التجربة النيجيرية وأزمة القروض الخارجية

التجربة النيجيرية وأزمة القروض الخارجية

30 يناير 2018
مؤيدون لسياسة خفض الديون في لاغوس (بيوس إكبي/فرانس برس)
+ الخط -
طلب الرئيس النيجيري قبل شهورعدة من مجلسي النواب والشيوخ، الموافقة على إتمام قرض خارجي بقيمة 5.5 مليارات دولار، تشمل 2.5 مليار دولار تمت الموافقة عليها قبل فترة، إضافة إلى استبدال بعض الديون المستحقة بالعملة المحلية، بسندات دولية، يتم إصدارها في الأسواق العالمية، أو من خلال قرض خارجي من عدة جهات، بمبلغ يقدر بنحو 3 مليارات دولار.

طلب الرئيس تسبب في زيادة قلق المشرّعين من تزايد ارتفاع الديون الخارجية، حتى أن قيادات داخل حزب الشعب الديمقراطي، الذي يقود معسكر المعارضة، طلبت من نواب الشعب في الجمعية الوطنية عدم الموافقة على طلب الرئيس، لأن هذه الموافقة سوف "ترهن مستقبل الأمة"!

ينظر كثير من النيجيريين إلى موضوع الدين العام نظرة "عاطفية"، وتحديداً الجزء الخارجي منه، ولم تكن هناك قضية عندما اقترضت الحكومة النيجيرية أول قرض ضخم في تاريخها عام 1978، وكان حجمه مليار دولار، لكن المشكلة بدأت مع تزايد الاقتراض الخارجي خلال فترة الثمانينيات، بعد انهيار أسعار البترول الذي تصدّره نيجيريا.

ويقول رافضو الاقتراض الخارجي إن الديون الأجنبية تُستغل في زيادة معدلات نمو الناتج المحلي أو تنمية الصادرات، كما يرون أن الحكومة لم تقم بالدراسات اللازمة لمعرفة الجدوى الاقتصادية للمشروعات التي نُفِّذت وقتها، وأنها لم تحرص على تحقيق توافق بين مواعيد سداد القروض إانتاجية تلك المشروعات.

وبحلول عام 2005، كانت نيجيريا مديونة لنادي باريس بأكثر من 30 مليار دولار، ولم يكن لدى الدولة الأكثر مديونية وقتها في القارة السمراء ما يمكنها من سداد تلك المليارات.

لكن المسؤولين النيجيريين استطاعوا الوصول إلى اتفاق مع نادي باريس، بإجراء عملية إعادة شراء مخفضة للدين، تقوم بمقتضاه الحكومة النيجيرية بسداد نحو 18 ملياراً، ويتم بذلك إلغاء كل مديونية الدولة الأفريقية للنادي. 
لكن أحزاب المعارضة لم ترق لها الأرقام الصادرة أخيرا من مكتب إدارة الدين النيجيري، والتي أكدت ارتفاع الدين العام (66 مليار دولار)، والجزء الخارجي منه (15 مليار دولار)، واعتبرت أن الديون قد وصلت لمستويات تفوق الاحتمال، خاصة بعد استحواذ خدمتها على ثلث إيرادات الدولة السنوية! 

وعبرت تلك الأحزاب عن قلقها من تكرار تجربة الاستدانة الخارجية المؤلمة، وأكدت رفضها لفكرة الاقتراض لسداد مديونيات مستحقة.

لم تبلع المعارضة طعم التحول نحو الاقتراض الخارجي الأقل تكلفة، وذلك لعلمها أن العملة المحلية، التي تتعرض لضغوط مع كل انخفاض في أسعار البترول، قد تنخفض قيمتها بصورة كبيرة مع تذبذبات الأسواق، وهو ما سيزيد من قيمة القروض الخارجية، وخدمتها، مقومةً بالعملة المحلية.

