الإيرانيون يهبّون ضد البطالة والفقر والفساد

الإيرانيون يهبّون ضد البطالة والفقر والفساد

العربي الجديد

العربي الجديد
04 يناير 2018
+ الخط -
يعيش الشارع الإيراني منذ أيام على وقع تحركات واحتجاجات تزيد اتساعاً رغم التصدي الأمني لها، احتجاجات تحمل شعارات اقتصادية واجتماعية. وبين النظام الذي يرفع عن الحراك صفته المطلبية، والمؤشرات والبيانات المعيشية، هوة سحيقة.

وفي حين يعتبر عدد من المحللين أن الأزمة في الأساس مردها إلى الحصار الأميركي الذي خنق الاقتصاد الإيراني، يؤكد آخرون أن الحصار كوّن طبقة من المتنفذين التي تسيطر على نسبة كبيرة من الاقتصاد، والذين عاثوا فساداً واحتكاراً وإفقاراً للمواطنين.

بدأت الاحتجاجات، الخميس قبل الماضي، في مشهد، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة في شمال شرق البلاد، وحمل المتظاهرون ملفات ارتفاع الأسعار وانتشار الفساد، إضافة إلى ارتفاع الإنفاق العسكري الخارجي على حساب تحسين شروط الحياة بالنسبة للإيرانيين، وتمددت الاحتجاجات إلى غير منطقة، رافعة شعارات مشابهة... ماذا تقول الأرقام؟


البطالة

يشرح المحلل المقيم في طهران سعيد ليلاز، في تصريح لوكالة أسوشييتد برس منذ أيام، أن "هناك أكثر من 3 ملايين عاطل من العمل في إيران، وأكثر من 35% من الإيرانيين تحت خط الفقر. هذه مشاكل يمكن أن تقتل أي حكومة".

ويقول البنك الدولي، في آخر تقرير له عن إيران، إن معدل البطالة ارتفع إلى 12.7% (3.3 ملايين عاطل) وهو أعلى مستوى له خلال 3 سنوات في الربع الثاني من 2016، رغم ارتفاع معدل النمو في هذه الفترة.
وتبرز معدلات البطالة بين الذكور والإناث البالغة 21.8% و10.4% على الترتيب، اتساع الفجوة القائمة بين الجنسين في التوظيف في سوق العمل مقارنة بعام 2015، وفق التقرير.

إلا أن آثار هذه الأرقام تختلف كثيراً حين الدخول في تفاصيلها، إذ تنقل شبكة "سي إن إن" الأميركية عن الإحصاءات الرسمية أن معدل البطالة بين الذين 3.2أعمارهم بين 15 و29 عاماً أكثر من 24%.

وتشير الأرقام الرسمية لرئيس لجنة التخطيط والميزانية في البرلمان الإيراني غلام رضا تاجغردون، وفق ما أوردت المواقع الإيرانية، إلى أن ما بين 5 و6 ملايين خريج جامعي لا يعملون.
ويلفت في حديث تلفزيوني، إلى أن 3.2 ملايين من السكان النشطين في البلاد بالإضافة إلى ثلاثة ملايين و950 ألفاً من السكان غير النشطين غير قادرين على العمل.

من ناحية أخرى، يقول محمد أتاروديان، رئيس جمعية أصحاب العمل: "إذا لم نعمل بسرعة لإطلاق وثيقة التوظيف الوطنية، فإن الوضع سوف يخرج من اليد ومعدل البطالة سوف يزيد على أساس يومي".

وأضاف أن أرقام البطالة الرسمية لا تعكس الحقيقة. ويعتبر بعض الخبراء أن معدل البطالة يتجاوز بكثير نسبة الـ25%، ويؤكد أتاروديان "الحقيقة هي أن الرقم الحقيقي للبطالة أعلى من ذلك. وتبلغ نسبة البطالة بين خريجي الجامعات 45% وتصل إلى 60% بين الخريجات".

ووفقاً لتقارير حكومية، فإنه على الرغم من أن معدل البطالة الكلي في البلاد كان 12.4% في العام الماضي، كانت البطالة في محافظة كرمانشاه (غرب إيران)، 22%، وفي تشاهار مهال ومقاطعة بختياري (جنوب غرب إيران)، 20.2%، وفي مقاطعة كردستان (غرب إيران)، نسبة البطالة تزيد عن 15%.

