تجميد الاستيراد يُنعش "تجارة الشنطة" في الجزائر

تجميد الاستيراد يُنعش "تجارة الشنطة" في الجزائر

19 يوليو 2017
انتشار البضائع المستوردة عبر الأفراد (Getty)
+ الخط -
أعاد التجميد المتواصل لعمليات الاستيراد مشاهد الحقائب الكبيرة والطرود الضخمة إلى مطارات وموانئ الجزائر، حيث انتعشت أعمال ما يعرف بـ"تجار الشنطة"، الذين تحولوا إلى مموّن رئيسي للجزائريين بالثياب والمواد الغذائية وحتى الأدوية. 

في مطار الجزائر الدولي وبعد حوالي نصف ساعة من وصول الرحلة رقم AH3019 القادمة من إسطنبول التركية، يخرج المسافرون إلى بهو المطار محملين بحقائب كبيرة، في مشهد لم يره الجزائريون منذ "سنوات الإرهاب"، حسب تعليق لأحد الجزائريين.

ويقول محمد السعيد، تاجر ملابس، كان مسافرًا على متن الرحلة بين إسطنبول والجزائر: "تجارة الكابة (الشنطة) عادت إليها الروح مجدداً بعدما أطلقت عليها البضاعة الصينية التي غزت الأسواق الجزائرية رصاصة الرحمة، اليوم أصبحنا نبيع سلعتنا حتى قبل أن نجلبها من تركيا، فكل شيء أصبح يُحجز مسبقاً".

وأضاف المتحدث، لـ"العربي الجديد"، أنه ضاعف رحلاته إلى تركيا منذ بداية السنة الحالية، حيث أصبح يتنقل مرتين في الأسبوع، بعد انتعاش نشاطه.
وأوضح السعيد أن الرحلات نحو تركيا ودول الخليج أصبحت هي المفضلة لجلب الملابس والهواتف النقالة ومواد التجميل، وحتى الذهب والدواء دخلا في قائمة تجار الشنطة أو "البزناسية" كما يُطلق عليهم باللهجة الجزائرية، حيث جاء اشتقاقها من الكلمة الإنكليزية "بزنس".

ويرجع الفضل لعودة الحياة إلى تجارة الشنطة، إلى الغلق الذي فرضته الحكومة الجزائرية على الواردات، بعدما منعت استيراد المئات من السلع، بداية بالسيارات الجديدة بالنسبة للوكلاء والدواء والفواكه والهواتف النقالة (الشركات الممثلة في الجزائر معفاة من الإجراء)، وصولا إلى الشيكولاتة وصلصات الموائد كـ"المايونيز" وصلصة الطماطم، وذلك لكبح فاتورة الاستيراد وحماية الإنتاج المحلي.

وفي ميناء الجزائر، لا يختلف الحال كثيرًا عن مطار الجزائر الدولي، فالفرق الوحيد يكمن في السيارات التي تلامس الأرض من كمية السلع المحملة فيها، فالقانون الجزائري لا يمنع استيراد المواطنين للسيارات شرط أن لا تتعدى مدة استغلالها 12 شهراً.
وقال سيد علي بختي، مواطن جزائري قدم على باخرة من "أليكانت" الإسبانية، لـ"العربي الجديد"، إن هذه الرحلة هي الثالثة له منذ بداية السنة، حيث أحضر إلى الجزائر سيارتين سابقا وهذه الثالثة.
ولم يخف بختي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه في الرحلة يضرب عصفورين بحجر واحد، حيث يغتنم فرصة إدخاله سيارة إلى الجزائر كي يملأها بالسلع من ملابس وأجهزة إلكترونية يبيعها لأصحاب المحلات.

واللافت أنه في عز الأزمة المالية وبالرغم من منع استيراد السيارات الجديدة بالنسبة للوكلاء والمصنعين الممثلين في الجزائر، إلا أن مصالح الجمارك الجزائرية كشفت مطلع الشهر الجاري أن الجزائريين قد استوردوا بما يعادل 530 مليون دولار من السيارات في النصف الأول من العام الجاري، وهو رقم يترجم، حسب المتابعين، انتعاش التجارة الموازية.

وحسب الخبير الاقتصادي فرحات علي، فإن "انتعاش تجارة الشنطة يعتبر أمرا منطقيا وكان منتظرا بالنظر للنمط الاستهلاكي الجزائري الذي تعوّد على الكثير من السلع وبين ليلة وأخرى يجد المواطن أن هذه السلع قد تم منع أو تجميد استيرادها، وبالتالي يطرح تجار الشنطة أنفسهم كبديل".

ويضيف المتحدث لـ"العربي الجديد"، أن الجزائر تعيش حالياً المشاهد نفسها التي عاشتها قبل 30 و40 سنة، حين فرضت الأزمة الاقتصادية التي عاشتها الجزائر سنة 1986 وما تلاها من سنوات "الإرهاب" على الجزائريين جلب الموز والشيكولاتة في الشنطات وبيعها بأسعار خيالية.

ولفت فرحات علي إلى أن تجارة الشنطة وإن كانت حلا للبعض، كالباحثين عن الدواء مثلا، إلا أنها تبقى تشكل خطراً على الاقتصاد الوطني، لأنها تنعش السوق الموازية للعملة الصعبة، وهو ما حدث أخيرا حين قفزت أسعار الدولار واليورو في السوق السوداء مقابل استقرارها في السوق الرسمية، كما أن "غياب الأثر" يجعل من السلع، خاصة الاستهلاكية، تشكل خطرا على صحة المواطن.

ووضعت الحكومة الجزائرية سقف 30 مليار دولار كأقصى حد يمكن استغلاله في استيراد بضائع من الخارج هذه السنة، وذلك بعد أن نجحت السنة الماضية في خفض فاتورة الواردات إلى 48 مليار دولار، مقابل 57 مليار دولار في عام 2015.

ولتحقيق هذا الرهان، جمدت الحكومة مختلف عمليات الاستيراد إلا المواد واسعة الاستهلاك، كالحليب والقمح والشعير وبعض الأصناف من الأدوية.



المساهمون