تعرف إلى أخطاء تصميم سد النهضة التي تهدد مصر

تعرف إلى أخطاء تصميم سد النهضة التي تهدد مصر

02 أكتوبر 2018
أخطاء تهدد سد النهضة ودوره (Getty)
+ الخط -
كشف رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عن ارتكاب أخطاء في تصميم سد النهضة  الكبير، والذي بدأت بلاده البناء فيه على النيل الأزرق في عام 2011، وقال في أول مؤتمر صحافي له بعد توليه السلطة في إبريل/نيسان الماضي: "هناك مشكلات تتعلق بالتصميم، لقد سلمنا مشروع سد معقد إلى أشخاص (شركة المعادن والهندسة التابعة للجيش  الإثيوبي) لم يروا أي سد في حياتهم".

ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن رئيس الوزراء أن وزارة المياه  والطاقة الإثيوبية كشفت في بيان لها عن إدخال الشركة تعديلات في تصميمات السد، وفشلت في تركيب التوربينين الأولين اللذين كانا يخطط لهما بدء توليد الكهرباء هذا العام وحتى عام 2020، بالرغم من التغيير في التصميم وطاقة توليد الكهرباء.

واتهم آبي أحمد إدارة الشركة التابعة لجيش بلاده بأنها: "غير ناضجة وتفتقر إلى الخبرة وتتمسك بثقافة عمل غير لائقة"، ما يثير الشكوك في جودة ومعايير الأعمال  التي نفذتها شركة تفتقر الخبرة، والأخلاق، والمصداقية في بناء سد عملاق مثل سد النهضة.

لم يكشف رئيس الوزراء عن حجم الأخطاء الفنية في تصميمات السد، وطبيعتها، ومدى خطورتها على الإخلال بالمواصفات والمعايير الدولية للسدود، ولا سيما أن أخطاء من هذا النوع تعرض سلامة السد الذي يحتجز 74 مليار متر مكعب من المياه للخطر، ويخل بمعامل الأمان ويعرضه للانهيار، ما يخلف فيضانات وسيولا تغرق مدينة الخرطوم بموجة تسونامي يصل ارتفاعها إلى 10 أمتار، ويعرض السد العالي في أسوان للانهيار ثم تغرق المدن المصرية على ضفاف النيل الواحدة بعد الأخرى.

لكن الأخطاء التي اعترف أحمد بتورط إدارة الشركة العسكرية فيها لم تكشف، على خطورتها، عن باقي التجاوزات والأخطاء وبيئة عدم الشفافية التي تحيط بمشروع السد، بل وتغطي على أخطاء أخرى ارتكبتها الحكومة الإثيوبية في بناء السد منذ الإعلان عن المشروع لأول مرة وحتى الآن وتحتاج إلى التصحيح في جو من التعاون والشفافية، وبعيدًا عن إخفاء المعلومات، وأجواء التكتم والخداع التي تحيط بمشروع السد، ونلفت الأنظار في هذا المقال إلى بعضها.

الشفافية مفقودة

في البداية أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ميليس زيناوي، عن بناء "سد الحدود" يبعد عن حدود بلاده مع السودان بمقدار 20 كيلومترا، وبسعة تخزينية تصل إلى 11.1 مليار متر مكعب، ثم غير الاسم إلى "سد إكس"، أو السد المجهول، وزاد السعة التخزينية إلى 14.5 مليارا، ثم 16.5 مليارا، ثم غير الاسم للمرة الثالثة إلى "سد الألفية"، ورابعًا إلى "سد النهضة الإثيوبي الكبير".

وضاعف ارتفاع السد من 84.5 مترا في بداية الإعلان عن السد إلى 145 مترا ثم 155 مترا، وزاد السعة التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب، وتغيرت خطة إنتاج الكهرباء من 1400 ميغاواط في البداية إلى 5250 ميغاواط، ثم 6 آلاف ميغاواط.

وفي فبراير/شباط 2017، وبعد مرور ست سنوات من بداية البناء، أدخلت إثيوبيا ما أسمته، تحسينات، على تصميمات السد طالت 14 توربينًا من إجمالي 16 توربينا لزيادة قدرة توليد السد من الكهرباء إلى 6245 ميغاواط، وفق ما أعلنته ديبريتسيون غيبريميكل، عضو اللجنة التنفيذية لمجلس التعبئة العامة لسد النهضة.

ثم تبين بعد ذلك أن التحسينات التي أدخلتها أثيوبيا على تصميم السد ما هي إلا تعديلات للتصميمات الخاطئة، وترميمات للبناء المعيب، وتؤكد أن إثيوبيا شرعت في بناء سد ضخم على عجل، وانتهزت اضطراب الوضع السياسي في مصر في أثناء ثورة يناير 2011 لتجعل السد الضخم أمرًا واقعًا وقبل أن تضع التصميمات اللازمة، ما يفضح الوضع المقلوب للسد المثير للجدل.

المبالغة في حجم السد

الأنهار الدولية هي منظمة عالمية تختص بنزاعات الأنهار العابرة للحدود، وتناهض إقامة السدود الضخمة عليها، بما فيها سد النهضة الإثيوبي، وتساعد في إيجاد بدائل مناسبة لها وإيقاف القائم منها، وتعمل في أكثر من 60 بلدا منذ تأسست في عام 1985 في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.

ومن بداية شروع أثيوبيا في البناء والمؤسسة تتهم مشروع السد بأنه مبالغ في حجمه الذي سيضر بدولتي مصر والسودان، وأن السد لن ينتج طاقة كهربية تقارب ما تم تصميمه بالرغم من حجمه غير المبرر والمبالغ فيه.

