طفرة المعروض تدفع عقارات موسكو للركود وانخفاض الأسعار

طفرة المعروض تدفع عقارات موسكو للركود وانخفاض الأسعار

09 يناير 2018
ارتفاع عدد المشروعات السكنية يدفع الأسعار للانخفاض (Getty)
+ الخط -

يترقب اللاعبون في سوق عقارات موسكو، استمرار تراجع الأسعار وحالة الركود التي أصابتها، في ظل زيادة الفجوة بين العرض والطلب، وإعلان سلطات العاصمة الروسية في الأيام الأولى من العام الجديد، عن توقعاتها بتسليم ما بين 3 و4 ملايين متر مربع من المسطحات السكنية سنوياً.

وقال نائب رئيس بلدية موسكو لسياسات البناء والتعمير، مارات خوسنولين، في تصريحات صحفية نقلتها وكالة "انترفاكس" الروسية يوم الجمعة الماضي، إن السلطات المحلية أصدرت تراخيص بإنشاء ما مجموعه 37.4 مليون متر مربع من المباني في السنوات المقبلة، ونحو نصف هذه المسطحات هي مبان سكنية.

وبحسب تقرير صادر عن مركز "مؤشرات سوق العقارات" للتحليل، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، فإن سعر المتر المربع بعقارات موسكو واصل في العام الماضي تراجعه بنسبة 1.7% بالروبل الروسي، لكنه سجل في الوقت نفسه زيادة بنسبة 4.8% بالدولار نتيجة لانخفاض سعر صرفه أمام الروبل. وبذلك، استقر سعر المتر المربع عند مستوى 167 ألف روبل أو 2800 دولار بحلول ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وأشار التقرير إلى أن التراجع الفعلي قد يكون أكبر من ذلك، لأن الأسعار المعلنة تعتبر أعلى من النهائية بعد التفاوض والعروض التي تقدمها شركات البناء. ومع ذلك، أنقذ انخفاض أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري من 13% إلى نحو 10%، أسعار عقارات موسكو من تراجع أكبر.

ووفق مدير المركز، أوليغ ريبتشينكو، فإن تراجع أسعار عقارات موسكو سيستمر حتى عام 2024، على أن تبلغ نسبة الانخفاض بحلول عام 2020 ما بين 20% و30% مقارنة بالأرقام الحالية، ثم تستقر عند مستوى ألفي دولار للمتر. ووصف ريبتشينكو الأزمة الراهنة بسوق العقارات بأنها "واقع جديد" نابع عن الأسعار المبالغ فيها مقارنة بالعواصم الأوروبية الأخرى فيما يتعلق بالفجوة بين قيمة العقارات ومعدلات الدخول، وبين عوائد التأجير والودائع المصرفية وغيرها من المؤشرات.

وفي هذا الإطار، يتوقع نائب رئيس اتحاد الوسطاء العقاريين في روسيا، قسطنطين أبريليف، هو الآخر مزيداً من تراجع الأسعار في عام 2018، معتبرا أن استمرار زيادة حصة الرهن العقاري بالسوق، مرتبط بمواصلة المصرف المركزي الروسي سياسة خفض سعر الفائدة الأساسية.

ويقول أبريليف في حديث لـ"العربي الجديد": "شهد عام 2017 استمرارا لتراجع الأسعار الفعلية للعقارات بنسب تراوحت في السوق الثانوية في موسكو بين 5% و7%، وأكثر في السوق الأولية.. أتوقع استمراراً لتراجع الأسعار بنفس الوتيرة في العام الجديد".

وحول أداء سوق الرهن العقاري في العام الماضي، يضيف: "على الرغم من التراجع في إجمالي عدد الصفقات، إلا أن حصة العقود المبرمة بواسطة الرهن العقاري، ارتفعت من 30% إلى 50%، ولكن استمرار زيادتها مرهون بمزيد من خفض أسعار الفائدة".

ووسط انخفاض معدلات التضخم إلى أدنى مستويات تاريخياً، أقدم المركزي الروسي على خفض سعر الفائدة الأساسية ست مرات خلال عام 2017، لتصل إلى 7.75% فقط ، مما أتاح خفض أسعار الفائدة على الرهن العقاري المدعوم من الدولة بالسوق الأولية، إلى المعدلات ذاتها تقريبا.

وارتفع معدل منح قروض الرهن العقاري إلى مستويات قياسية. وحسب بيانات "وكالة الرهن العقاري" في أغسطس/ آب الماضي، فإن المصارف الروسية منحت خلال النصف الأول من العام الماضي، أكثر من 423 ألف قرض بقيمة إجمالية حوالي 773 مليار روبل (13 مليار دولار تقريبا)، مسجلة زيادة نسبتها 16% مقارنة بنفس الفترة من العام 2016، ومتجاوزة معدلات عام 2014.

