العقوبات الأميركية ضد روسيا تُكبل شركات الطاقة العالمية

العقوبات الأميركية ضد روسيا تُكبل شركات الطاقة العالمية

07 اغسطس 2017
مشروعات الغاز إلى أوروبا الأكثر تضرراً من العقوبات (Getty)
+ الخط -
مع توقيع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على قانون توسيع العقوبات بحق روسيا، في الأسبوع الماضي، لم تودّع موسكو وواشنطن آمال تحسين العلاقات بينهما فحسب، بل دخلتا مرحلة جديدة من المواجهة الاقتصادية لم تعد مؤقتة وثنائية، وتم تثبيتها على مستوى القانون، لتهدد التعاون بين شركات الطاقة الروسية ونظيرتها الأوروبية، وليس الأميركية فقط. 
ويحذّر أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، من أن قانون العقوبات الأميركية قد يسفر عن تداعيات كارثية على الاقتصاد العالمي بأسره، لعدم تركه مجالا للمناورة.
ويقول كوكتيش، في حديثه لـ"العربي الجديد": "هذه ليست حرب العقوبات بحق روسيا بقدر ما هي مواجهة داخلية بين ترامب والكونغرس وبين الماليين والصناعيين، تعيد الولايات المتحدة 100 عام إلى الوراء".
ويضيف في ذات السياق: "تعني العقوبات الجديدة أنه يمكن التحدث مع ترامب ووزير خارجيته، ريكس تيلرسون، لكن من دون التوصل إلى اتفاق لعدم وجود آليات لتنفيذه. أدى موقف الكونغرس إلى استبعاد وضع آلية للتصرف السريع عند الضرورة، لتصبح قدرة الولايات المتحدة على المناورة محدودة".
وتكمن خطورة العقوبات الأميركية الجديدة في أنها لم تعد تقتصر على المشاريع داخل روسيا، بل تحظر على الشركات الأميركية المشاركة في أي مشاريع طاقة روسية حول العالم، في حال كانت حصة الخمس شركات الخاضعة للعقوبات "روس نفط" و"لوك أويل" و"غازبروم" و"غازبروم نفط" و"سورغوت نفط غاز" والشركات التابعة لها تبدأ من 33 %.
ورغم أن النسخة الأصلية من مشروع قانون العقوبات لم تكن تنص على الحد الأدنى لحصة الشركات الروسية، إلا أنه جرى تعديل هذا البند، بعد أن أثار قلق شركات قطاع الطاقة الأميركي من منعها من المشاركة في مشاريع ذات حصة روسية متدنية حتى.
وعلاوة على ذلك، تشكل العقوبات الجديدة تهديداً للمشاريع الروسية لتصدير الهيدروكربونات إلى أوروبا، وتطاول أي شركة تشارك أو تستثمر في مشاريع خطوط أنابيب روسية، حتى إذا لم تكن مسجلة في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يقلل رئيس قسم التحليل بصندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، ألكسندر باسيتشنيك، من تأثير العقوبات الجديدة على المشاريع الجاري تنفيذها بالفعل، وفي مقدمتها مشروع "السيل الشمالي-2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا من دون المرور بالأراضي الأوكرانية.
ويقول باسيتشنيك، في حديث لـ "العربي الجديد": "تستهدف الولايات المتحدة مشاريع نقل الغاز الروسي إلى أوروبا لزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركي، رغم أن سعره أعلى من سعر الغاز الطبيعي المورد عبر الأنابيب، وبالتالي غير مجد على بلدان الاتحاد الأوروبي".
وحول مصير "السيل الشمالي-2" بعد فرض العقوبات، يضيف: "أجرى الشركاء الأوروبيون أول تحويلاتهم في إطار مشاركتهم في المشروع، وهناك دفعات أخرى مستحقة في عام 2018، لكن في حال عدولهم، فإن "غازبروم" لديه احتياطات مالية كافية لاستكمال المشروع من دونهم، ولا يزال موعد تشغيله كما هو".
وتسعى روسيا، من خلال تحقيق مشروع "السيل الشمالي-2" بالشراكة مع خمس شركات طاقة أوروبية، "إنجي" و"أو إم في" و"شل" و"يونيبر" و"وينترشال"، للحد من اعتمادها على أوكرانيا في نقل الغاز، في ظل استمرار التوترات بين موسكو وكييف التي بلغت منذ ثلاث سنوات مرحلة المواجهة العسكرية غير المباشرة في منطقة دونباس الموالية لروسيا.
