الصين تتجه لاطلاق بورصة نفطية باليوان الذهبي

"البترويوان" ينافس البترودولار بعد اعلان بورصة صينية للنفط

08 سبتمبر 2017
المركزي الصيني يستهدف دعم تدويل اليوان (Getty)
+ الخط -
في خطوة قد تؤرخ لعهد "البترويوان"، أي النفط المباع باليوان كبديل للبترودولار، أي النفط المسعّر بالدولار حالياً، تعد الصين لإطلاق بورصة عقود مستقبلية لمبيعات النفط باليوان المدعوم بالذهب في نهاية العام الجاري. وهذا يعني أن العقود النفطية المتعامل فيها في هذه البورصة، يمكن تحويل قيمتها من اليوان إلى الذهب، وذلك وفقاً لما نسب موقع مصرفي أميركي، يوم الأربعاء، إلى نشرة "نيكاي أويل ريفيو" الآسيوية. 
وحسب موقع "زيروهيدج" المصرفي المعروف، فإن عقود النفط الآجلة التي ستباع باليوان في هذه البورصة ستكون من أهم مؤشرات أسعار النفط في آسيا، وربما سينافس مؤشرها مؤشرات أسعار خام برنت وخام غرب تكساس، اللذين يهيمنان على مؤشرات أسعار النفط في العالم، وذلك نظراً لأهمية السوق الصيني في استهلاك النفط. والصين ليست فقط من أكبر الدول المستوردة للنفط، ولكن شركات مثل "بتروتشاينا"، كذلك من أكبر تجار المشتقات في الأسواق الآسيوية.
يذكر أن الصين استوردت حوالى 7.6 ملايين برميل يومياً من النفط في المتوسط خلال العام 2016، وذلك وفقاً للإحصائيات الرسمية الصينية. ومعظم مشتريات الشركات الصينية للنفط تتم عبر عقود طويلة الأجل مع شركات النفط الوطنية في الدول المنتجة للنفط.
وحسب نشرة "نيكاي ويل رفيو"، الآسيوية المتخصصة في الطاقة، والتي أطلعت عليها "العربي الجديد"، فإن عملية تحويل أثمان هذه العقود من اليوان إلى الذهب، ستكون جاذبة لشركات النفط العالمية والدول المصدرة للنفط وصناديق الاستثمار والمصارف الوسطاء في تجارة النفط من أنحاء العالم. كما قالت النشرة إن هذه الخطوة ستكون جاذبة تحديداً للدول المصدرة للنفط والتي تعرضت أو ستتعرض للحظر الأميركي، لأن هذا يعني أنها تستطيع بيع نفطها في هذه البورصة باليوان وقبض أثمان صفقاتها بالذهب. وبالتالي، فلن تكون محتاجة للدولار.
ويذكر أن الصين رفعت خلال السنوات الثلاث الماضية من أرصدتها الذهبية، كما تملكت العديد من مناجم المعادن في كل من أفريقيا ودول أميركا الجنوبية، كما أنها تملك احتياطات دولارية تقدر بأكثر من ثلاثة ترليونات دولار. ووفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي في لندن، الصادر في إبريل/ نيسان الماضي، فإن الصين رفعت احتياطاتها من الذهب إلى 1842 طناً، كما اشترت شركات صينية مخازن ضخمة للذهب في كل من لندن وسنغافورة خلال العام الماضي، وذلك ضمن خطة دعم تدويل اليوان.
وحسب الموقع المصرفي الأميركي، فإن هذه الاحتياطات والحيازات الذهبية والمعدنية ستمكن الصين خلال السنوات المقبلة من تقوية بورصة السلع الأولية التي أطلقتها في إبريل/ نيسان الماضي، على أمل أن تصبح هذه البورصة منافسة لبورصة السلع الأولية في كل من لندن ونيويورك. وكانت الصين قد اشترت حيازات لخام البوكسايت من دولة غينيا بيساو بقيمة 20 مليار دولار خلال هذا الأسبوع، وذلك حسب ما ذكر موقع "زيرو هيدج" المصرفي الأميركي يوم الأربعاء الماضي.
وقالت الصين، وحسب النشرة النفطية الآسيوية، إن صفقات النفط الآجلة التي سيتم تنفيذها في هذه البورصة يمكن تحويل أثمانها بالكامل إلى الذهب، في كل من شنغهاي وهونغ كونغ. ويذكر أن الصين استوردت حوالى 7.6 ملايين برميل يومياً من النفط في المتوسط خلال العام 2016. وذلك وفقاً للإحصائيات الرسمية الصينية.
