السعودية... بلد المليون عاطل

السعودية... بلد المليون عاطل رغم الثروة النفطية الضخمة

01 اغسطس 2017
إنفوغراف حول تفاقم البطالة في السعودية (العربي الجديد)
+ الخط -
تفاقمت أزمة البطالة داخل السعودية التي تصنف على أنها أغني الدول العربية، والملفت أن البلد الذي يحوز احتياطيات من النقد الأجنبي تتجاوز 500 مليار دولار يوجد به ما يقرب من مليون عاطل عن العمل، والأكثر لفتاً أن هذه البطالة تتركز بين الشباب من خريجي الجامعات.

وأظهرت بيانات رسمية في السعودية نشرت يوم الأحد الماضي أن معدل البطالة في المملكة قفز إلى 12.7% في الربع الأول من 2017 مواصلا ارتفاعه الثابت في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد تبعات تراجع أسعار النفط.

وحسب تقرير حديث صادر عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية (مؤسسة حكومية) فقد ارتفع معدل البطالة بين السعوديين في الربع الأول من 2017 ( من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار) إلى 12.7%، مقابل 12.3% في الربع الرابع من عام 2016، طبقا لتقديرات مسح القوى العاملة، واستحوذ الحاصلون على الشهادات الجامعية على النصيب الأكبر من البطالة.

ويزيد معدل البطالة الآن داخل المملكة أكثر من 1% عن نفس الفترة من العام الماضي عندما أعلن الأمير محمد بن سلمان ولى عهد السعودية خطته الإصلاحية المعروفة باسم "رؤية المملكة 2030 " لتنويع مصادر الاقتصاد بحيث لا يعتمد على النفط فقط.

وتهدف الخطة إلى خفض معدل البطالة إلى سبعة في المئة بحلول 2030 ضمن مجموعة من الأهداف الأخرى.

ومع تفاقم الأزمة داخل الدولة الخليجية الثرية يؤكد مسؤولون رسميون على أن حكومة المملكة تأمل خفض نسبة البطالة إلى 9 % بحلول عام 2020 مع سعي المملكة إلى تنويع اقتصادها الذي يرتكز على النفط.

أعلى من دول عربية فقيرة

وتتفاقم البطالة في السعودية، البالغ عدد سكانها أكثر من 30 مليون نسمة، رغم الإجراءات

التي اتخذتها الحكومة بهدف تقليص أعداد العاطلين، في ظل تعرض الدولة لأزمات مالية دفعتها إلى وقف مشروعات ضخمة، بل الاتجاه نحو خصصة 16 قطاعا حكوميا، ما قلّص فرص التشغيل أمام المواطنين.

وحسب تقارير دولية عدة فإن معدلات البطالة في السعودية أكبر منتج للنفط  تقارب دولا مثل السودان ومصر، وتفوق نظيرتها في دول ليس لديها موارد نفطية مثل لبنان وتونس والمغرب، أو فقيرة الموارد.

وتتجاوز نسبة البطالة الحقيقية بين السعوديين الأرقام الرسمية المعلنة، إذ تبلغ أكثر من 30%، حسب تقديراتهم، ما يجعل البلد الثري بالنفط في حاجة إلى مضاعفة الجهود لحل المشكلة.

وأكدت التقارير الرسمية، أن السعودية تأتي في صدارة دول الخليج من حيث أعداد العاطلين، بل إن نسبة البطالة في ذلك البلد الغني بالنفط تتجاوز نسب البطالة في دول عربية تعاني من أزمات اقتصادية مثل الجزائر والمغرب ومصر.

وأفادت إحصائيات رسمية بأن معدل البطالة في المغرب في الربع الأول من العام الحالي بلغ 10.7%، وفي الجزائر تؤكد تقارير حكومية أن البطالة بلغت نهاية السنة الماضية 10.5%، وفي مصر بلغت نسبة البطالة 12% خلال الربع اﻷول من عام 2017، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة واﻹحصاء الحكومي، في حين ارتفعت نسبة البطالة في السعودية إلى 12.7% خلال نفس الفترة.