كما ذكرت وكالة أنباء مهر التي تديرها الدولة في عام 2013، أن معدل البطالة في مدينة بشغارد (جنوب إيران)، كان 53%، وهو أعلى معدل بطالة في إيران. ويصل في مدينة جوانرود إلى 47%، وسارافان 45%، وتسجلان ثاني وثالث أعلى معدل للبطالة في البلاد.

وفي حين ترتفع نسبة الشباب في الهرم العمري الإيراني، يشير مقال الباحث الاقتصادي جعفاد صالحي، منذ أيام، إلى أن نسبة 31% من الرجال و53% من النساء اللواتي تراوح أعمارهن بين 18 و29 سنة عاطلات من العمل، في عام 2015/ 2016، مقارنة بـ20% و19% في عام 1997.

وفي الفترة 2015/ 2016، كان 82% من الرجال و55% من النساء في هذه الفئة العمرية يعيشون مع والديهم، مع صعوبة في العثور على وظيفة وسكن.





الفقر

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن نسبة الفقر في إيران انخفضت من 13.1% إلى 8.1% بين عامي 2009 و2013 (استنادا إلى خط قدره 5.5 دولارات للفرد في اليوم، وفقاً لتعادل القوى الشرائية في عام 2011)، إلا أن معدل الفقر ازداد في عام 2014، وهو ما قد يكون مرتبطاً بتراجع القيمة الفعلية للمساعدات الاجتماعية.

ويقول راديو فردا الفارسي المعارض، في أغسطس/ آب الماضي، إنه وفقاً للإحصاءات الرسمية، يعيش ثلث الإيرانيين حاليا تحت خط الفقر، وأدى هذا الوضع إلى ظهور بعض الظواهر الرهيبة، كما كتب ماجد محمدي، وهو عالم اجتماع إيراني، في مقال لموقع الراديو.

وعلى الرغم من أن تقديرات مستويات الفقر في إيران تراوح بين 30% و40%، فإن هذا الكاتب يعتقد أن ما يقرب من ثلثي السكان الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر. ومن بين هذه الشريحة الضخمة من السكان، يواجه حوالي 12-15 مليون نسمة الفقر المدقع، والباقي الفقر النسبي.

ووفقاً لبعض التقارير، يعيش ما بين 11 مليوناً و21 مليون شخص في إيران في أحياء فقيرة، محرومين من الحد الأدنى من الخدمات الصحية والخدمات العامة. واستناداً إلى تقديرات غير رسمية، هناك ما يراوح بين مليونين و7 ملايين من الأطفال العاملين في إيران الذين لا يحرمون من تجربة الطفولة العادية فحسب، بل يتعرضون أيضاً للعنف وغيره من أنواع الإيذاء.

وفي آب/ أغسطس من العام الماضي، قال وزير الأمن والضمان الاجتماعي عبد الرضا مصري، إن نحو 9.2 ملايين شخص يعيشون في فقر، وإن مليوني شخص يعيشون في فقر مدقع في إيران.

الفساد

ينتقد عدد كبير من الإيرانيين سيطرة النظام على الاقتصاد، إضافة إلى ارتفاع نسبة الفساد في البلاد، حيث يُلحظ تشابك كبير بين الشركات والمصارف التجارية العادية وتلك التي يملكها الحرس الثوري أو تابعة لمؤسسة "سيتاد" المملوكة للمرشد الأعلى في إيران.

ويرى الخبير الأميركي، مارك دوبويتز، المتخصص في الشؤون الإيرانية، في إفاداته التي أدلى بها أخيراً أمام الكونغرس، أنه يصعب إجراء صفقة تجارية أو مالية في إيران دون أن يكون الحرس الثوري أو مؤسسة "سيتاد" التابعة للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية جزءاً منها، أو المنفذ لها خلف ستار.

