ماهي محاور بريكست التي هزت الحكومة البريطانية؟

ماهي محاور بريكست التي هزت الحكومة البريطانية؟

20 نوفمبر 2018
تيريزا ماي تواجه مخاطر خسارة منصب رئاسة الوزراء (Getty)
+ الخط -





بدأ الاتحاد الأوروبي، أمس الاثنين، أسبوعا من المحادثات المكثفة والصعبة قبل القمة الاستثنائية التي تعقد الأحد المقبل من أجل المصادقة على مشروع اتفاق بريكست، على خلفية المعركة الدائرة في بريطانيا حول مسألة خروج البلاد من التكتل ووسط مخاوف الأسواق من استمرار ضبابية الموقف.

واجتمع أمس وزراء خارجية الدول الـ27 في الاتحاد الأوروبي في بروكسل، في أول لقاء سياسي منذ نشر مشروع الاتفاق مع بريطانيا الأربعاء الماضي حول شروط الانسحاب
من التكتل، ويهدف إلى التحضير للقمة الاستثنائية المرتقبة في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني.
وأعلنت تيريزا ماي التي شهدت حكومتها سلسلة استقالات وتواجه حركة احتجاج واسعة حول مشروع الاتفاق مع الاتحاد الاوروبي، أنها ستتوجه إلى بروكسل خلال أيام للقاء رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بشكل خاص، وتوقعت ماي "أسبوعا مكثفا من المفاوضات".
ورغم الاستقالات الوزارية من حكومة تيريزا ماي، التي بلغت، حتى نهاية الأسبوع الماضي، 6 استقالات، فإن ماي نجحت في إقناع مجلس الوزراء بإجازة "مسودة اتفاقية الانسحاب من أوروبا"، لكن ربما ستجد صعوبة في إقناع البرلمان البريطاني بإجازتها، في حال موافقة أوروبا عليها نهائياً في القمة التي ستُعقد لذلك في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
لكن ما هي المسودة التي تثير الكثير من الجدل السياسي في بريطانيا وتهدد مستقبل بقاء ماي في الحكم؟
مسودة الاتفاقية تناولت ثلاث قضايا رئيسية فقط، وتركت كل القضايا التجارية كما هي للفترة الانتقالية التي حُددت بـ21 شهراً، أي حتى نهاية عام 2020.
وهذه القضايا الثلاث هي: التزام بريطانيا بتسوية الالتزامات المالية المستحقة عليها أو ما يطلق عليه "فاتورة بريكست" والبالغة 50 مليار دولار، والتزام الكتلة الأوروبية وبريطانيا بحقوق المواطنين في الإقامة والمعاملة المتساوية في الجانبين، سواء الأوروبيين المقيمين في بريطانيا أو البريطانيين المقيمين في أوروبا. وذلك إضافة إلى الفترة الانتقالية التي ستبقى فيها القوانين التجارية والجمركية التي تحكم بريطانيا على ما هي عليه الآن حتى نهاية عام 2020.
كما اقترحت المسودة إقامة منطقة تجارة حرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وتعاونا وثيقا في تجارة ومرور السلع ربما بدون جمارك بعد الفترة الانتقالية. ولكن هذا مجرد اقتراح تركت مناقشته للفترة الانتقالية.

وحتى الآن، تجد "مسودة الاتفاقية" معارضة من قبل المعسكر المعارض للبقاء في أوروبا، وحتى بعض النواب المؤيدين للبقاء في أوروبا.
وحسب مجلة سبكتيتر البريطانية، فنواب البرلمان المعارضون للبقاء في أوروبا أو أنصار "بريكست"، يرون أن "مسودة الاتفاقية" لم تخرج بريطانيا من أوروبا، وفي حال إجازتها ربما تبقي بريطانيا للأبد مقيدة بالاتحاد الجمركي الأوروبي، في الوقت الذي تحرمها فيه من إبداء أي رأي بشأن قوانين التجارة الأوروبية وتعديلاتها. كما أنهم يرون أن المسودة تحرم بريطانيا من ترتيب أوضاعها الاقتصادية مع بقية دول العالم خلال الفترة الانتقالية، إذ أن نصوص المسودة ة تفرض على بريطانيا عدم توقيع أي اتفاق تجاري مع أية دولة خارج الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الانتقالية.

ويرى أنصار "بريكست" أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيصنع منها جنة ضريبية ويخلق فيها بيئة جاذبة للاستثمارات العالمية، عبر خفض الضرائب وتقليل الإجراءات المقيدة لتدفق رأس المال في بريطانيا، لأنه ينهي عملياً التزامها بالإجراءات الأوروبية.
على صعيد مزايا ومساوئ الاتفاق، يقول البروفسور نورو كا مبوز، المحاضر بجامعة برونيل في لندن، إن مسودة اتفاقية الانسحاب التي أقرها مجلس الوزراء البريطاني ستضمن لبريطانيا فترة انتقالية لمدة عامين. وخلال تلك الفترة، ستكون العلاقة الاقتصادية والمالية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي عادية ومن دون إجراء أية تغييرات على قوانين الجمارك والتجارة الحالية.