ودعمت المؤسسة الرأي بالخبير الأثيوبي أسفاو بيين، وهو أستاذ الهندسة الميكانيكية ومدير مركز الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في جامعة ولاية سان دييغو الأميركية، والذي أكد من البداية أن حجم سد النهضة مبالغ فيه، وأن كفاءته في توليد الكهرباء لن تزيد عن 30%، وأن تخفيض حجم السد إلى 14 مليار متر مكعب بدلًا من 75 مليار، والعمل على إنتاج كهرباء بمقدار 2000 ميغاواط بدلًا من 6245 ميغاوات سوف يزيد من كفاءة توليد الكهرباء إلى 90%.

جزم أسفاو بأنه لا يمكن أن ينتج السد 6000 ميغاواط لمدة تزيد عن 3 أشهر من السنة، ونصح الحكومة الإثيوبية بالشفافية وبإعادة التفكير في عدد التوربينات التي سيتم تركيبها، وتغيير حجم الطاقة الكهرومائية عن طريق خفض عدد التوربينات إلى 7 فقط بدلًا من 16.

وقبل اعتراف آبي أحمد بأخطاء السد بثلاث سنوات، وأسفاو يرى أن مهندسي سد النهضة تورطوا في أخطاء وافتراضات مثيرة، وأنهم صمموا حجم السد على أساس تدفق الذروة للنهر، والذي لا يستمر إلا أربعة أشهر فقط، رغم أن هناك أربعة أشهر أخرى ذات تدفق متوسط، والأربعة الأخيرة تكون شبه جافة، لذا أعلن أسفاو مبكرًا أن قضية سد النهضة مسيسة إلى حد كبير، وأن السياسة قمعت المدخلات الهندسية المنطقية وتجاهلت القضايا البيئية.

لجنة الخبراء الدوليين

اعتراف رئيس الوزراء بارتكاب أخطاء وتغيير في تصميم السد، يؤكد من دون شك ما ورد في تقرير لجنة الخبراء الدولية المعنية بمشروع سد النهضة الصادر في 31 مايو/أيار 2013، من أن التصميمات الإنشائية التي قدمتها أثيوبيا عن السد هي تصميمات أولية وسطحية، ولا تختص بالمشروع نفسه ولا موقعه الحالي، ولا ترقى لمستوى الدراسات المطلوبة لسد بهذا الحجم الضخم، وأن بعضها وضع بعد البدء في بناء السد، وأن حكومة أثيوبيا تخفي كثير من المعلومات الحيوية عن السد وتتعامل معها بسرية تامة.

وأوصى خبراء اللجنة الدولية بوضع تصميمات جديدة للسد، وبإتاحة كل المعلومات المتعلقة ببناء السد، وإجراء دراسات إنشائية وبيئية واقتصادية جادة وحديثة، وهو الطلب الذي أغضب إثيوبيا ورفضت استمرار الخبراء الدوليين ضمن اللجنة وأوقفت عملها، وغيبت رأيهم المحايد في حسم النزاعات.

تمسّك مصر بوجود الخبراء الدوليين كان جديرا بدعم المفاوض المصري في إثبات أخطاء التصميم بحيادية، وبالضغط على إثيوبيا وحملها على التزام الجدية وتصحيح حجم السد الذي لا يضر بأمن مصر، أو إحراجها أمام المجتمع الدولي، وبالتالي تبرير لجوء مصر للمؤسسات الدولية وحفظ حقوق مصر المائية.

لكن السيسي تنازل عن شرط استمرار الخبراء الدوليين، وتحولت لجنة الخبراء الدولية إلى لجنة ثلاثية ذات طبيعة وطنية خرساء، وتحولت المفاوضات الثلاثية إلى مسرحية عبثية استمرت من منتصف 2014 حتى الآن، وكافأت إثيوبيا السيسي على تنازله عن وجود الخبراء الأجانب بعودة مقعد مصر إلى الاتحاد الأفريقي بعد تجميد عضويتها بسبب الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال منتصف 2013.

الرد المصري

اعتراف رئيس وزراء إثيوبيا بارتكاب أخطاء في التصميم لا يعني تخليه عن المشروع، كما تحاول أن تصوره أبواق الإعلام الموالي للجنرال السيسي، لكنه يؤكد عزم بلاده المضي قدمًا حتى إنجاز السد بقوله: "إن حكومته تسعى جاهدة لإنجاز مشاريع ضخمة بما في ذلك سد النهضة الإثيوبي الكبير في غضون فترة قصيرة من الزمن"، ويرد أحمد على المسؤولين المصريين بقوله: "لا يشكّل سد النهضة الكبير مجرد مشروع عادي، بل هو مشروع ملهم لجميع الإثيوبيين".

لم يستغل السيسي الفرصة ويطلب تدخلا دوليا لوقف البناء في السد، وانتداب لجنة خبراء دولية محايدة للوقوف على كفاءة التصميمات والتفتيش على سلامة الإنشاءات، ومراجعة حجم السد المبالغ فيه وحماية الدولة المصرية من أخطار العطش والجوع والتهجير، أو كابوس الغرق والدمار الذي قد ينتج عن انزلاق السد وانهياره بسبب أخطاء التصميم وفساد في الإنشاءات.

وجاء رد السيسي بعد ساعات من اعترافات آبي أحمد برسالة مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ومدير المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، إلى رئيس الوزراء الإثيوبي يحثه على استئناف المفاوضات المتعثرة، ويرتب على عجل لاجتماع مسرحي لوزراء الري في الدول الثلاث، عُقد لاحقًا في أديس أبابا لمدة يومين ثم انفض بفشل كالعادة.

دلالات

المساهمون