وتطبق السلطات السعودية رسوما جديدة وقيودا على القطاعات الاقتصادية لتشجيع توظيف السعوديين في الوقت الذي تقلص فيه اعتماد السعودية على العمالة الأجنبية التي يبلغ حجمها 11 مليون فرد.

وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري "البيانات تظهر أن الاقتصاد السعودي لا يوفر وظائف كافية للملتحقين الجدد بسوق العمل. توفير الوظائف سيكون التحدي الأساسي لبرنامج الإصلاح".

وأضافت "القطاع الخاص يعاني من الإصلاحات المالية والإنفاق الحكومي منخفض. وعلى الرغم من الضغوط على الوافدين لم يحدث نمو كاف في التوظيف بين المواطنين لتعويض خروجهم من السوق".

دعوات للتظاهر

وأطلق ناشطون سعوديون وسم "#مليون_عاطل_نصهم_جامعيين"، بعد أن أعلنت هيئة الإحصاء السعودية الخاصة في سوق العمل، أن إجمالي الباحثين عن عمل بالمملكة خلال الربع الأول من عام 2017 تجاوز 900 ألف شخص من الجنسين.

وسرعان ما تصدر الوسم موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" بالمملكة، بعد نشر تقرير أظهر أن عدد الباحثين عن عمل بلغ 906 آلاف و552 شخصاً، 75.84% منهم من النساء.

ويسلط ارتفاع عدد العاطلين بالمملكة الضوء على التحدي الضخم الذي تواجهه البلاد من أجل الوفاء بتعهدات بتوفير فرص عمل لمواطنيها وسط تباطؤ اقتصادي طويل الأجل.

والملفت أن بلدا يمتلك احتياطيات أجنبية من النقد الأجنبي تفوق احتياطيات كل الدول العربية نجد به دعوات الشباب السعودي للتظاهر، وكان عاطلون عن العمل في السعودية قد دعوا للتظاهر نهاية أبريل/نيسان الماضي احتجاجاً على البطالة، تحت عنوان "تجمع العاطلين 30 أبريل"، ونشر مستخدمون لتويتر في السعودية دعوات للتظاهر احتجاجاً على البطالة، رغم منع السلطات التظاهرات في المملكة التي شهدت دعوة مماثلة للتظاهر في 21 نيسان/أبريل، ما دفع السلطات إلى زيادة أعداد أفراد الشرطة في شوارع العاصمة الرياض تحسبا لخروج المحتجين إلى شوارع المدينة.

ودعا عدد من مستخدمي تويتر السعوديين إلى التظاهر أمام مقرات التوظيف في المملكة الغنية بالنفط، وذلك بعد أيام من إعادة جميع المكافآت والمزايا المالية لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين.

وكتب أحد النشطاء "بسبب حراك 21 أبريل/نيسان تم إرجاع البدلات، فيا أخي العاطل لا تحرم نفسك وانزل 30 أبريل/نيسان لعل الله يفرج لك كربك"، بينما كتب مغرد آخر "أنا مواطن وعمري 30 سنة. خريج جامعة الملك عبدالعزيز تخصص نظم معلومات إدارية (...) ولا أملك وظيفة. أرغب بالعمل".

 باحثون عن العمل

ووفقاً للتقرير ربع السنوي للهيئة السعودية فإن إجمالي السعوديين العاطلين الباحثين عن عمل بلغ 906.552 شخصا، يمثل الذكور منهم 219.017 شخصا والإناث 687.535، وهو ما يعكس زيادة البطالة وسط الإناث، الا أن التقديرات غير الرسمية ترفع الرقم لضعف هذا الرقم أي مليوني عاطل وربما أكثر.

وتُعرف الهيئة الحكومية، العاطلين بأنهم الأفراد الذين يبلغون 15 عاماً، فأكثر وبحثوا بجدية عن عمل ولم يجدوا.

ويشير التقرير إلى أن معدل البطالة كان الأعلى بين السعوديين الحاصلين على الشهادات الجامعية، حيث بلغ 17.2% يليهم الحاصلون على الثانوية 11.5%.