وأشار تقرير وكالة الرهن العقاري كذلك إلى تحسن جودة حقيبة قروض العقارات، إذ بلغت نسبة الدفعات المتأخرة لأكثر من 90 يوما، 2.5% فقط من إجمالي القروض في النصف الأول من 2017، بينما كانت نسبة القروض المتعثرة تماما تبلغ 3% قبل عام.

ورصدت صحيفة "إر بي كا" المتخصصة في الشأن الاقتصادي، في تقرير لها في التاسع والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مجموعة من الأرقام القياسية سجلتها سوق العقارات في موسكو في العام الماضي، بما فيها نحو 48 ألف صفقة شراء عقارات تحت الإنشاء خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام، وذلك بزيادة نسبتها 54% مقارنة بعام 2016 بأسره، وبمقدار الضعف مقارنة بعام 2014.

لكن الرقم القياسي الأهم جاء متعلقا بالزيادة غير المسبوقة في صفقات الرهن العقاري التي تجاوز مجموعها على مستوى روسيا، حاجز المليون وبقيمة إجمالية تصل إلى تريليوني روبل (حوالي 35 مليار دولار)، محطمة حتى الرقم القياسي السابق لعام 2014.

وفي مؤشر آخر للتراجع غير المعلن للأسعار، بلغت حصة الشقق المباعة في السوق الثانوية في موسكو بتخفيض السعر 88 % بمتوسط نسبة تخفيض تراوحت بين 8% و10%، ووصلت إلى ما بين 20% و30% في بعض الحالات.

ويتعلق رقم قياسي آخر، ببرنامج هدم أكثر من 5 آلاف مبنى متهالك بنيت في نهاية الخمسينيات والمعروفة باسم "مباني خروتشوف"، وتوفير شقق بديلة في مبان حديثة لأكثر من مليون من سكان موسكو. ومن المنتظر أن تستمر عملية تحديث مباني موسكو لـ 15 عاما، وتكلف ميزانية العاصمة أكثر من 50 مليار دولار.

ورجحت صحيفة "غازيتا.رو" الإلكترونية يوم الأحد الماضي أن يشهد عام 2018 ارتفاعا في أسعار العقارات بالسوق الأولية في حدود نسبة التضخم، مقابل تراجع الأسعار في السوق الثانوية.

ومع ذلك، أرجع خبراء استطلعت الصحيفة آراءهم هذه الزيادة المتوقعة إلى التقدم في مراحل تنفيذ المشاريع تحت الإنشاء، لاسيما تلك القريبة من منشآت البنية التحتية وذات جودة أعمال عالية، وسط احتدام المنافسة بين شركات البناء.

وتوقع أحد الخبراء أن يردع الفائض في معروض العقارات، زيادة نشاط المشترين الناجمة عن تعافي الاقتصاد وتراجع معدلات التضخم والارتفاع التدريجي لدخل الفرد الذي قد يبلغ 4.1% في عام 2018، وفق توقعات وزارة المالية الروسية.

من جانب آخر، تشير بيانات تحالف الوسطاء العقاريين، إلى أن قطاع العقارات الفاخرة في موسكو كان الأكثر تضرراً من الأزمة، وسجل أعلى معدلات التراجع في الأسعار بواقع 12.4% في عام 2017 في ظل تراجع الطلب بنسبة 11%. ومع ذلك، لا يزال سعر المتر المربع في العقارات الفاخرة يفوق الشقق المتوسطة بأضعاف، ويبلغ نحو 9400 دولار للمتر.

يذكر أن وتيرة ارتفاع أسعار العقارات في موسكو بدأت في الازدياد في العقد الأول من القرن الـ 21، مدفوعة بارتفاع أسعار النفط وتحول العاصمة الروسية إلى مركز اقتصادي عالمي.

لكن بعد عام 2005، تحولت هذه السوق إلى "فقاعة"، إذ لم يعد معدل ارتفاع الأسعار يتناسب مع القوة الشرائية الفعلية لأغلبية السكان، متجاوزة حاجز الـ 5 آلاف دولار للمتر المربع.

إلا أن الأزمات الحالية الناجمة عن تدني أسعار النفط والعقوبات الغربية بسبب الوضع في أوكرانيا، بدأت تعيد عقارات موسكو تدريجيا إلى مستويات تعكس أوضاع الاقتصاد الروسي بواقعية أكبر.