ويرى محللون أن إنشاء مثل هذه البورصة سيضعف آليات الحظر الأميركي التي تعتمد على الدولار، كما أن هذه العقود سترفع من حصة اليوان الصيني في سوق تسوية الصفقات التجارية مقابل كل من الدولار واليورو، وهما العملتان اللتان تسيطران على تجارة تسوية الصفقات في العالم. في هذا الصدد، يقول رئيس الباحثين في مؤسسة "غولد موني" الأميركية، السادير ماكلويد، لنشرة "نيكاي أويل رفيو": "اليوان المدعوم بالذهب في هذه العقود المستقبلية للنفط سيغري الدول والشركات التي تحاول تفادي بيع الخامات بالدولار".
ويعمل بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) منذ سنوات على تدويل اليوان، عبر "صفقات المقايضة" و"الصفقات التبادلية" مع العديد من شركاء التجارة بما في ذلك اليابان. ومع نمو التجارة الصينية وتفوقها على الولايات المتحدة خلال العام الماضي، ترغب الصين في أن تتم العمليات التجارية التي تنفذها مع الشركات الأجنبية باليوان بدلاً من الدولار. وهذه الرغبة تتزايد في أعقاب إقرار اليوان كعملة حقوق سحب خاصة لدى صندوق النقد الدولي، لينضم إلى قائمة قصيرة من العملات تضم الدولار واليورو والين والإسترليني. وفي يونيو/ حزيران الماضي، أجرت بورصة شنغهاي أربع صفقات للعقود الآجلة للنفط الخام، وذلك تحضيراً لإطلاق بورصة العقود الآجلة في نهاية العام الجاري.
ويدور منذ سنوات سباق محموم بين واشنطن وبكين حول النفوذ العالمي وشكل النظام العالمي الجديد، الذي يخطط له كل منهما عبر الهيمنة على المال والاقتصاد والنفوذ "الجيوسياسي" في مناطق العالم الحيوية. وعلى الرغم من اختلاف الأدوات التي سيستخدمها كل منهما في هذا السباق والتحالفات، فإن الهدف واحد. ولكن يبقى الدولار، المتفوق كثيراً على اليوان في وظائف المال الرئيسية، أحد أهم الأسلحة الأميركية في هذا السباق. وبالتالي تعمل الصين مع حلفائها في روسيا وأميركا الجنوبية على زيادة النفوذ التجاري لليوان في الاحتياطي النقدي لدى البنوك المركزية وتنفيذ الصفقات.
فالرئيس الصيني شي، يعمل منذ سنوات على بناء "نظام عالمي جديد مواز" يحل تدريجياً محل النظام العالمي القائم حالياً، وتحديداً على صعيدي النفوذ المالي والتجاري. فهو ينشئ بنوكاً شبيهة بالبنك الدولي وصندوق النقد، ويشكل تحالفات مع القوى الاقتصادية المؤثرة في العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، مثل مجموعة "بريكس"، كما يتوسع تجارياً في أسواق العالم عبر مبادرة "الحزام والطريق" التي يخطط لإنفاق أربعة ترليونات عليها خلال الفترة المقبلة. وينطلق الرئيس الصيني في تنفيذ هذا المخطط من قوة بلاده التجارية وشبكة نفوذها في الأسواق العالمية والاحتياطي المالي الضخم المتوفر لبلاده. وعبر هذه البورصة النفطية الجديدة، التي يرى مراقبون أنها ستكون بداية لسحب الغطاء النفطي عن الدولار، تسعى بكين لإضعاف قوة الدولار وكسر الهيمنة الأميركية على أسواق المال والصناعة المصرفية، التي ظلت تستخدمها ومنذ الحرب العالمية الثانية، للسيطرة على حركة المال وتمويل التجارة وتسوية الصفقات في أنحاء العالم.
وهنالك تعاون وثيق بين موسكو وبكين في تنفيذ الصفقات التجارية باستخدام الذهب كوسيلة لتهميش قوة الدولار في التجارة الثنائية بين الدول. وفي مارس/ آذار 2017، افتتح البنك المركزي الروسي أول مكتب له في الخارج داخل بكين كخطوة مبكرة في تطبيق معيار تجاري غير قائم على الدولار. كما أن صفقات الغاز الضخمة التي وقعت قبل عامين بين الصين وروسيا، كانت مقومة باليوان وليس بالدولار.

المساهمون