وحسب تقارير وزارة الخزانة الأميركية، فإن عدد الشركات الإيرانية التي يسيطر عليها الحرس الثوري أو يدير مجالس إداراتها بشكل مباشر أو غير مباشر تراوح ثرواتها بين 20 إلى 30% من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد الإيراني.

في حين أن المرشح المحافظ عمدة طهران، محمد باقر قاليباف، قال في وقت سابق إن 4% فقط في البلاد هم المحسوبون على الفئة الغنية.

وفي عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، تم الكشف عن أكبر قضايا الفساد والاختلاس في تاريخ البلاد، تورط بها مسؤولون ومديرو مصارف يقبعون حالياً خلف القضبان.

وفي عام 2014 كشف المصرف المركزي الإيراني، عن عملية اختلاس 12 تريليون تومان، أي ما يعادل 4.21 مليارات دولار تقريباً، حسب سعر الصرف الرسمي الحالي، وهي العملية التي طاولت أحد المصارف الإيرانية، بعد ما حصل مسؤولون فيه على سندات وائتمانات مصرفية بشكل تدريجي وبمبالغ مختلفة، كان أعلاها 24.5 مليون دولار، وهو ما أدى إلى تضاعف المبلغ مع مرور الوقت.

ولا تزال القضية المسماة بالرواتب الفلكية تهدد روحاني، حيث تم تسريب وثائق ومستندات قبل أشهر دلت على تقاضي مسؤولين ومديرين في مؤسسات حكومية لمستحقات عالية للغاية.

وتضاف إلى ذلك، سيطرة الحرس الثوري على مفاصل الاقتصاد الإيراني، وقد بدأ دخول الحرس الثوري على خط الاقتصاد الإيراني بعد أن تولى أكبر هاشمي رفسنجاني الرئاسة، في سنوات سابقة، كانت البلاد قد خرجت حديثاً من حرب دامت 8 سنوات مع العراق. حينها، ركز رفسنجاني على إعادة البناء، وعلى تطوير البنى الاقتصادية.

وإثر ذلك، تشرح المصادر في تقرير سابق لـ"العربي الجديد"، أن شركات مدعومة من هذه الجهة العسكرية باتت فاعلة في القطاعات العمرانية والصناعية والزراعية، وحتى قطاعات الطاقة، وتطور عملها كثيراً في زمن الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد. وتضيف المصادر أن "العقوبات الغربية ساعدت الحرس بالسيطرة أكثر على قطاعات الاقتصاد".

ويؤكد تقرير نشرته وكالة "رويترز" في العام 2013، تحوّل هيئة "ستاد" (هيئة تنفيذ أوامر الإمام) إلى كيان تجاري عملاق يملك الآن حصصاً في كل قطاعات الاقتصاد الإيراني تقريبا بما في ذلك قطاعات المال والنفط والاتصالات وإنتاج حبوب منع الحمل، بل وحتى تربية النعام.

ويصعب حساب القيمة الإجمالية لهيئة "ستاد" بسبب سرية حساباتها، لكن ممتلكاتها من العقارات والحصص في الشركات وغيرها من الأصول لا تقل إجمالاً عن 95 مليار دولار، وفقاً لحسابات أجرتها "رويترز". ويستند التقدير إلى تحليل لتصريحات مسؤولي الهيئة وبيانات من سوق طهران للأوراق المالية ومواقع الشركات على الإنترنت ومعلومات من وزارة الخزانة الأميركية.

وكل هذه الإمبراطورية الاقتصادية يسيطر عليها شخص واحد هو خامنئي، وفق "رويترز". فهو بصفته أعلى رجال الدين في إيران، صاحب القول الفصل في كل شؤون الحكومة.


الإيرانيون في مواجهة الفقر والفساد والبطالة:

التضخم والأزمات

في حين يشهد الاقتصاد الإيراني تقدماً في السنوات الأخيرة، بفضل الاتفاق النووي الذي خفف العقوبات الدولية، تراجع معدل التضخم منذ تولي حسن روحاني منصبه في عام 2013، إلى 10% من 34%. لكن الكثير من الإيرانيين لا يشعرون بالفائدة، ولا بانعكاس هذه التحسينات على حياتهم اليومية.