ولم تفلح جهود الحكومة في إقناع المعارضة بأفضلية القروض الخارجية، على الرغم من تأكيدها أن القروض الخارجية في نيجيريا مازالت "في الحدود المقبولة وفقاً للمعايير العالمية".

حاول الرئيس، عند طلبه الحصول على موافقة مجلسي النواب والشيوخ لإتمام عملية الاقتراض الخارجي الجديدة، توضيح أن متطلبات تحديث البنية الأساسية في البلاد تفرض الاقتراض الخارجي، كما حاول توضيح أهمية القروض الخارجية لرفع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، وإعطاء صورة إيجابية عن الاقتصاد النيجيري لمؤسسات التمويل الدولية.

إلا أن المعارضة تمسكت بعدم الموافقة قبل الحصول على تحليل مفصل للتكلفة والعائد يتضمن إجابات مُرضية لأسئلة: ما هي تكلفة القروض الأجنبية؟ هل تمت مطابقة شروط القروض الأجنبية بشكل مناسب مع ملامح المشروعات المحددة التي سيتم تمويلها من القروض؟ هل القروض الخارجية ستولد إيرادات تمكننا من سداد تلك القروض؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فما هو مصدر سدادها؟ وما هي ضمانات توجيه إيرادات تلك المشروعات إلى جهات الإنفاق المتفق عليها؟

في أفريقيا والدول المتقدمة، لا ينفرد الرئيس وحكومته باتخاذ قرارات الاستدانة. فهناك هيئات تشريعية تحاسبهم، وتطلب منهم أسباباً مقنعة عند الاقتراض.

في أفريقيا والدول المتقدمة، يحرصون على ألا يورطوا الأجيال القادمة في سداد مبالغ اقترضوها ولم يحسنوا استغلالها. وفي أفريقيا والدول المتقدمة، أحزاب حقيقية ونواب يحرصون على أن يكونوا محل ثقة الشعب الذي انتخبهم لمحاسبة الحكومة نيابةً عنه.

وفي بلدان أخرى، عرفت الديمقراطية والمشاركة في الحكم قبل نيجيريا بعقود، ووجدت فيها مجالس نيابية تحاسب ملوكاً أقوياء، دون الخوف من بطشهم، قبل أغلب بلدان العالم، اعتادت الحكومة الاقتراض بلا محاسبة، وقبل الحصول على موافقة نواب الشعب رغم نص دستورها على غير ذلك، ولم تعرف غالبية، إن لم يكن كل، هؤلاء النواب معدل الفائدة الذي تم الاقتراض به، ولا مواعيد السداد، ولا أي معلومة عن المشروعات التي سيتم تمويلها من تلك القروض.

أحزاب المعارضة في هذه البلدان غير موجودة بالمرة، وإن وجدت فهي كخيال المآتة، وتتسابق في تأييد الرئيس وحكومته ودعم مشروعاتهما، بلا أدنى محاسبة أو مناقشة، حتى ارتفع الدين الخارجي إلى 80 مليار دولار، والدين العام إلى ما يقرب من 300 مليار دولار، وما تدري نفسٌ في أي مشروعاتٍ ذهبت، وما تدري نفسٌ بأي موارد تعود.

في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، وافق مجلسا النواب والشيوخ على قيام الحكومة بالاقتراض الخارجي، وأعلن رئيس لجنة الشؤون العامة في مجلس النواب أن المجلس وافق بعد الحصول على إجابات لكل الأسئلة التي شغلته، وبعد دراسة شروط القروض، وطبيعة ومراحل المشروعات التي سيتم تمويلها من هذه القروض، وبعد التأكد من أن تلك القروض ضرورية من أجل سرعة تحقيق التنمية الاقتصادية.

وأكد الرجل على أن المجلسين سيقومان بإجراء رقابة صارمة، للتأكد من حسن إنفاق ما تم اقتراضه على المشروعات التي تم تحديدها.

المساهمون