وقال بحث لشركة جدوى للاستثمار السعودية إن الاقتصاد السعودي أضاف نحو 433 ألف وظيفة سنويا في المتوسط خلال السنوات العشر الماضية، لكن غير سعوديين شغلوا معظم تلك الوظائف الجديدة.

 
توقف المشروعات

ويرجع السبب الرئيسي لتفاقم البطالة في السعودية، خلال الفترة الأخيرة، إلى عدة أسباب منها

الفشل الحكومي في احتواء الأزمة رغم توافر المخصصات المالية، حيث تمتلك المملكة احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي تقارب 500 مليار دولار مستثمرة في الخارج، إضافة للاحتياطي العام للمملكة البالغ 634.5 مليار ريال خلال شهر مارس/آذار الماضي حسبما أظهرت البيانات الشهرية لمؤسسة النقد العربي.

وفاقم الأزمة في السنوات الأخيرة التراجع الحاد في الإيرادات العامة بسبب انخفاض أسعار النفط، التي تشكل نحو 95% من إيرادات الموازنة السعودية، وهو ما أربك خططا حكومية في احتواء هذه الأزمة.

وانخفضت أسعار النفط من 115 دولارا للبرميل عام 2014 إلى نحو 51 دولاراً حالياً، ما اضطر أكبر منتج للنفط في العالم لاتخاذ إجراءات تقشفية، بالإضافة إلى الاتجاه للاقتراض من السوقين المحلي والدولي في سابقة جديدة لم تعهدها السعودية.

وكانت السعودية قد اقترضت، الثلاثاء الماضي، 51 مليار ريال (13.6 مليار دولار) من السوق المحلية، عبر صكوك حكومية يتم طرحها لأول مرة بالريال. وما زاد من الصعوبات المالية أمام أكبر منتج للنفط في العالم تكلفة الحرب التي يخوضها في اليمن ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين).

ومن أبرز أسباب تفاقم البطالة في السعودية توقف مئات المشاريع بسبب ترشيد الإنفاق الحكومي وتباطؤ الاستثمارات ما أدى إلى تسريح الكثير من الموظفين وتقليص الفرص المتاحة للتشغيل. وكان النصيب الأكبر من توقف المشروعات في قطاع المقاولات الذي يعمل به نحو 5.8 ملايين، حسب تقارير رسمية.

وحسب تقرير الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، يعمل في القطاع الخاص السعودي نحو 10.4 ملايين موظف، بينهم 1.7 مليون سعودي، بنسبة 16% من إجمالي العاملين، بينما يبلغ عدد الأجانب 8.7 ملايين شخص بنسبة 84%.

 تعثر التوطين

واصلت البطالة في السعودية الارتفاع رغم الإجراءات الحكومية التي استهدفت تقليص العمالة الوافدة لزيادة توطين السعوديين، عبر إلزام الشركات بإجراءات تعمل على توفير فرص للمواطنين وسعودة الوظائف.




وأعلنت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية السعودية، عن آلية جديدة تتعلق باستقدام العمالة الوافدة، بهدف توفير فرص عمل للمواطنين، وذلك بعد إعلان الوزارة أنها ستعمل على خفض سيطرة الأجانب على ما وصفته بـ"الوظائف الحرجة"، عبر رفع نسب توطين السعوديين في هذه الوظائف.

وقالت الوزارة، منتصف شهر مارس/آذار الماضي، إنه سيتم تغيير آلية الاستقدام، بحيث يعرض صاحب العمل الوظيفة المطلوب الاستقدام من أجلها، على السعوديين أولاً من خلال البوابة الوطنية للعمل (طاقات)، وذلك لعدد محدد من الأيام، وفي حال عدم توفر سعوديين مناسبين، يتم منح صاحب العمل التأشيرة لتلك الوظيفة بالتحديد.

وذكرت الوزارة أن هذا الإجراء من شأنه رفع عدد الشواغر في البوابة الوطنية للعمل، وإعطاء أولوية للمواطن في الوظائف المطروحة، من أجل خفض معدل البطالة إلى 9% بحلول عام 2020، وزيادة نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 30%.

المساهمون