفرضها الأحداث الأخيرة التي شهدتها غزة من اعتداءات، وعلى المجتمع الدولي والعربي بوجه عام، والسلطة الفلسطينية بوجه خاص، أن تؤديها تجاه الفلسطينيين بالقطاع الذين يعانون من حياة اقتصادية واجتماعية قاسية، تهدر كافة حقوقهم الأساسية، بسبب الحصار الظالم، ومن قبله وقوع عموم فلسطين تحت وطأة الاحتلال.

الحق في الغذاء

حسب أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن نسبة الفقر في قطاع غزة تصل إلى 53% من السكان، البالغ عددهم في عام 2017 نحو 1.94 مليون نسمة، بينما يصل معدل الفقر المدقع بين سكان غزة 33.8%، وهي معدلات مرتفعة وتعكس الوضع الاقتصادي المتدهور بالقطاع.

وفي مجتمع تصل فيه نسبة الفقر المدقع إلى 33.8% من السكان، من الطبيعي أن يكون الحق في الغذاء الذي كفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، غير متوفر.

وقد نصت المادة رقم 25 من الإعلان بفقرتها الأولى على "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته".

والفقر المدقع، يعني عدم حصول الإنسان على الغذاء الكافي لكي يوفر له السعرات الحرارية اللازمة للبقاء على الحياة بظروف صحية مناسبة، ولذلك فأكثر من ثلث سكان غزة يعيشون ظروفًا غذائية تعرض حياتهم للخطر. وهي نتيجة طبيعية لمجتمع يعاني حصارًا اقتصاديًا لأكثر من 12 عامًا، وترتفع فيه معدلات البطالة لنحو 35%. وإن كانت تقديرات البنك الدولي في سبتمبر/أيلول 2018 تذهب إلى أن المعدل يصل إلى نحو 70%، ويغلب على العاطلين فئة الشباب.

ويفتقر سكان غزة لضروريات الحياة الأساسية، إضافة إلى الفقر المدقع، حيث تحصل نسبة قليلة من السكان على المياه الآمنة الصالحة للشرب، عند معدل 11.4%، وهو ما يتعارض مع نص المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

الحق في العمل

الاعتداءات المتكررة التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، حجّم من نشاطه الاقتصادي، ولذلك ترتفع معدلات البطالة، ولا يعني أن نسبة البطالة بغزة بحدود 34.4%، أن باقي قوة العمل تحصل على وظائف منتجة أو آمنة، فغالبية الوظائف المتاحة داخل القطاع تعتمد على تقديم الخدمات في مجالات التعليم والصحة، وبخاصة تلك الممولة من الخارج، سواء من دول أو منظمات دولية.

ولعل ما عانته منظمة "الأنروا" هذا العام من انقطاع المساعدت بالشكل الذي يؤدي إلى توقف عملها، سيكون له أثره على الوظائف التي توفرها تلك المؤسسة للعاملين بها، في مجال التعليم.

ويعاني العاملون في غزة من مشكلة دائمة تتعلق بالحصول على مستحقاتهم المالية، وذلك بسبب إما تعنت السلطة الفلسطينية كنوع من الضغط على حماس، أو منع إسرائيل وصول المساعدات أو التحويلات المالية إلى غزة.

وقد لمسنا ما قامت به دولة قطر من إجراء مؤقت خلال الأيام القليلة الماضية، بتقديم المساعدات النقدية لقطاع غزة لتوفير الوقود لتوليد الكهرباء، أو دفع رواتب العاملين بغزة، لكن من حق العاملين أيًا كان النشاط الذي يقومون به أن يحصلوا على رواتبهم بشكل منتظم، فهؤلاء لديهم التزامات ضرورية، لا تحتمل التأخير.

ويضاف أن الحصار الذي تمارسه الحكومة المصرية، خاصة بعد أنشطتها الأمنية في سيناء، والعمل على ما يسمى بالمناطق الآمنة لمواجهة الإرهاب، ساهم في خنق النشاط الاقتصادي داخل قطاع غزة، سواء في المجال الزراعي أو الصناعي، وهي مشكلة تعاني منها غزة منذ عام 2006.

الحق في السكن

في عام 2014 ذهبت دراسة أكاديمية إلى تقدير الوحدات السكانية اللازمة سنويًا لقطاع غزة بنحو 13 ألف وحدة سكنية، بينما أعلن وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطيني مفيد الحساينة مطلع 2018 أن غزة تحتاج حاليًا نحو 102 ألف وحدة، فضلًا عن وجود نحو 24 ألف وحدة بحاجة إلى إعادة إعمار.

ويفاقم من أزمة الإسكان في غزة الحصار الظالم من قبل إسرائيل وتساعدها فيه مصر بقوة، من خلال منع وصول مواد البناء إلى غزة، ولذلك تذهب بعض التقديرات إلى أن هناك نسبة نحو 10% من السكان في غزة يعيشون بكثافة، أي بمعدل نحو 9.6 أفراد في غرفة واحدة.

الحق في العلاج

يرصد الإعلام غير مرة ما تعانيه المستشفيات والمنشآت الصحية في غزة من مشكلات انقطاع الكهرباء، ونقص الأدوية والعلاج، فضلًا عن غياب الكوادر الطبية اللازمة، لبعض الأمراض التي لا تتمكن مستشفيات غزة من علاجها، وهو ما يجعل المرضى مضطرين للخروج من القطاع لتلقي العلاج بالخارج.

وبطبيعة الحال، لا يستطيع كثير من السكان تحت وطأة الفقر والبطالة تدبير نفقات السفر، أو العلاج بالخارج، لذلك تتعرض الكثير من هذه الحالات للوفاة، أو الاكتفاء بما هو متاح من دواء وعلاج.

ويعتمد القطاع الصحي بغزة بشكل كامل على استيراد متطلبات عمله، سواء من المعدات أو الأدوية والمستلزمات الطبية، مما يفاقم من أزمة القطاع الصحي. 

الدعم المطلوب

إن التعاطف مع المقاومة الفلسطينية في غزة والفرح بنجاحها في صد العدوان الإسرائيلي الأخير، لا يكفي لمواجهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، بل لابد من ضغوط حقيقية سواء من قبل الحكومات أو المجتمع المدني لكي ينال سكان غزة حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية التي كفلها لهم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لابد أن تعود غزة إلى بؤرة الاهتمام لدى المجتمع الدولي، إن لم يكن كل فلسطين، باعتبارها تعاني الاحتلال لأكثر من 7 عقود، فتخلي أميركا عن دعم منظمات إنسانية تخدم سكان غزة مثل "الأنروا" يدعو كل الدول والمنظمات بالعالم العربي والإسلامي، لتغطية هذه التكلفة، فمن غير المقبول أن نجمع على أبناء غزة شبح الأمية إلى ما يعانونه من مشكلات أخرى. وبخاصة أن أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تشير إلى تدني معدلات الأمية في عموم فلسطين، فهي بحدود 3.1% بين الأفراد أكبر من 15 عامًا.

زوال الاحتلال هو الدواء الناجع لكل المشكلات التي يعاني منها الفلسطينيون عامة وسكان غزة خاصة، فباقي سكان فلسطين يجدون بعض الخدمات، سواء بأراضي 48 أو في الضفة الغربية التي تحظى بتعاملات اقتصادية جيدة مع الأردن.