ومن المقرر أن يضم مشروع "السيل الشمالي-2" الموازي لـ"السيل الشمالي"، أنبوبين بطول 1200 كيلومتر وطاقة تمريرية 55 مليار متر مكعب سنوياً عبر قاع بحر البلطيق حتى مدينة غرايفسفالت الألمانية، على أن يتم تشغيل الخط قبل نهاية عام 2019، فيما تقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بنحو 9.5 مليارات يورو.
وبحسب مؤسسة "يورو أكتيف" الأوروبية للتحليل، فإن العقوبات الأميركية تشكل تهديداً للتعاون بين شركات الطاقة الروسية والأوروبية، وقد تمس مجموعة من المشاريع الكبرى، بما فيها "السيل الشمالي-2"، وتوسيع مصنع "ساخالين-2" للغاز الطبيعي المسال الذي تشارك فيه شل وغازبروم، وحتى استثمار حقل "ظهر" المصري في البحر الأبيض المتوسط بالمشاركة بين "بي بي" البريطانية و"إيني" الإيطالية و"روس نفط" الروسية.
وفيما يتعلق بإمكانية التفاف الشركات الأوروبية على العقوبات، يوضح باسيتشنيك أن "نص قانون العقوبات ضبابي جداً ويمكن تفسيره بطرق مختلفة فيما يتعلق بما إذا كان ينطبق على هذا المشروع أو ذاك، مما يزيد من صعوبة مساءلة الشركات المخالفة وتغريمها، لاسيما إذا كانت مسجلة في أوروبا".
ويذكّر الخبير الروسي في شؤون الطاقة بواقعة تغريم شركة "إكسون موبيل" مليوني دولار، بسبب توقيعها ثماني وثائق مع رئيس شركة "روس نفط" الخاضعة للعقوبات، إيغور سيتشين، مشيراً إلى أن هذه تكلفة منخفضة جداً مقابل استمرار التعاون في مشاريع كبرى، كما يمكن الطعن في الغرامة أمام التحكيم.
وكانت صحيفة "إر بي كا" الروسية قد أوضحت قبل أيام أن عدم احتواء قانون العقوبات على تعريف واضح لـ"المشاريع الجديدة" التي ينطبق عليها، يترك لوزارة الخزانة الأميركية مجالاً واسعاً لتحديد موعد تطبيقها اعتباراً من الثاني من أغسطس/آب 2017 أو بعد مرور 90 يوماً أو حتى بالأثر الرجعي بدءاً من الثاني عشر من سبتمبر/أيلول 2014، وهو تاريخ دخول قرار العقوبات السابق حيز التنفيذ.
وحول رؤيته للجانب السياسي للعقوبات الاقتصادية الأميركية، يقول باسيتشنيك: "تتمنى الإدارة الأميركية الجديدة توسيع التعاون مع روسيا، وتيلرسون له سجل كبير في مجال الأعمال، ولكن إدارة ترامب مغلولة الأيدي، وأصبح الرئيس الأميركي رهينة للوضع الداخلي ولم يكن بإمكانه ألا يوقّع القانون".
وفيما يتعلق بالتداعيات طويلة الأمد للعقوبات على قطاع الطاقة العالمي، يتابع: "على المستوى الاستراتيجي، هناك إمكانية إقامة شراكة بين الولايات المتحدة وروسيا لاستكشاف النفط في الجرف القاري لمنطقة القطب الشمالي. لكن إطالة أمد العقوبات ستدفع روسيا نحو الشراكة مع البلدان الآسيوية، وفي مقدمتها الصين التي تعتبر أيضا منافساً للولايات المتحدة، ما يعني أن أميركا ستتضرر أيضا".
وكان ترامب قد وقّع، في الثاني من أغسطس/آب الجاري، على قانون العقوبات الجديدة بحق روسيا، رغم وصفه له بأنه "معيب"، في تطور رأت موسكو فيه نهاية لآمال تحسين العلاقات، وإعلانا لـ"حرب تجارية متكاملة" ضدها.
وأعرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في يوليو/تموز الماضي، عن أسفه لـ"التضحية" بالعلاقات الروسية الأميركية من أجل ما قال إنه تسوية الشؤون الأميركية الداخلية، وذلك في إشارة إلى مزاعم تدخل موسكو في انتخابات الرئاسة الأميركية لدعم المرشح الجمهوري، الرئيس الحالي دونالد ترامب.
وقد أشار بوتين أخيراً إلى أن الاقتصاد الروسي تجاوز مرحلة الركود وعاد إلى النمو، بينما توقع المصرف المركزي الروسي أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي ما بين 1.3% و1.8% في 2017، في مؤشر على تكيّف الاقتصاد الروسي مع الصدمتين الخارجيتين المتمثلتين في العقوبات الغربية وتدني أسعار النفط منذ 2014.

المساهمون