الإسترليني أمام الصدمة ونتائج الانتخابات البريطانية تقلق الأسواق

الإسترليني أمام الصدمة ونتائج الانتخابات البريطانية تقلق الأسواق

09 يونيو 2017
ترقب ياباني لتأثير نتائج الانتخابات على الإسترليني(تورو ياماناكا/فرانس برس)
+ الخط -
تلقى الجنيه الإسترليني ضربة قاسية بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية المبكرة في بريطانيا. إذ لم يتمكّن حزب المحافظين من الحصول على أغلبية برلمانية تؤهله لخوض مفاوضات حاسمة مع الاتحاد الأوروبي. 
وشهدت العملة البريطانية انخفاضاً حاداً مقابل كل من الدولار واليورو، مع توقعات بالمزيد من التراجع، مع دخول البلاد في عنق الأزمة السياسية، وارتفاع الأصوات المطالبة باستقالة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، حتى من بين أعضاء حزبها، كردة فعل على نتائج الانتخابات وفشلها في إدارة هذا الملف.
وتراجع الإسترليني في تعاملات الجمعة إلى 1.2642 مقابل الدولار وإلى 1.1328 مقابل اليورو. وتشير التوقعات إلى أن الإسترليني ربما يهبط إلى مستويات أدنى من ذلك خلال الأسبوع وسط حال عدم اليقين التي تحيط بمستقبل تشكيل الحكومة الجديدة ومحادثات فض الشراكة مع دول الاتحاد الأوروبي التي تعرف اختصاراً باسم "بريكست". وبدأ المتعاملون في حي المال البريطاني تعاملاتهم اليوم، وهم غير واثقين من توجهات السياسة البريطانية.
ولكن في المقابل حافظ مؤشر "فوتسي 100" الذي يقيس أداء الأسهم البريطانية على مستواه مستفيداً من انخفاض الإسترليني الذي يعني مزيداً من القوة التنافسية للصادرات وجاذبية بريطانيا للسياحة والتسوق في هذا الصيف. وافتتح مؤشر فوتسي تعاملاته صباح اليوم لدى 7449.98 نقطة.

هروب نحو الملاذات الآمنة
وتوجه المتعاملون في السوق البريطانية بسرعة نحو الملاذات الآمنة، حيث ارتفعت القطاعات الدفاعية، الأقل اعتماداً على الدورة الاقتصادية، مثل قطاع الأغذية والمشروبات وقطاع الرعاية الصحية، 0.8% و0.5% على التوالي.
وكانت شركات المرافق البريطانية مثل سنتريكا من بين أكبر الرابحين. وأقبل المستثمرون أيضا على شراء أسهم شركات استخراج المعادن النفيسة حيث صعد سهم فريسنيلو 3.2%. وقفزت أسهم البنكين الإيطاليين يو.بي.آي بانكا وبانكو بي.بي.إم بنسبة 6.5% و2.5% على الترتيب ليقودا موجة صعود بين المصارف الأوروبية. غير أن الأسهم المرتبطة بقطاع بناء المنازل البريطاني تكبدت أكبر خسائر على المؤشر ستوكس حيث هبط سهم ترافيس بيركنز نحو 4% وهاودن جوينري 3.7% وغريت بورتلاند ايستيتس 3.4%.
وجاءت نتيجة الانتخابات مخيبة لآمال رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي كانت تأمل في أن يمنحها الناخبون البريطانيون تفويضاً للدخول في محادثات "بريكست" مع أوروبا من منطلق القوة، إذ أنها فقدت العديد من المقاعد البرلمانية لصالح حزب العمال. وحصل حزب المحافظين على 316 مقعداً مقابل 261 مقعداً لحزب العمال. وهذا العدد من المقاعد لا يؤهل ماي لتشكيل حكومة متجانسة. لا بل دعا زعيم حزب العمال جريمي كوربين، رئيسة الحكومة للاستقالة، ووصف سياسيون ومعلقون قرار ماي بإجراء انتخابات مبكرة بأنه خطأ فادح وتهكموا من أدائها خلال الحملة الانتخابية.
غير أن هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) ذكرت أن ماي لا تعتزم الاستقالة.
وعلى بعد 9 أيام فقط من بدء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي لترتيب آلية الخروج منه، لا يبدو واضحاً من سيشكل الحكومة المقبلة ولا الاتجاه الأساسي الذي ستسلكه محادثات الخروج.