ويقول كليف كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا، في حديث مع "سي أن أن"، إن مستويات المعيشة الراكدة تعد من بين الأسباب الرئيسية للاضطرابات الحالية في البلاد. وتابع أن الأزمة تعقدت عندما كشف روحاني عن خطط ميزانيته الشهر الماضي.

واقترحت الحكومة خفض الدعم عن السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء، وتوفير الخدمات للفقراء وزيادة أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 50%، وكذا زيادة الضرائب بمقدار 3.5 مليارات دولار. وفي الوقت ذاته، تم إعفاء المؤسسات الدينية من التقشف، ورفع موازنة القوات المسلحة بنسبة 86%. ويلفت كوبشان إلى أن "هذه الموازنة أغضبت الكثير من الإيرانيين".

إذ عندما رفعت بعض العقوبات، بما في ذلك حظر تصدير النفط، في يناير/ كانون الثاني 2016، توقع العديد من الإيرانيين دفعة كبيرة للاقتصاد والعمالة ومستويات معيشتهم. ولفت كوبشان إلى أن خيبة الأمل إزاء الافتقار إلى الاستثمار الأجنبي المباشر الناتج عن الاتفاق النووي تسهم في الإحباط الحالي.

كانت البلاد تعاني من نزيف المواهب بسبب الافتقار إلى الفرص الوظيفية، ونقل عن وزير العلوم رضا فاراجي دانا، في عام 2014، قوله إن 150 ألف إيراني متعلم يغادرون البلاد كل عام.

وقال النائب، حميد غارمابي من مدينة نيسابور قرب مشهد، لوكالة فارس الإيارانية إن هناك أزمة كبيرة في "مشهد" سببتها المؤسسات المالية غير القانونية في مدينة مشهد، التي انطلقت منها التحركات.

وأشار النائب إلى انتشار واسع "لمؤسسات القروض المالية غير القانونية" في عهد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، في الفترة ما بين 2005 و2013.

وقامت حكومة روحاني منذ 2013 بإغلاق ثلاث مؤسسات قروض كبيرة، وهي ميزان، وفرشتيغان وثمن الحجاج، وأمر البنك المركزي بتعويض ودائع المستثمرين، ولكن يعتقد أن العملية لا تتم بالسرعة الكافية حسب محتجين.

وكانت مشهد من بين المدن الأكثر تضررا من إغلاق مؤسسة ميزان التي كانت تدير نحو مليون حساب مصرفي، وأدى إغلاقها إلى العديد من المظاهرات في عام 2015، حسب وكالة الأنباء الإيرانية إيرنا.

وتعرضت المدينة إلى ضربة موجعة أخرى بعد فشل مشروع ضخم عام 2015 لبناء مدينة جديدة قرب مشهد، وأدى هذا الفشل إلى خسارة 10 آلاف مستثمر لأموالهم.

ذات صلة

الصورة

منوعات

دفعت الحالة المعيشية المتردية وسوء الأوضاع في سورية أصحاب التحف والمقتنيات النادرة إلى بيعها، رغم ما تحمله من معانٍ اجتماعية ومعنوية وعائلية بالنسبة إليهم.
الصورة

سياسة

توعّد الحرس الثوري الإيراني، اليوم السبت، بـ"إغلاق بقية الممرات" المائية الدولية، إذا واصل الاحتلال الإسرائيلي جرائمه بحق سكان غزة.
الصورة
عراقي يتحدى إعاقته (العربي الجديد)

مجتمع

لم يستسلم الشاب العراقي مصطفى إسماعيل (30 عاماً) المصاب بالشلل الرباعي لإعاقته، ولا للظروف المعيشية الصعبة المحيطة به، وتمكّن متسلحاً بالإرادة الصلبة من تحقيق حلمه في افتتاح مكتبته الخاصة، أخيراً، في شارع النجفي بمدينة الموصل.
الصورة

سياسة

تحلّ ذكرى وفاة مهسا أميني، والتي كانت أجّجت احتجاجات عارمة في إيران قبل عام، فيما لا تزال السلطة تتعامل من منطلق أمني بحت مع الحدث، الذي حرّك جدلية الحجاب الإلزامي.

المساهمون