وبالتالي، يرى كا مبوز أن من محاسن المسودة أنها ضمنت للأعمال التجارية والشركات البريطانية عدم الانسحاب من أوروبا بدون ترتيبات تجارية حينما يحين الموعد النهائي لبريكست في نهاية مارس/آذار المقبل. ومن هنا ترحب الأعمال التجارية في بريطانيا بهذه الاتفاقية.
لكن تبقى المخاوف من حدوث خلاف بين لندن وبروكسل في الفترة الانتقالية التي حددت مدتها بحوالي سنتين أو أقل قليلاً من ذلك. وفي ذات الصدد، يقول كامبوز "من المخاوف الأخرى من المسودة أن اتفاق الجمارك لا يشمل جواز مرور الخدمات المالية وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة"، وهو ما يعني أن شركات ومصارف حي المال البريطاني ستعامل مثلما تتعامل الشركات اليابانية أو الأميركية.
ويرى كامبوز، في تعليق على موقعه، أن من محاسن هذا الاتفاق أنه أنهى حال عدم اليقين التي كانت تسيطر على الأعمال التجارية بشأن كيفية المتاجرة مع الكتلة الأوروبية بعد التوقيع على الخروج النهائي من الاتحاد الأوروبي. لكنه يقول إن من عيوبها أنها لا تسمح للشركات بالتخطيط الاستثماري طويل المدى، حيث إنها لا تمنح التدفق الحر لرأس المال، كما أنها في ذات الوقت لا تعرف الشركات كيف ستتطور المفاوضات في الفترة الانتقالية. والاتفاقية بالتالي قللت الكلفة الاقتصادية التي كانت ستتكبدها الشركات من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق.

من جانبها، ترى البروفسورة ماريا غارسيا، المحاضرة بجامعة باث البريطانية، في تعليقها على المسودة: "أن من محاسن الاتفاقية أنها وضعت آلية للمتاجرة بطريقة سلسة لبريطانيا مع الاتحاد الأوروبي حتى ديسمبر/كانون الأول 2020، عبر تأكيدها على اتحاد جمركي موحد بين بريطانيا والكتلة الأوروبية، حيث ستكون قوانين التجارة والجمارك البريطانية في الفترة الانتقالية على وضعها الحالي من دون تغيير". ولكن من مساوئ الاتفاقية أنها تحرم بريطانيا من توقيع أية شراكة تجارية مع دول العالم.
وتحرص بريطانيا على الحفاظ على المتاجرة مع الكتلة الأوروبية، حيث إنها تمثل أكبر شريك تجاري، وفقدان المتاجرة معها من دون حواجز سيعني ضرراً كبيراً للشركات والبنوك البريطانية. وبالتالي، يرى خبراء أن بناء فضاء تجاري جديد لبريطانيا سيأخذ وقتاً، ومن هنا تحتاج بريطانيا للإبقاء على العلاقة التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
وقال محللون إن التوصل إلى اتفاق سيعزز وضع الجنيه الإسترليني في مواجهة العملات الأخرى، إلا أنه سيواجه انتكاسة في حالة عدم تمرير البرلمان البريطاني للاتفاق، الذي ينتظر تنفيذه بنهاية شهر مارس/آذار.
ويرى خبراء أسواق أنه في حال إجازة المسودة، فإن أسواق المال البريطانية ستستفيد، حيث إنه ينهي الشكوك حول مستقبل التجارة البريطانية على مدى سنتين على الأقل.
في هذا الصدد، قالت الخبيرة الاستراتيجية في بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي، كيت جوس، في مذكرة إلى العملاء: "إذا كان الاتفاق كما هو موصوف، سيصبح قانونًا، وسيستفيد منه كل من الجنيه الإسترليني واليورو".
من جانبه، رجح كالوم بيكرينج، الاقتصادي الأول في بنك بيرينبيرج الاستثماري الألماني، أن يقفز الاسترليني مرتفعاً على مرحلتين، إلى جانب عائدات السندات الحكومية وأسهم الشركات التي تعمل في بريطانيا.
وتوقع بيكرينج أن تكون الزيادة الأولى بمجرد موافقة البرلمان البريطاني على صفقة الانفصال، والتي يمكن أن تحدث في ديسمبر/كانون الأول، والثانية خلال العام التالي، مع حصول المستثمرين على رؤية أوضح لمستقبل المملكة المتحدة بعد مغادرتها للاتحاد الأوروبي.
وخسر الجنيه الإسترليني صباح الخميس، 1.5% من سعره مقابل كل من الدولار واليورو والين الياباني، ثم تفاقمت الخسارة إلى 1.8% بعد أنباء عن استقالات الوزراء، لكنه عاد يوم الجمعة ليعوض جزءاً من خسارته.
لكن، وحسب خبراء، تبقى هنالك مخاوف على مستقبل حي المال البريطاني الذي سيفقد، وفقاً لمسودة الاتفاقية، جواز المرور التجاري المهم للمصارف الاستثمارية العالمية العاملة في بريطانيا. ويرى خبراء أن خسارة العملة البريطانية لا تعود لمسودة الاتفاق، وإنما تعود للاستقالات ومخاوف سقوط حكومة تيريزا ماي التي باتت مهددة إذا لم تتم إجازة المسودة لتصبح اتفاقاً خلال العام الجاري.