ترقب للمرحلة المقبلة
وكانت ماي قد فاجأت الجميع حين أعلنت قبل سبعة أسابيع عن إجراء انتخابات مبكرة رغم أن الانتخابات لم تكن مقررة قبل 2020. وفي تلك الفترة توقعت استطلاعات الرأي أن تزيد ماي بقوة من الأغلبية الهزيلة التي ورثتها عن رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون.
وتوقع مصرف "سيتي غروب" أن يجبر حزب المحافظين رئيسة الوزراء تيريزا ماي على الاستقالة، ولكن هنالك عقبات أمام هكذا قرار، لأنه سيعني مزيداً من الفوضى في الشارع السياسي البريطاني.
ويذكر أن الجنيه الإسترليني هبط 2% مقابل الدولار، بعدما أظهر استطلاع شمل ناخبين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات أن حزب المحافظين بزعامة رئيسة الوزراء تيريزا ماي لن يحصل على أغلبية مطلقة في البرلمان.
وقال كريغ إيرل محلل الأسواق بشركة أوندا للسمسرة في لندن لوكالة "رويترز" إن "برلمانا معلقا هو أسوأ نتيجة من منظور الأسواق لأنه يوجد طبقة أخرى من الشكوك قبل مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي".
وأضاف أن "الإسترليني يبدو عرضة بشكل كبير جداً لمزيد من التراجع. قد تكون مرحلة أخرى سيئة للجنيه".
من المرجح أن يؤدي تزايد التوتر في الأسواق البريطانية إلى تحويل المستثمرين أموالهم إلى أسواق أكثر جاذبية مثل أسواق منطقة اليورو التي تشهد ارتفاعاً في النمو وتراجع المخاطر السياسية.


تعزيز المخاوف الاقتصادية
واعتبر كبير الاقتصاديين في "بانثيون ماكروكونوميكس" صمويل تومبس أنه "سيكون تأثير هذه النتيجة غير الحاسمة للانتخابات غير مفيد، في الوقت الذي انخفض فيه نمو الناتج المحلي الإجمالي على أساس ربع سنوي هذا العام إلى 0.2%، وهو أبطأ معدل في مجموعة السبع".
يقول كريس باتن، وهو مستشار في جامعة أوكسفورد، في مقالة له حول الطلاق ما بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، إن الشعار البريطاني قائم على "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو الإفلاس". ويعتبر باتن أنه "للأسف، سنحصل غالباً على كليهما".
ويشرح أن نصف صادرات بريطانيا تذهب إلى الاتحاد الأوروبي، بمعدل ست مرات أكثر من جميع دول البريكست. ويضيف: "لكننا تخلينا عن البقاء في السوق الواحدة أو الاتحاد الجمركي. على ما يبدو نحن نريد اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي بشروطنا الخاصة، التي تغطي الصناعات والخدمات الرئيسية لدينا". وينتقد إصرار أنصار تيريزا ماي على البريكست، خصوصاً الذين يعتبرون أن انخفاض الإسترليني سوف يرفع من الحركة التجارية خصوصاً مع تراجع الأسعار وما يعني ذلك من إغراءات تجارية للدول الأخرى. إلا أن هؤلاء، لا ينظرون إلى الوجه الآخر من تراجع العملة، على الاقتصاد البريطاني ككل.
ومن هذا المنطلق، تشرح ران نيوتن سميث، كبيرة الاقتصاديين في اتحاد الصناعات البريطانية، في مقالة لها أيضاً، أن انخفاض قيمة الجنيه قد يلحق الأذى بالأسر البريطانية. فمن المتوقع أن يبلغ تضخم أسعار المستهلك ذروته عند مستوى 3% تقريباً هذا العام. ولكن نظراً للديناميكيات المتغيرة في سوق العمل وضعف نمو الإنتاجية، فمن غير المرجح أن يكون متوسط مكاسب الأجور أكثر من 2.5%. ومن المرجح بالتالي أن يظل متوسط دخول الأسر بالقيمة الحقيقية ثابتاً أو ربما يتقلص، وهذا من شأنه أن يقوض محرك الإنفاق الاستهلاكي المهم لاقتصاد المملكة المتحدة.
الأسوأ من ذلك هو أن هذه التحديات الوشيكة في مجال الاقتصاد الكلي ربما تتضاءل بالمقارنة بتلك الناشئة عن مفاوضات الخروج البريطاني المقبلة، وإن لم يكن ذلك راجعاً إلى السبب الذي قد يتوقعه المرء. فالخطر الرئيسي الذي يواجه الشركات، على حد تعبير رئيس إحدى شركات الهندسة الإنشائية، هو أن التخطيط لكل سيناريوهات الخروج البريطاني المحتملة قد يتحول إلى شأن مستنزف للوقت والجهد، فيصرف انتباه الشركات عن أهدافها الاستراتيجية الأكبر.
(العربي الجديد)

المساهمون